أجمع فائزون بالنسخة الحادية عشرة من جائزة كتارا للرواية العربية أن الجائزة باتت منبرًا أدبيًا مرموقًا يسهم في تطوير الإبداع العربي وإتاحة الفرص أمام الكتّاب والنقّاد لترسيخ حضورهم في المشهد الثقافي.
وأكدوا في حوارات خاصة لـ « العرب « أن كتارا ساهمت من خلال الجائزة في الارتقاء بالمشهد الإبداعي عربيا كما وضعت مكانة مرموقة للرواية العربية عالميا.
د. هدى النعيمي: مستقبل واعد للرواية القطرية
أكدت الروائية والناقدة الدكتورة هدى النعيمي الفائزة بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الحادية عشرة في فئة الرواية القطرية عن روايتها «زعفرانة»، الصادرة عام 2024، والتي استغرقت كتابتها سنوات طويلة من البحث والتجميع أن الرواية القطرية ينتظرها مستقبل واعد وأن هناك تطورا في الإبداع الروائي القطري على المستويين الكمي والكيفي.
وقالت النعيمي في حديثها لـ «العرب» إن الجوائز الأدبية تسهم في خلق روح المنافسة والتطوير، فكل الجوائز تخلق نوعًا من التنافس البناء. حين يرى الكاتب أن هناك من يكتب أفضل، يحفزه ذلك ليطور أدواته. هذه المنافسة هي ما يصنع الجودة ويسهم في رفع مستوى الكتابة وبالتالي هناك تأثير واضح للجائزة في قطر وبالطبع في العالم العربي أيضا.
وأضافت: الجائزة ساهمت بلا شك في تطور الرواية القطرية. هذا العام مثلاً وصل عدد الروايات القطرية المشاركة إلى ثمانٍ، وهو رقم لم يكن موجودًا من قبل. نحن لا ننظر إلى العدد بقدر ما ننظر إلى الجودة، وهناك تقدم ملحوظ على هذا الصعيد.
وقالت إن الرواية القطرية تأخرت زمنيًا قليلًا عن نظيرتها في العالم العربي، إذ بدأنا إنتاجها في أوائل التسعينيات، بينما ظهرت الرواية العربية قبل ذلك بكثير. لكننا لا نقل جودة، وهناك اليوم كتاب ونقاد جادون، وجامعة قطر أنشأت وحدة لدراسة الأدب القطري، وهو تطور مهم جدًا يعكس الاهتمام المتزايد بهذا المجال ما يؤكد أن مستقبل الرواية القطرية واعد ومبشر.
وحول الرواية الفائزة «زعفرانة» قالت الدكتورة هدى النعيمي: تدور الرواية حول منعطف تاريخي في منطقة الخليج، وتحديدًا في سلطنة عُمان، وتقدم معالجة فنية تجمع بين الخيال والواقعية السحرية. وأضافت: أنا مؤمنة بضرورة أن نقرأ التاريخ، وأن تقرأه الأجيال الجديدة. ما يحدث اليوم أن هناك ابتعادًا عن قراءة التاريخ، لكن حين يُقدَّم في قالب روائي شيق ومبني على أحداث حقيقية، فإنه يصل بسهولة إلى القارئ الشاب. «زعفرانة» تنطلق من منطقة “الضخيرة” حيث تغادر البطلة قريتها في الأربعينيات وتعود إليها بعد أربعين عامًا لتستعيد عبر ذاكرتها سلسلة من الأحداث الماضية.
وأوضحت أن الرواية بُنيت على حدث واقعي، لكنها تشتغل في فضاء متخيل. وصفها بعض النقاد بأنها تنتمي إلى الواقعية السحرية، وهي بالنسبة لي كتابة تمزج بين التخييل والذاكرة، بين الحقيقة والأسطورة، معربة عن سعادتها بالاحتفاء النقدي الواسع الذي حظيت به الرواية منذ صدورها، إذ كُتب عنها في برلين والقاهرة والإسكندرية وعدد من الدول العربية، ونُشرت دراسات نقدية عنها في دوريات محكّمة، قائلة:
قائلة: يسعدني اليوم أن تتوج «زعفرانة» بهذا الفوز باسم كتارا بعد أن حظيت بحفاوة نقدية عربية واسعة.
