

على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، صحب معرض (من السَفَّارين إلى السوق: فن الوِرَاقة المغربية) زائري مكتبة قطر الوطنية في رحلة استثنائية إلى التراث المغربي العريق حيث تلتقي الحرفية الدقيقة بالمعرفة احتفاءً بتقاليد صناعة الكتاب المخطوط في المغرب الممتدة لقرون. يُقام المعرض ضمن فعاليات العام الثقافي «قطر – المغرب 2024» ويُسلّط الضوء على دور الفن في مد الجسور بين الشعوب زمانًا ومكانًا. وقد شارك عدد من الفنانين القطريين بأعمال فنية مستوحاة من الثقافة المغربية الغنيّة، مقدّمين رؤية فنية تعكس عراقة هذا التراث. ومن بين هؤلاء الفنانان محمد العمادي ومُنى البدر اللذان تحدثا عن لوحتيهما وكانت التراث المغربي الأصيل ملهمًا لهما.
وقد بدأ محمد العمادي رحلته الإبداعية برؤية للتراث العلمي العريق في المغرب، وعندما تعمق في تفاصيل المخطوطات والكتب النادرة المعروضة، شعر بأنه انتقل إلى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية.
وقال العمادي عن تجربته: «تخيلتُ عالِمًا مغربيًا منهمكًا في تدوين معارفه على صفحات مخطوط عتيق ثم يجمعها في مجلد مُزخرف بجلد مُتقن النقوش ليحفظ بذلك الحكمة للأجيال القادمة». تعتمد لوحة العمادي على الفن الرقمي، وابتكر تكوينات بصرية متعددة الطبقات، تمتزج فيها الألوان والزخارف بتناغم فريد يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وأضاف: «أعمل في مجال الفن الرقمي، لكن ما يميّز أعمالي هو الطبقات المتداخلة التي تمنحها عمقًا بصريًا. أستخدم الإطارات والكتب المُحلّقة في الهواء والخيوط، ما يخلق تجربة بصرية ديناميكية تتجاوز الزمن.»
«خيوط اللازورد» بين الحرفة والتراث
وتسعى مُنى البدر في لوحتها إلى استكشاف الروابط بين الثقافات والتقاليد المختلفة عبر دمج رموزها الفنية بأسلوب بصري متناغم. تمزج البدر في لوحتها، التي تحمل عنوان «الخيوط الزرقاء»، عناصر من النسيج المغربي والزخارف المعمارية وفنون تجليد الكتب التقليدية في تحية بصرية تحتفي بالثراء الثقافي للمغرب. والأنماط المعقدة المتداخلة واللون الأزرق العميق يرمزان إلى مكانة المغرب الفريدة كنقطة التقاء إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. وترى منى البدر أن لوحتها تستكشف العلاقة بين فن التجليد التقليدي للكتب وصناعة النسيج، قائلةً: «كلتا الحرفتين تتطلبان خبرة واسعة بالخامات والملمس. فتجليد الكتب المغربي يعتمد على الحرير والجلد وورق الذهب، وهي المواد ذاتها المستخدمة في الأزياء التقليدية المغربية.» وأوضحت البدر أن الفن ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل هو سجل نابض يوثّق هوية المجتمعات وتاريخها. تقول: «الفن هو مرآة تعكس القيم الثقافية والتقاليد التي تتوارثها الأجيال، وهو وسيلة لضمان بقاء الجمال التراثي حيًا ومتجددًا». تشترك لوحتا محمد العمادي ومُنى البدر في كونهما رسالة تذكير قوية بالجمال الكامن في الوحدة الثقافية رغم تباعد الحدود الجغرافية، وكلتاهما تعبران عن قيمة واحدة ألا وهي الاحتفاء بالإرث الثقافي المشترك، وترسيخ الوحدة بين الشعوب العربية.
يستمر معرض »من السَفَّارين إلى السوق: فن الوِرَاقة المغربية» حتى أبريل 2025، إذ يقدّم نافذة خاصة يطل منها جمهور المكتبة على التقاليد المغربية العريقة لتجليد وصناعة الكتب والمخطوطات، ويعرض مخطوطاتٍ نادرة، ورسومات بديعة للخط العربي ولوحات نابضة بالحياة تجسد المواد والتقنيات التي شكّلت فن تجليد الكتب في المنطقة.