باب الريان
23 أغسطس 2011 , 12:00ص
الشيخ عبد السلام قنديل
الصبر والتوكل على الله تعالى: فإذا كان الزوج فقيرا صبرت، حتى يغير الله تعالى الحال إلى ما الأفضل، فهي موقنة بأن الله عز وجل لن يضيع عباده، فالفقر أو الغنى ابتلاء واختبار من الله تعالى لعباده المؤمنين، وهي مؤمنة بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» صحيح الجامع الصغير.
فقد روى البخاري بما معناه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبراهيم عليه السلام بزوجته هاجر وابنهما إسماعيل، من فلسطين إلى مكة المكرمة، تلك الصحراء القاحلة التي لا زرع فيها ولا شجر ولا بشر، وتركها وابنها، وترك معهما جرابا من تمر وسقاء فيه ماء، وعندما سألته عن سبب تركها وابنها وحيدين في هذا المكان الموحش، لم يجبها، فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ أجابها: نعم. قالت: إذن لا يضيعنا.
فبهذه الثقة، وهذا اليقين والمنطق الحكيم، تقبلت هذا الأمر العظيم. وانطلق سيدنا إبراهيم عليه السلام راجعا إلى فلسطين، واستقبل البيت ورفع يديه متضرعا إلى الله: «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون».
وبقيت هاجر تأكل التمر وتشرب الماء وترضع طفلها، حتى نفد الماء ذات يوم، فانطلقت تمشي طالبة الحصول على الماء، تعتلي الصفا حينا، وتنزل إلى المروة حينا، وبقيت ذاهبة آيبة بين هذين الجبلين سبع مرات، حتى نبع الماء بالقرب من رضيعها بقدرة الله تعالى، فأخذت هاجر تزم الماء بيديها وتشرب وتسقي طفلها، وفجّر الله تعالى عين زمزم قرب البيت الحرام، إكراما للسيدة هاجر، ولصبرها وحسن توكلها. فهي شرب وشفاء للناس. وقد جعل الله تعالى من مناسك الحج والعمرة السعي بين الصفا والمروة، ولقد قال تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا».
والمرأة الصالحة تشارك زوجها الحياة بحلوها ومرها، فهي معه في السراء والضراء، تثبته وتواسيه، فهذه خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها تقف إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، تخفف عنه عندما جاءها فزعا مرعوبا، حينما نزل عليه الوحي فقالت له: «كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» رواه البخاري. فرفعت معنوياته، وبثت الأمل في قلبه، حتى غدا قويا متحمسا لدعوته.
وتبقى إلى جانب زوجها حتى يحقق أهدافه في الحياة، وكلما حقق هدفا بثت في قلبه النشاط والحماس لإنجاز هدف آخر، فهناك الكثير من النساء، كن خير معين لأزواجهن على تخطي صعوبات الحياة.
فأعطته قبل أن تأخذ منه. وهيئت له ظروف الالتحاق بركب التحصيل العلمي حتى وصل إلى قمة المجد والعلياء، وأصبح رمزا يشار إليه بالبنان. فشاركته فرحة الإنجاز وأحاطته بالثقة العالية حتى حقق أحلامه. وبذلك تنطبق عليها مقولة «وراء كل رجل عظيم امرأة»، وكما قال الرافعي رحمه الله: «إن المرأة العظيمة هي المرأة التي تستطيع أن تجعل من الرجل شخصية أعظم منها».
الوفاء للزوج: فالزوجة الوفية أمنية كل رجل مسلم. فهو لا يحب أن يفتح عينيه ويجد زوجته وقد فارقته إلى غيره.
بل يحب أن تظل وفية له، تقاسمه تقلب الحياة في السراء والضراء. صابرة على البلاء. تذكر حسناته وتتغاضى عن هفواته. حتى بعد مماته، وتبقى وفية للعشرة الزوجية. ولنا في نائلة زوجة عثمان رضي الله عنهما قدوة حسنة. فعندما هجم الأعداء ليقتلوه في بيته، وقفت مدافعة عنه، حتى هوى السيف على يدها فقطع أصابعها. وبقيت صابرة متماسكة حتى جن الليل، وجمعت المسلمين غير هيّابة ولا واهمة. حتى تم دفنه، وبقيت وفية له حتى بعد موته.
هذا وصلى الله على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.