وحول لجوء الروائي إلى التاريخ، أوضحت النعيمي أن الكتابة فعل حرية مطلق، فالكتابة في جوهرها فعل من أفعال الحرية، والأدب مجال مفتوح للتعبير، لا تُفرض عليه حدود جغرافية أو زمنية.
د. عمر الجملي: «الحي الثقافي» يوثق الذاكرة التاريخية العربية
ثمَّن الروائي التونسي الدكتور عمر الجملي الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية في فئة الرواية التاريخية، دور المؤسسة العامة للحي الثقافي «كتارا» في دعم الإبداع الأدبي وتعزيز الحراك الثقافي العربي، مشيدًا بالجهود التي تبذلها كتارا في تشجيع الكتّاب والباحثين على إنتاج أعمال نوعية تسهم في توثيق الذاكرة التاريخية العربية وإثراء المشهد السردي.
وقال الدكتور الجملي في تصريحات خاصة لـ «العرب» إن مشاركته كانت ضمن فئة الرواية التاريخية، وهي الفئة التي تُمنح جائزتها لعمل واحد فقط من القائمة القصيرة المكوّنة من تسعة أعمال، موضحًا أن روايته «ديان بيان فو» كانت هي الفائزة في هذه النسخة.
وأضاف: أشكر كتارا وكل من يعمل من أجل تشجيع هذه المبادرات القيمة التي تضع الرواية العربية في موقعها المستحق بين الآداب العالمية.
وأوضح الجملي أن الرواية التاريخية ما زالت تحظى بأهمية خاصة في المشهد الأدبي العربي، مؤكدًا أنها تتيح مساحة أوسع من الشعر لمعالجة القضايا الكبرى بأسلوب سردي معمق. وقال: نعيش اليوم طفرة للرواية العربية؛ لأنها أصبحت مساحة مركزية للمعرفة والسرد، تمامًا كما كان الشعر في الماضي.
وعن روايته الفائزة «ديان بيان فو»، أشار إلى أنها تتناول المعركة الشهيرة التي خاضها الفيتناميون ضد الاستعمار الفرنسي، وانتهت بهزيمة تاريخية للجيش الفرنسي عام 1954. وأوضح أن الرواية لا تقتصر على الحدث الفيتنامي، بل تتقاطع مع تجارب المقاتلين المغاربيين الذين قاتلوا ضمن الجيش الفرنسي ثم تمردوا عليه وانضموا إلى صفوف المقاومة الفيتنامية، في انعكاس لوعيهم الوطني ورفضهم للاستعمار.
وأضاف أن العمل يمتد جغرافيًا بين فيتنام وتونس والجزائر، مستندًا إلى وقائع حقيقية عن أثر الاستعمار الفرنسي في شمال إفريقيا، ليجعل من الرواية مساحة للمساءلة التاريخية و”الانتقام الأدبي”، على حد تعبيره.
وفي ختام حديثه، أشاد الجملي بجهود كتارا ومثل هذه المبادرات التي تمنح الأعمال الأدبية والبحثية قيمة وانتشارًا أوسع، وتؤكد أن الثقافة العربية ما زالت قادرة على الإبداع.
