وجوه من الجمال

alarab
الصفحات المتخصصة 20 نوفمبر 2015 , 07:36ص
من القيم التي شغلت الإنسانية على اختلاف الثقافات والبيئات والأزمنة حتى اليوم قيمة الجمال. هي قيمة حية تبدو لنا في أشكال عديدة مثل الملبس والمسكن والمركب والمشرب، كما تبدو لنا في أشكال أخرى مثل الغناء والشعر والرسم والنحت والتصوير والموسيقى أو في معان مثل الأمومة والأبوة والرأفة والتعاطف والتكامل أو في صور كونية مثل الشمس والقمر والجبال وصفحة المياه والنبات وقاع البحر والجبال والحيوان. وليس لنا غنى عنها مهما تبلد إحساسنا أو قلت ثقافتنا أو اقتحمتنا الرداءة من كل جانب.

وللجمال اتصال قوي بالحق والخير. فالحق رد لغطاء الباطل عن البصر فنرى ما كنا محرومين من رؤيته. والخير نفع للناس وراحة للنفس والقلب. والجمال يغذي الحواس كما يغذي الروح والعقل. وهذا ارتباط ظاهر بين الحق والخير والجمال. قد يكون هو المعنى المقصود من قوله تعالى «أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب». فالمشهد الكوني في هذه الآيات هو السماء والأرض. أما السماء فلم تكن شيئا قبل بنائها، والبناء عمل تراكمي ممتد رأسيا وأفقيا، ولكن اللافت في بناء السماء امتدادها اللانهائي امتدادا أفقيا مرفوعا وهذا تمام الحق وغاية الخير. وأما الأرض فقد مدها الله مدا أي بسطها. ولم يجعل سبحانه للبناء -السماء- فروجا أي فجوات أو فتحات تخل بالتماسك العضوي للمبني وجعل للأرض رواسي تحفظ ثباتها واستقرارها. ولم يكتف سبحانه بجميل صنعته فجعل الزينة في النظر للسماء والبهجة والسرور في الأرض بما أنزل عليها من الماء والإنبات «من كل زوج بهيج». فاكتملت لوحة الجمال متآلفة في مناظر السماء ومناظر الأرض «تبصرة وذكرى لكل عبد منيب».

وللجمال حضور في متعة الحواس ومنه حديثه سبحانه عن الأنعام «ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون» ومتعة الحواس ليست متعة فارغة لارتباط الجمال بالإشباع النفسي والتوازن السلوكي من جهة وبالنفع العام في قوله «والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنها تأكلون» «وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس».

وللجمال حضور في القلب يختلف عن حضوره في الحواس كما ورد في قوله تعالى «فصبر جميل» وقوله «واهجرهم هجرا جميلا» فالصبر ليس كمناظر الأرض أو مناظر السماء ولكنه حالة عقلية ونفسية تقاوم حالة الغضب والسخط التي تنتج عن كارثة كفقد الابن كما حدث ليعقوب عندما فقد يوسف فواجه أبناءه بالصبر الجميل الذي يعني حالة الاستسلام لله والثقة في قدرته. فالجمال هنا موقعه القلب لا الحواس وكذا الأمر في الهجر. إن الهجر أو الفراق لا يمكن أن يكون وقعه سارا ولا مريحا وهنا تأتي صفة الجمال لتحقق ما حققه الصبر الجميل عند يعقوب عليه السلام. وكذا في مسألة الطلاق للزوجة، فالطلاق مهما كانت دواعيه ليس مقبولا ولا مرغوبا فيه لما يسبب من أذى نفسي واجتماعي ولكن الخطاب القرآني وصفه بالجميل وجعل الطلاق تسريحا جميلا في قوله تعالى: «فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا».

ahmed@qu.edu.qa

أ.د.أحمد يوسف علي
أستاذ النقد الأدبي والبلاغة
قسم اللغة العربية.. كلية الآداب والعلوم.. جامعة قطر