

د. خالد بن محمد: وجهان لعملة واحدة تتكامل فيها الأهداف والغايات والمقاصد
د. سلطان الهاشمي: الهدف الإحسان بطريقي الواجب والتبرع لسد الحاجة
د. سالم الشيخي: الوقف يؤكد وجود عنصر المحبة في المجتمع المسلم
د. عبدالفتاح سعد: الأوقاف العنوان الأبرز للحضارة الإسلامية
نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية رابعة جلسات برنامج «وآمنهم من خوف، مساء أول أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، والتي تناولت (نظامي الأوقاف والزكاة من منظور مقاصدي). وشارك في الجلسة كل من الشيخ الدكتور خالد بن محمد بن غانم آل ثاني مدير الإدارة العامة للأوقاف، ود. سلطان الهاشمي أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة قطر، ود. عبدالفتاح محمد سعد أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية - جامعة حمد بن خليفة، ود. سالم الشيخي عضو المجلس الأوروبي للإفتاء، ورئيس لجنة التدريب في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

الضرورات الخمس
وقال الشيخ الدكتور خالد بن محمد بن غانم آل ثاني مدير الإدارة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إن المقاصد الشرعية للوقف والزكاة متعددة ومتجددة وبلغ فيه العلماء مبالغ بعيدة إذ أصدروا فيها الكتب والمجلدات فصارت حجة لكل شخص يريد أن يخوض في أسرار الأحكام الشرعية والمقاصد المتجددة.
وقال إن العلماء وجدوا أن المقاصد الشرعية سواء للزكاة أو الوقف تصب في خمسة أمور سميت بالضرورات الخمس، وتشمل الدين والنفس والعرض والنسل والمال، وأن الزكاة والأوقاف تقصدان جميع الضرورات الخمس وتعملان على الحفاظ عليها لأنها تشمل جميع الناس.
وأوضح أن الزكاة من حيث اللزوم أنها ركن من أركان الإسلام أما الوقف فهو سنة قولية وفعلية وتقريرية من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، يفخر بها المسلمون على جميع الأمم، وأن الزكاة من حيث الصرف فهي موجهة إلى 8 أصناف تم تحديدهم في القرآن الكريم لا يجوز الخروج عنهم بينما الصرف من الوقف يكون من الريع وليس من الأصل ولم يتم تحديد مصارف معينة لكن حسب رغبة الواقف يتم الصرف.
وأضاف: الزكاة فريضة وركن لها وقت معين ومقدار معين وأجرها في وقتها بينما الوقف أجره للإنسان في حياته وبعد مماته، في حين أنه ليس للوقف مدة معينة ويمكن صرفه في أي وقت وليس هناك مقدار للصرف الذي قد يكون ريالا واحدا أو مليون ريال.
ولفت مدير الإدارة العامة للأوقاف إلى بعض الاختلافات بين الزكاة والوقف، وقال: الزكاة صرفها مباشر على المدى القصير بينما الوقف على المدى الطويل والزكاة محددة المصارف بينما الوقف مصارفه غير محددة. وخلص إلى أن الزكاة والوقف وجهان لعملة واحدة تتكامل فيها الأهداف والغايات والمقاصد.
الإحسان إلى الإنسان
وقال الدكتور سلطان الهاشمي، أستاذ الفقه وأصوله بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، إن الزكاة والوقف يجتمعان في أمر الإحسان إلى الإنسان، فالزكاة طريقها الإحسان للإنسان بطريق الواجب، والأوقاف الإحسان إلى الإنسان بطريق التبرع، لكنهما في نفس الوقت مهمان في سد كفاية وحاجة الإنسان، وكذلك هما سبب من أسباب القضاء على الفقر إذا أحسن تطبيقهما.