د. عبدالرزاق المصباحي: الجائزة تمنح الدراسات الفائزة قيمة علمية
أكد الدكتور عبدالرزاق المصباحي من المملكة المغربية، الفائز بجائزة كتارا للرواية العربية في فئة الدراسات النقدية، أن دور كتارا كبير جدًا في دعم المبدعين سواء الروائيين أو الباحثين، فالفائز يحظى بمتابعة إعلامية واسعة، وهو أمر مهم خاصة للنقاد أصحاب المشاريع الفكرية الممتدة. وأوضح أن الجائزة بما تتضمنه من عمليات تحكيم أكاديمية دقيقة تمنح الدراسات الفائزة قيمة علمية رصينة يمكن للباحثين استثمارها لتطوير مشاريعهم المستقبلية. وبالتالي، فإن الفوز بجائزة كتارا يُعد نقلة نوعية حقيقية لأي باحث أو ناقد.
وأوضح أن بحثه المعنون «الردّ بالرواية: دراسة في إستراتيجيات السرد الثقافي» يمثل محاولة علمية لتجريب منهج نقدي جديد يدمج بين منظورات متعددة في قراءة الرواية العربية. وأضاف «هذه الدراسة هي تجريب لطرح نقدي قدمته سابقًا، يقوم على توظيف منظورات نقدية متعددة، مع تحقيق الانسجام بينها حتى تؤدي إلى نتائج علمية ومنطقية ومقبولة. وقد اعتمدتُ في البحث على تمفصل المنظورين الثقافي ما بعد الكولونيالي، والنقد الثقافي النسوي، لدراسة نماذج من الروايات العربية والأفريقية التي تتناول قضايا الجنوسة».
وقال إنه «توصل من خلال دراسته إلى أن الرواية حينما تشتغل بالردّ الثقافي، فإنها لا تنسى انتماءها التخيلي ولا خصائصها الفنية والجمالية، بل يمكن للجمالي ذاته أن يكون مدخلًا لتفكيك القضايا الثقافية الكبرى، أو ما يُعرف بالسرديات الكبرى».
رولا خالد غانم: «تنهيدة حرية».. صوت فلسطيني إلى العالم
ثمنت الكاتبة الفلسطينية رولا خالد غانم (من شمال الضفة الغربية) الفائزة بجائزة كتارا عن فئة الرواية المنشورة عن روايتها «تنهيدة حرية». دور كتارا في منح صوت للفلسطينيين على الرغم من الحصار المتواصل ليصل إلى العالم.
قالت رولا: “أنا من قلب فلسطين… لم أتمكن من إرسال روايتي ورقيًا بسبب حصار بيتي واجتياح مدينتي في ذلك الوقت. كتارا تفهّمت وقالت إنها ستتجاوز ذلك وأنها ستقبل ملفي بصيغة PDF كاستثناء — وهذا دعم لنا نحن الفلسطينيين. بصراحة كانت مفاجأة كبيرة أن أفوز لأنني لم أستطع إرسال النص ورقيًا. كتّارا جعلت صوتي المعبر عن فلسطين في ظل الحصار.”
وحول مضمون الرواية، أوضحت رولا أنها رواية سياسية واجتماعية وواقعية تعالج قضايا عدة، منها التشتت الناتج عن النكبة عام 1948، وقضايا الأسرة، وما يعانيه الأطفال، مؤكدة أن تناولها لهذه المواضيع “واجب أخلاقي وإنساني ووطني”، مضيفة تناولت هموم النساء الفلسطينيات،وانتصرت للمرأة ودعت إلى تمكينها اقتصاديًا في حال تعرضت للظلم فهي دعوة إلى عدم الاستسلام وغرس الأمل في النفوس بالرغم من قساوة المشهد.
وحول دور المثقف الفلسطيني والعربي في مواجهة تبعات القضية الفلسطينية، شدّدت رولا غانم على مسؤولية المثقف في حمل همّ الشعب ونقل معاناته قائلة نحن جميعًا لجأنا إلى القلم ليس فقط كملجأ، بل كوسيلة لإيصال رسائلنا للعالم فالقلم هو سلاحنا الآن، وهو أقوى من الرصاص، يخترق الحواجز ويصل إلى العالم.