وابتدأت قصة أجمل ثلاثين يوماً في السنة، وأبواب الرحمة تفتح، ولحظات من «اللمة» عند الغروب، وأصوات صلاة التراويح، وخيام إفطار صائم تتناثر في شتى ربوع الدولة.
وحين نتذكر الاختلاف بين الماضي والحاضر، نتذكر الحب الذي كان يجمع أفراد الأسرة جميعهم على سفرة واحدة وقلب واحد وطعام بسيط، يتقاسمونه معاً، والطقوس التي كنا نمارسها قديما وغابت عنا واليوم في ظل التطور باتت تلك الأجواء بعيدة نوعاً ما عن ذلك المنحى، فكل في سربه وكل في مشاغله.
ولقد ترك رمضان الصغر شيئاً جميلاً في نفس كل واحد منا، ولحظات نقشت في الذاكرة.
«العرب» تعود بالذكريات لأول يوم صيام مع عدد من الشخصيات العامة وكيف كانت أجواؤه.
رمضان قبل 4 عقود
د. عبدالله أحمد اليوسف مساعد مدير التعليم الطبي بمؤسسة حمد الطبية تحدث عن ذكرياته في رمضان وقال: عندما أحاول تذكر رمضان في فترة الطفولة (ثمانينيات القرن الماضي)، تبرز هذه الصور الذهنية في مخيلتي: الفرحة وتبادل التهاني بقدوم الشهر الكريم بالاتصال المباشر عبر الخطوط الأرضية، صلاة التراويح في مساجد «فرجان» المرخية وبن عمران وفريج وادي السيل، حيث بيت جدي رحمه الله، صوت والدي «غفر الله له» وهو يحاول إيقاظي لتناول وجبة السحور مع صعوبة الاستيقاظ، ما قبل الإفطار من تبادل لمختلف ما لذ وطاب من الأطعمة بين الأهل والجيران، مشهد مدفع الإفطار في التلفاز ومحاولتنا كأطفال لسماع صوت أذان المغرب لإبلاغ الكبار بذلك، برنامج على مائدة الإفطار للشيخ المرحوم علي الطنطاوي، مسلسل فايز التوش للفنان غانم السليطي والفنان المرحوم عبدالعزيز جاسم، اللقاءات الاجتماعية المسائية وولائم «الغبقه».
تحدى الصيام
وعن أول صيام أضاف الدكتور عبدالله: منذ طفولتي كنت على دراية بأهمية الشهر الفضيل، وكنت مفتونا بفكرة صيام يوم كامل، وقد كان هذا يشكل تحديا لنا في فترة الطفولة ومؤشرا للنضج ودخول مرحلة البلوغ.
وبعد عدة محاولات، وعندما بلغت التاسعة من عمري، قررت أنني أرغب في تجربة صيام شهر كامل. وفي أول ليلة من شهر رمضان لذلك العام، أيقظني والدي رحمه الله قبل أذان الفجر لأشاركهم وجبة السحور، وفي الغالب كانت وجبة بسيطة من «البلاليط» والبيض المقلي مع الخبر والجبن و»الجام» وبعض العصائر. علمت أنني لن أستطيع أن آكل أو أشرب أي شيء حتى غروب الشمس، فأكثرت من شرب الماء.
مذاكرة وامتحانات
وأضاف: صادف رمضان في تلك السنة موسم الصيف وفترة ما قبل امتحانات آخر السنة الدراسية. أتذكر خروجي من مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية في «فريج» وادي السيل والتوجه سيرا لمنزل جدي (والد أمي المغفور له أحمد عبدالله الشيب)، لانتظار أبي حتى يأخذني من هناك بسيارته لبيتنا في «فريج» المرخية بعد أن ينتهي من عمله في مؤسسة حمد الطبية، أتذكر وانا امشي من المدرسة لبيت جدي مروري على أحد الدكاكين، حيث كان يجلس بجانب الدكان مراهق (غالبا في المرحلة الإعدادية) متلثم بغترته الحمراء وهو يأكل من كيس البطاطس المقلية ويشرب عصير البرتقال المعلب، فيلاحظ انني انظر اليه باستغراب، كوني أصغر منه وأحاول صوم يومي الأول، وهو يجاهر بفطره، فيصرخ عليّ مناديا: «صبي، شوفني انا قاعد آكل، انا فاطر». ثم يقهقه عاليا. هذه إحدى الصور الذهنية المضحكة في ذاكرتي لأول يوم صمته بالكامل في طفولتي.
نصائح
وقدم الدكتور عبدالله بعض النصائح التربوية البسيطة لكيفية مساعدة الأطفال على صيام رمضان:
ثقف طفلك عن شهر رمضان وعن الصوم كونه ركنا من أركان الإسلام، لا تجبره إذا لم يكن في سن التكليف ودع القرار له، وكافئه في حالة استطاعته صوم أجزاء ولو بسيطة من اليوم، وشجعه على الصيام حتى في غير رمضان، ولا تقارنه بغيره من الأطفال.