أبناء يصطحبون المسنين وآخرون يدخلونهم دار الرعاية أو يتركونهم مع الخادمة ويسافرون

alarab
تحقيقات 22 يونيو 2011 , 12:00ص
الدوحة - نانسي أسامة
يمه أنت بتسافر هالسنه أنت وإخوانك وخواتك؟ إيه يمه إن شاء الله، تدرين ما نصدق الصيف يجي عشان نسافر ونستانس مع الجمعة.. كام يوم بتمون في هالسفره يا ولد؟ والله يا يمه للحين ما حددنا لكن مب أقل من شهر..تأمرين عليّ شي من هناك؟ لا يا يمه ما يأمر عليك ظالم أبيكم بس تستأنسون أنت ومرتك وعيالك وإخوانك.. مشهد يتكرر في معظم المنازل مع اقتراب فصل الصيف فتجد التجهيزات للسفر على قدم وساق، هذا يجهز الحقيبة، وذاك يشتري الثياب الجديدة، وآخر يحجز الفنادق وتذاكر السفر. وتجد على الضفة الثانية من المنزل شخصا آخر تملؤه الحيرة والخوف ليتسرب له الشعور بين الوحدة وكبر السن، تجده يضرب أخماسا في أسداس ليطرح على نفسه مجموعة من الأسئلة. هل سيضعونني في دار للمسنين إلى أن يعودوا من إجازتهم الصيفية؟ أم سيتركونني مع الخادمة والسائق في المنزل وحيدا بمفردي أسمع صدى أنفاسي؟ أو تراهم يأخذونني معهم ولكني سأكون عبئا عليهم؟ هذا هو لسان حال كبار السن أو من نطلق عليهم لفظة «مسن»، أسئلة يطرحونها بين أنفسهم، ونحن بدورنا طرحناها على عدد من المسنين والاختصاصيين، فكانت السطور التالية.. أبو محمد رجل بلغ من العمر عتيا، تحدث معنا عن تجربته مع أبنائه وأحفاده أثناء العطلة الصيفية، وما إذا كان يذهب معهم لقضاء العطلة خارج الدولة، أم يذهبون ويبقي هو فقال: كنت معتادا على السفر كل عام أنا وأبنائي، وعندما تزوجوا وجاء الأحفاد أيضا كنا نسافر معا جميعا ونخرج للرحلات وقضاء العطلة خارج البلاد، ولكن مع مرور الوقت بقيت أنا وزوجتي هنا ونحن من كان يطلب البقاء في قطر ولا نسافر معهم، وما دفعني لذلك هو تجربة أحد الأصدقاء، حيث رأيته يوما عندما زارني وقال لي: يا أبو محمد لقد سمعت خلسة أولاد أختي اليوم يناقشون موضوعا أخافني جدا، فقلت له ما هذا الموضوع الذي يناقشونه؟ قال إنهم يريدون السفر ولن يسافروا جميعا لنفس الدولة، وهم لا يعرفون ماذا يفعلون بأختي، فقلت له ماذا يعني يفعلون بأختي؟ فرد علي قائلا أقصد أنهم لا يعرفون إلى أين ستذهب أختي هل يتركونها مع خادمتها ويتركون السائق حتى يأخذها السائق في حالة مرضها للمستشفي أو أن أحدهم يأخذها معه لقضاء الإجازة. فكان ردي عليه حسنا، وما المشكلة إذا في هذا الأمر؟ فرد قائلا لا مشكلة نهائيا في هذا الموضوع، لكن ما أثار حفيظتي هو حفيدها الذي قال: لماذا لا نفعل كالدول المتحضرة، ونجعلها تذهب لمؤسسة رعاية المسنين لحين عودتنا؟ فمهما كان، الخادمة والسائق لا يدرون بالطب ولا بكيفية التعامل معها، وهناك ستجد رعاية جيده جدا فضلا عن أنه تخصصهم. وهنا كانت الطامة بالنسبة لي يا أبو محمد، وللأسف رددت أنا أبو محمد بداخلي نفس الجملة، فقلت صدقت هي فعلا طامة كبري. ومن وقتها وأنا وزوجتي عندما يحين موعد السفر نرفض السفر أو بقاء أحد الأبناء معنا، فنحن لدينا غرفتنا ولدينا الخادمة والسائق ولا يزال هناك بعض المقربين من قدامي الأصدقاء الذين يسألون علينا، ويأتون ويطمئنون بين الحين والآخر، وفي حالة احتجت للسفر فإني أستعين بأحد الأحفاد، وتكون السفرة قصيرة، فهناك أحفاد من الممكن أن يستوعبوا أن يكونوا معنا دون خدمتنا، فيكفيهم أنهم سافروا ولا يسيطر عليهم الآباء. نعم لرعاية المسنين نعم لرعاية المسنين أو نادٍ صحي أو مركز لرعايتهم فترة السفر، كلمات خرج بها أحد الأبناء ثامر خليفة أثناء حديثه لـ «العرب» الذي يقول فيه: ما العجب أن ذهبوا لمثل هذه الأماكن؟ فأنا وأسرتي سوف نذهب لقضاء عطلة أو إجازة، ودعونا ننظر للجانب المضيء من ذهابهم لمثل هذه الأماكن باختلاف أسمائها، فكما أريد أنا أن أرتاح وأسافر لقضاء وقت ربما للاستجمام أو للعلاج أو لأي شيء آخر هم أيضا يحتاجون لذلك، فلما لا نتعامل مع الموقف من هذا المنطلق وتلك الزاوية؟ يحتاجون نوعا من الرعاية الخاصة، وأنا بحكم السفر لن أستطيع أن أوفرها لهم، كما أن طبيعة السفر بها الكثير من التنقل والسهر وخلافه، وهو بطبيعة الحال لن يقوى على كل هذه الأشياء، فلم لا يلجؤون لمثل هذه الأماكن التي بإمكانها أن توفر الرعاية الصحية، وكذلك سوف يتقابلون مع أشخاص جدد يمكنهم من خلال هذه الفترة أن يكونوا صداقات ويخرجون من بوتقة العزلة الإجبارية أو الاختيارية التي يعيشونها. البقاء معهم إن لزم يختلف في الرأي علي الحداد فيقول: إن وضعهم أثناء السفر في أي دار للمسنين ليس من عاداتنا ولا تقاليدنا، فنحن مجتمع شرقي عربي إسلامي، لم نعهد مثل هذه الأمور ولا نعترف بها، ومهما كان من تطور وتفتح ومواكبة لكل جديد فلا تزال العقلية العربية غير مستوعبة ذلك الأمر والحمد لله أننا كذلك. فإذا تعرض لمثل هذا الموقف أثناء الصيف نأخذهم ونسافر بالسيارة للدول القريبة من المنطقة، هنا نزور الأهل والأقارب أو نعتمر وهم برفقتنا. أما في حالة السفر خارج نطاق الدول المجاورة فهذه فرصة عظيمة لعرضهم على الأطباء ومعرفة وضعهم الصحي جيدا وما إذا كانوا في حاجة لنوع من العلاج أم لا. أم عن تركهم مع الخدامة والسائق فهي نظرية لا أؤمن بها فإذا كنت سأتركهم مع الخادمة والسائق، فلم لا أجلس أنا معهم على الأقل هذا ثواب وأجر، إن نار الصيف والدنيا بالتأكيد أخف وطأة من نار الآخرة. لم لا للخادمة والسائق؟ الخادمة والسائق كانا اختيار بثينة علي التي قالت: نحن نترك الأهل معظم الوقت مع الخادمة، فما المشكلة إذا سافرنا وتركناهم فهم يعلمون جيدا أن أسعار التذاكر لم تصبح كالسابق، كذلك الفنادق، كما أن سفر العطلات الصيفية لا يأخذ سوى خمسة أيام أو أسبوع، وهذا ليس بالأمر الصعب عليهم، ولا علينا لكن إذا جاء أحدهم معنا فهو من سوف يشعر بالضيق والملل، وأنه عبء علينا، لأنه لن يستطيع الحركة مثلنا، ولا السهر وما شابه ذلك من طبيعة السفر للخارج، وسيشعر أنه يضايقنا، ونحن أيضا سنشعر تجاهه بالذنب لأننا نؤلمه معنا ونحمله فوق طاقته، وربما نتركه في الفندق أو المنزل المستأجر ونخرج معا، فما الفرق إذا في هذه الحالة أن يجلس في بلده ومنزله معززا مكرما أو أن يتحمل عناء السفر والتنقل وربما تكون مسافات بعيدة بالطائرة وتأخذ وقتا طويلا. يعتمد نوع السفر ويقول حسين البوحليقة: لست مع سفرهم أو ضده ولكن مثل هذا الأمر يحدده نوع السفر، ما إذا كانت سفرة لمدة قصيرة للعمل أو أنها رحلة سياحية للاستجمام أو نوع من العلاج السريع، فكل هذه الأمور تعتمد على المكان الذي سنذهب إليه، ومن هم الأشخاص المرافقون لي؟ والبلد التي سأذهب إليها، كما يعتمد الأمر على الشخص المسن الذي سوف يأتي معي ومدى صلة قرابته لي، وهل هناك أحد يقوم على رعايته، أما عن قصة دار المسنين أو غيرها فأنا لست ميالاً لها نهائياً. رأي الطبيب ويشير أحمد الخياط إلى أنه سيحاول في البداية أن يمهد الطريق قبل إعلان مفاجأة السفر والتحدث عن طبيعة السفرية مع ذلك الشخص، كما أنني سوف آخذه للطبيب المختص، وأطلب منه الفحص، وإذا كانت الحالة تستطيع خوض تجربة السفر سوف أصطحبه معي، وفي حالة أن السفرية سوف تكون مرهقة له، وصحته لا تتحمل السفر فسأطلب من الطبيب المعالج محاولة إقناعه، كما أنني سوف أعوضه عن تلك السفرة بأن أحجز له مثلا في أحد الفنادق بالدوحة، وأذهب معه لقضاء يوم كامل أو يومين في الفندق ليكون ذلك نوعاً من تغيير الجو له، وسأحرص كل الحرص بأن تكون هذه التجربة معه قبل سفري حتى لا يحزن، ويشعر بأنني فكرت في نفسي وبعد رجوعي من سفري قررت أن أعوضه بل سأقدمها على سفري. نعم سآخذه يمتزج رأي محمد السياري هنا ما بين سفرهم معه أو لا فيقول: سوف آخذه معي وأنا بالفعل عشت هذه التجربة كثيرا، ولم أشعر أبدا بأي نوع من الإزعاج أثناء سفرهم معي، بل هم بركة المكان، وليست لديهم أية متطلبات، أما في حالة عدم قدرتهم على السفر بسبب ظروف مالية لي أو أن السفرية لها طبيعة خاصة لا تسمح بذلك فسوف أطلب من أحد الأقارب التواجد معهم أثناء سفري أو أن أذهب أنا ونصف العائلة على أن يذهب البقية بعد عودتنا، بحيث يكون هناك تواجد بجواره، وفي حالة انعدام كل الوسائل فلن أسافر سأبقى معهم. علم الاجتماع بين الرفض والقبول وعلقت الدكتورة أمينة الهيل على هذا الموضوع قائله: إن كل من يقوم بتوفير الخدمات والرعاية المتواصلة للمسنين إنما يقدم عملا صالحا لمستقبله، فضلا عن الأجر والثواب العظيم الذي يناله، كما أن رعاية المسنين لم تكن في يوم من الأيام موضوع بحث أو سؤال في وسط الأسرة المسلمة والمجتمع الإسلامي، حيث كانت الأسرة تقوم بهذا الواجب تنفيذاً لأوامر الله –تعالى- وخوفا من عذابه الشديد في الدنيا والآخرة في حالة الإخلال بهذه الحقوق التي إذا لم تراع فتسمى بالعقوق، فقد كانت الأسرة تضع جناحيها للوالدين المسنين وتوليهما كل رعاية واحترام، وكذلك المجتمع ينظر إلى المسنين نظرة توقير واحترام وتبجيل وتصفهم بالحكماء الذين تنبغي استشارتهم والاستفادة من خبراتهم دون إهمالهم، فكانوا بركة المجلس وقدوة الأجيال الناشئة. وأضافت أن رعاية الأسرة للمسن القريب واجبة على الأولاد والأحفاد، ووصفها المولى عز وجل بخفض جناح الذل للوالد