وأوضح د. الهاشمي أن الزكاة هي تزكية للنفس وتطهير لمال المزكي بتخليصه من حق الغير بمجرد أن يبلغ هذا المال نصابه وتتحقق فيه شروط الزكاة، فإذا بلغ المال نصابه أصبح للغير حق في هذا المال، فأقل مقدار للزكاة «اثنان ونصف بالمائة» أما أكثر مقدار للزكاة هو «20 %»، والمال لا يطهر إلا بتخليصه من الحق الذي أصبح حقا للفقراء بمجرد توافر شروط الزكاة فيه.
وأشار د. الهاشمي إلى تطهير نفس المزكي من البخل والشح، لأن البعض يرى أن هذا المال عزيز وحبيب إلى النفس، (وتحبون المال حبا جما)، فإذا بلغ نصابه وكان هذا المال مقدار الزكاة يبلغ مليونا أو مليونين أو ثلاثة، فالزكاة تطهره من البخل ومن الشح، كذلك الزكاة فيها عصيان لأمر الشيطان، كما في قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
ولفت د. الهاشمي إلى أن الزكاة أيضا لها أثر اجتماعي وهي من المقاصد المهمة للزكاة، في الشفقة والرحمة على الفقراء والمساكين المحتاجين وسد حاجتهم، بل ربما إذا علم الفقير أن كلما زاد مال الغني وأصبح أكثر ثراءً فإن هذا المال سيعود عليه بالإنفاق، وكذلك هذا فيه نوع من كسر الحاجز النفسي بين الفقير والغني، لأن الفقير دائما ينظر إلى الغني على أن هذا عنده المال والجاه وكذا، وهو فقير لا حول له ولا قوة، فنجد أن هذه الأمور يدخل فيها الحسد ونوع من البغض، فمجرد أن ينفق الغني المال ينكسر هذا الحاجز بين الفقير والغني، لأنه هذا الأمر فيه نوع من الشفقة والرحمة عليهم.
من جانبه أكد فضيلة د. سالم الشيخي، عضو المجلس الأوروبي للإفتاء، رئيس لجنة التدريب في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ان مقاصد الوقف والزكاة من العوامل المؤثرة في صناعة الاجتهاد.
وقال: نظام الوقف ضمن منظومة اسلامية يعد نظاما ماليا اجتماعيا مستقلا ساهم عبر تاريخ المسلمين الطويلة في تقوية وترسيخ البنية الاجتماعية داخل المجتمع المسلم على أسس التكافل والتعاضد والتعاون والتراحم.
وذهب الى ان الوقف يساهم بشكل مباشر في تحقيق معاني الاخوة التي ارساها النبي صلى الله عليه وسلم لوصف المجتمع المسلم حين قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وقال: الوقف يؤكد على وجود عنصر المحبة في المجتمع المسلم والذي يظهر في الانفاق الطوعي من قبل الواقف على وجوه الخير والنفع العام في داخل المجتمع المسلم، لذلك هناك علاقة وثيقة بين ما يتعلق بنظام الوقف وبين ما يتعلق بترسيخ أسس التكافل والتعاون والتعاضد في المجتمع المسلم.
وأضاف: اما عن مقاصد الوقف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية فللوقف مقاصد تتعلق بالكليات الخمس في الشريعة، فعندما نقول ان من مقاصد الوقف ما يتعلق بالكليات الخمس فإننا نحدد بوضوح المسار الاجتهادي للمجتهد في النظر لهذه المسائل.
وتابع: هذه المقاصد ليست حكما عامة، وانما هي في بعدها الاصولي والاجتهادي تعد من المقاصد الخاصة المؤثرة لإنتاج الاحكام والاجتهاد في كل زمان ومكان.
وشدد على ان الأوقاف عندما كانت في تاريخ المسلمين توقف على العلماء اثر ذلك على أداء العلماء في مجتمعاتهم حيث كان العالم مستقلا عن أي وظيفة ترهنه عن قول الحق وعن الامر بالمعروف وعن النهي عن المنكر، حيث كانت الأوقاف تغطي كافة احتياجات العلماء وفقا للتخصصات ووفقا للمذهب الفقهي ومن ثم نجد ان الأوقاف تحقق مقصد الاستقلال لأهل العلم الذي يؤثر بشكل مباشر في حفظ الدين وبلاغه.
