خطبة فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي بجامع الإمام 18 أكتوبر:

alarab
خطبة فضيلة الشيخ د. محمد حسن المريخي بجامع الإمام 18 أكتوبر:
محليات 18 أكتوبر 2024 , 09:53م
الدوحة_العرب

أوضح فضيلة الشيخ د محمد حسن المريخي خلال خطبة الجمعة التي ألقاها بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب أن الفضل، مال ونعمة ومنة ورحمة وعافية، وزيادة في الخير، تسر الخاطر، وتشرح الصدور، وينعم بها المسلم، وأعظم الفضل فضل الله ربكم كما قال "والله ذو الفضل العظيم" فكم تطلع المخلصون لفضل ربهم ومنته ورحمته، وكم سألوه من فضله،  الله ربكم يملك الفضل، الله ربكم خالقكم ورازقكم، وفضل الله عز وجل دينه الإسلام الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم، الدين الحنيف الذي هو أعظم الفضل وأرفعه، بعث به محمدا صلى الله عليه وسلم، فأكرمه به، وأكرم من تابعه وأسبغ عليهم النعم ظاهرة وباطنة، وعدهم النصر به والتمكين في الأرض، ووعدهم النجاة، والفوز به في الآخرة بعد رحمته عز وجل، هذا هو الفضل العظيم يؤتيه الله تعالى من يشاء من عباده، وهو أفضل من كل العوافي، لأن عافية الدين هي أم العوافي، فهو أفضل من عافية البدن، وسعة الرزق، وغير ذلك من النعم الدنيوية، فلا أعظم من نعمة الدين، التي هي مادة الفوز والسعادة الأبدية، "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"، وجه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ليوجه المؤمنين ليعتنوا بفضل الله عليهم بالدين الحنيف، والهداية إلى الصراط المستقيم، وليقوموا به، ويعملوا بشرائعه ولا يهملوه، ولا ينشغلوا عنه بالدنيا وزخارفها، قال الله تعالى " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"، هذا هو الجدير بالفرح والسرور، الهداية للدين والعمل به، ومنة الإيمان، وتوحيد ربهم ومحبته ومعرفته خير مما يجمعون من متاع الدنيا الذي يتسابق إليه الغفلون ويتقاتل عليه الخاسرون.
وقال الشيخ محمد المريخي إن الفضل، فضل رباني ونعمة عظمى لا يغفل عنها إلا من سفه نفسه لأن العمل بالدين هداية إلى الصراط المستقيم وفيه سعادة الدارين ولأن نسيان الدين والانشغال بالدنيا سبيل الخاسرين واتباع للشياطين، قال الله تعالى مبينا مقام فضله بالدين "فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين" فلولا هداية الله لكم إلى الدين الحنيف، واتباع القرآن والرسول لاستحققتم العذاب والغضب، ولكنتم من الخاسرين، فافرحوا بفضل الله ربكم عليكم، واحمدوه واعملوا، فقد نجاكم وأنقذكم، ويقول الله تعالى " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا"، فقد وفقكم وأدبكم وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون، ولولاه جل وعلا لاجتالتكم الشياطين، هذا هو الفضل العظيم.
 