المسن. إن من سنن الله تعالى خلق الإنسان أن يمر بمراحل وأطوار مختلفة: ضعف ثم قوة ثم ضعف. فضلا عن أن الصيف فترة مناسبة لتفرغ الأبناء لرعاية الوالدين والاهتمام بهما أو بالمسن، فإذا افترضنا أن هناك مسنا برعاية المسنين فهذه فتره مناسبة جدا أن يخرجوه منها لرعايته أثناء وقت فراغهم وتعويضه نوعا من النقص الذي يصيبهم داخل مؤسسات الرعاية، طبعا لا أحد ينكر دور مؤسسات رعاية المسنين وما يقدمونه من رعاية طبية ونفسية واجتماعية وخلافه، ولكن مثل هذه المؤسسات لها دور محدود لا يمكن أن تكون مؤسسة تعويضية عن الحنان والحب الذي يحتاج له المسن وما ينتظره في كبره. وأشارت الهيل إلى جزئية العزلة الاجتماعية، حيث أصبحت الأسر مفككة بعد التقدم الصناعي والحضاري وسهولة المواصلات بين البلاد المختلفة، إذ نجد أن الأجيال الجديدة تهاجر من بلد إلى آخر، وأحيانا يحدث الانفصال في سن مبكرة، فيجد الآباء والأمهات أنفسهم في عزلة عن باقي العائلة، ويصبحون في عزلة اجتماعية تعزز ظهور الأمراض النفسية والعقلية، وذلك عكس ما كان يحدث في الماضي، حيث الأسر الممتدة التي تتكون من عدة أجيال، ويحترم فيها الجميع المسنين وتحترم شيخوختهم. نفسية المسن ومن جهته قال الدكتور مسعد النجار استشاري الصحة النفسية: إنه لا بد من وجود المسنين داخل بيوتهم، وجلوسهم مع أسرتهم وأحفادهم حتى على الرغم من أنهم لم تعد لديهم القدرة على العطاء كما سبق، أو إبداء الآراء السديدة والأفكار الجيدة. كما أن أغلب المسنين يرغبون في العمل ومواصلة النشاط لأطول فترة ممكنة بعد التقاعد والاعتزال، وأن الحاجة للإنجاز تميز النمط الواقعي لهم حتى لو كان العمل الجديد في مراتب وظيفة أدنى من التي كانوا يشغلونها قبل التقاعد أو أقل أجرا، لأن ذلك يساعدهم على الإبقاء على الشعور بوجود هدف خلال تلك المرحلة المتأخرة من العمر، كما أن انشغال المتقاعد بالأنشطة اليدوية والهوايات الإنتاجية كالخزف والزراعة يعتبر بدون شك نوعا من الرضا والسلوك التوافقي. وأضاف: لكن تركهم داخل دور للرعاية، هذا يعنى كتابة شهادة وفاتهم، وهم لا يزالون على قيد الحياة، وهذا الأمر غير مقبول دينيا ونفسيا واجتماعيا وإنسانيا. كما أن التواصل مع كبار السن ليس بذاك العيب أو الشيء المخجل الذي يجعل الكثيرين يخجلون من الخروج معهم واصطحابهم إلى الأماكن العامة، لأن الله تعالى أوضح أن المراحل العمرية في حياة الإنسان تبدأ بالضعف ثم القوة ثم الضعف، وهذا نتاج طبيعي للحياة، فقبل مرحلة الشيخوخة كانت هناك مرحلة الشباب التي كان فيها هذا الأب وهذه الأم بكامل صحتهما، ولم يخجلا من اصطحاب طفلهما الرضيع الذي لا يكف عن البكاء أو الطلبات إلى خارج المنزل والأماكن العامة. ويؤكد د. النجار أن هناك أمرا هاما جدا، وهو تغير الجيل والمعتقدات التي عند هؤلاء الكبار التي لا بد من الاستفادة منها، وأخذ النصح والإرشاد الكافي، فخبراتهم بالتأكيد مفيدة لنا، كما أن استشارتهم في نواحي الحياة تحقق التوافق النفسي والاجتماعي الضروري لطمأنينة المسن