مقاصد كثيرة
وأوضح الدكتور عبدالفتاح محمد سعد أستاذ بكلية الدراسات الإسلامية – جامعة حمد بن خليفة، أن الزكاة عبادة، كما أنها طهرة للمال، وتحقق الكثير من المقاصد، من بينها تقليل الفوارق في الثروة والدخل على مستوى المجتمع، وتقليل الشحناء وحل الكثير من القضايا الاجتماعية.
وقال د. عبدالفتاح محمد: أما الأوقاف، فهي العنوان الأبرز للحضارة الإسلامية، فالإسلام دين وحضارة، وأن الأوقاف انتقلت من الحضارة الإسلامية إلى أوروبا بعد أن استفاقت من ظلمتها، والكثير من الجامعات الكبرى في أوروبا وأمريكا نسخ للحضارة الوقفية الإسلامية التي انتقلت إلى تلك المجتمعات وتقدمت فيها تقدماً كبيراً.
وأضاف: عندما ننظر إلى العالم الإسلامي والدول الإسلامية يجب أن نسجل أمراً مهماً، أن دولا فيها أغلبية مسلمة تتذيل قائمة الدول الأكثر فقراً، كما أن هناك دولا ذات أغلبية مسلمة في أعلى الدول الأكثر مديونية، بل إن هناك منها ما تواجه خطر ارتفاع منسوب المياه بارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم، لتواجه خطر الفناء، كما أن معدل دخل الفرد في عدد ليس بقليل من الدول الإسلامية ما زال متواضعاً وفي حالة هشاشة.
وأكد على الحاجة إلى خطط زكوية ووقفية، كل في دولته وفي مكانه، بتحديد كيفية تخريج كل فقير ومسكين إلى حال أخرى، ضمن خطة تغير حاله، وهي من القضايا التي تحتاج إلى دراسات واحصاءات، وأن هناك حاجة إلى التنسيق بين مؤسسة الزكاة ومؤسسة الوقف مع بقية المؤسسات في الدولة التي تعمل على الضمان الاجتماعي.
وأشار إلى أن تعداد المسلمين يصل إلى نحو 2 مليار مسلم، يشكلون ربع سكان العالم، وأن هناك تزايدا في أعداد المواليد المسلمين، ودخول في الإسلام، فهو من أسرع الأديان انتشاراً، وأن هذا التزايد يحتاج إلى خطط حول كيفية التمكين للمجتمعات المسلمة، كما أن هناك دول الأقليات المسلمة فيها أعدادها كبيرة مثل الهند والصين وروسيا وغيرها من الأقليات المسلمة، التي تعتبر ثلث المسلمين في كل العالم.
ونوه إلى أن المجتمعات المسلمة قد ينتشر فيها الاستهلاك أكثر من الإنتاج، ولا بد من موازنة الاستهلاك بالإنتاج، مشيراً إلى أن استثمار الأوقاف في الزراعة ومشروعات المياه، وكذلك الطاقة البديلة باعتبارها نمطاً مهماً يسير في العالم، الأمر الذي يمكن العالم الإسلامي من الموازنة بين الاستهلاك والإنتاج.
وحول مجموعة الزكاة على مستوى العالم، لفت د. عبدالفتاح محمد إلى أنه، وحسب دراسات أقربها كان في عام 2019، فإن مجموع الزكاة في العالم الإسلامي من 500 مليار دولار إلى 600 مليار دولار، مبدياً تحفظه على الرقم المعلن، ومؤكداً على أهمية حماية موارد الزكاة والأوقاف وتطوير ادوارهما، لما ينتظرهما من أدوار في النهوض الحضاري للأمة المسلمة.