وأكد الخطيب أن الإسلام والقرآن والإيمان عصمة من الشيطان الرجيم، واعتصام بالرحمن، وقد وجه الله تعالى عباده ليسألوه المزيد من هذا الفضل العظيم، فقال "واسألوا الله من فضله"، يعني اسألوه المزيد من إحسانه، وإنعامه من أمور الدنيا والآخرة، لأن الفضل بيده عز وجل يؤتيه ويهبه لمن يشاء من عباده، ثم يأتي فضل رسول الله صل الله عليه وسلم على أمته الذي كان سببا في نجاتها ورفعتها وتقدمها، فبه صلى الله عليه وسلم بعد إذن الله عز وجل تقدمت الأمة، وسبقت الأمم، حتى أقامها الله تعالى شاهدة عليهم، "لتكونوا شهداء على الناس"، وشهد الله تعالى لها بأنها خير أمة خلقت، "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، وأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرجاتهم في الآخرة، ورفعتهم على الأمم، فقال صلى الله عليه وسلم "أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله". وقال عليه الصلاة والسلام أهل الجنة عشرون ومائة صف ثمانون صفا لهذه الأمة وأربعون لسائر الأمم"، حديث صحيح. ولقد علّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة أن تسأل ربها في كثير من توجيهاته وإرشاداته، كقوله عليه الصلاة والسلام "سلو الله العفو والعافية"، وقوله عليه الصلاة والسلام في دعائه "اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت" وفي دعائه أيضا "اللهم إني أسألك من فضلك" وكان الله تعالى قد قال له "وكان فضل الله عليك عظيما"، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة على التفضل بالإفضال على بعضهم البعض لانه بالفضل تبنى المودات وترمم المجتمعات وتؤسس عليه القرابات وتعزز الصلات ولأن الفضل من مكارم الأخلاق وكمال الأدب والرحمة فلا ينسى الفضل، ولا يعدم بين الناس، لأنه مودة وألفة، يقول أبو سعيد الخضري رضي الله عنه بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له فجعل يصرف بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صل الله عليه وسلم من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له" فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل" رواه مسلم.
وأضاف: المتفضلون بأفضالهم على إخوانهم مباركون عرفوا نعمة الله عليهم وشكروها، فتفضلوا بها، أهل الفضل، يتميزون في المجتمعات بعطاءاتهم وأخلاقهم، ومعاوناتهم، أهل الفضل يتميزون بشعورهم النبيلة، وكرمهم الكبير، إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن ليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق"، "خير الناس أنفعهم للناس". أهل الفضل لا يظلمون الناس ولا يحسدونهم، ولكن يفرحون لهم ويسعون في قضاء حوائجهم. إنهم أمان للمجتمعات وللأرض بعد إذن الله عز وجل، "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"، ولا ينكر فضل أهل الفضل إلا الجاحدون الحاقدون الجاهلون.
للفضل بعد فضل الله ورسوله، أهلون مختصون به، يعمرون به حسيا ومعنويا، يصلحون ويرممون، يبنون ويعطون الآمال، ويجبرون الخواطر، ويطردون اليأس والضوائق، ويدخلون السرور على إخوانهم المعوزين. يقول صلى الله عليه وسلم "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، تكشف به الكربة، أو تقضي به دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا -يعني مسجده صلى الله عليه وسلم- ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضا، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام" حديث صحيح.
وذكر الشيخ محمد المريخي أن أهل الفضل هم الوالدان والأرحام وولاة الأمر والعلماء الربانيون وطلبة العلم الموفقون وأقوام موفقون حبب الله إليهم الخير والسعي في حوائج الناس يريدون وجه الله، والأصدقاء،والخلان، وذوو الشيم والمروات. يقول صلى الله عليه وسلم من صنع إليكم معروفا، فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعو الله له حتى ترون أنكم قد كافأتموه" رواه أبو داوود، يعني إذا لم يستطع الإنسان أن يكافئ من أحسن إليه ممن أسدى إليه معروفه وفضله، فليثني عليه ويدعو له.
وأردف: صاحب الفضل لا يقع، وإذا وقع لا ينكسر، والاعتراف بالفضل خلق رفيع تعرفه النفوس الكريمة، وتنكره الطبائع اللئيمة. صاحب الأفضال لون بهي من ألوان الحياة الهانئة المستقرة. صاحب الأفضال لون بهي من أجمل ألوان المجتمع. بدونه سيبقى الحال كئيبا، والأوقات قاتمة. مكفهرة لا طعم لها ولا ذوق، وعندئذ سيتساوى الطيب والرديء والشجاع والجبان والجواد والبخيل، ولن يكون للجمال ولا للجلال فائدة، ولن تعرف معادن الرجال.
ونوه الخطيب بأن أسوأ الناس من لا يجد الفضل عنده مكانا، ولا خانة، البخيل الذليل الذي لا يمد يده إلا للمصالح والمنافع والشهوات الشخصية والأغراض الذاتية ،الذين لا يعيرون إخوانهم إهتماما ولا التفاتا.
ولفت أن إسناد الفضل لأهله ديانة ورفعة وشيمة ومروة وخلق معتبر، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر خديجة رضي الله عنها، وكان إذا ذبح الشاة قال اذهبوا بها إلى صديقات خديجة. تقول عائشة رضي الله عنها فغضبت من كثرة ما يذكرها، أو قالت فغرت من كثرة ما يذكر النبي صلى الله عليه وسلم خديجة، فقال صلى الله عليه وسلم إني رزقت حبها، كان يعترف بفضلها عليه بعد ربه جل وعلا، يقول آمنت بي إذ كذبني الناس وصدقتني  إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله منها الولد..
كان صلى الله عليم وسلم يكثر من ذكرها وفضلها يقول إنها كانت وكانت رضي الله عنها، واستأذنت هالة رضي الله عنها أخت خديجة للدخول عليه صلى الله عليم وسلم فعرف استئذان خديجة وقال اللهم هالة، وقالت له عاشة ذات مرة من غيرتها قد أبدلك الله بخير منها فقال ما أبدلني الله خيرا منها.
وأوضح الخطيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحفظ الجميل والفضل بعد الله تعالى لأصحابه، ويعترف بفضلهم، يقول "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"، ويقول هل أنتم تاركوا لي صاحبي، يعني أبا بكر. وقد أغضبه عمر رضي الله عنه وكان يخص الأنصار بشيء من الذكر الحسن، والفضل، يقول لهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صل الله عليه وسلم في رحالكم، ويقول لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار.
وبين الشيخ د. محمد المريخي أن الاعتراف بالفضل هو الإقرار بفضل الله تعالى بفضل من يصدر منه الفضل دون جحود أو نسيان، جحودا يقمض الحق، أو نسيان يستر الإحسان. الاعتراف بفضل أهل الفضل وردة سقيت بماء العيون، فازدانت وتعطرت وتجملت أملا في شكر جميل صاحب الصنائع، الاعتراف بصاحب الفضل الأول وهو الله سبحانه وتعالى، بالإعتراف العملي بدينه، والتأكيد على توحيده، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاعتراف بسائر نعمه وشكرها، أما المنكرون للفضل وأهله وحقه، فهم متمردون، مارقون، جاحدون، عميان، لا يبصرون، وكثير هم الذين ينكرون الفضل ويرفضون إسناده لأهله، وينسون المعروف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الخراب القلبي، والهدم النفسي، وضعف وقلة الإيمان، وذهاب الأخلاق.
وشدد الشيخ د. محمد المريخي أنه مما أفاء الله علينا في بلادنا هذه بفضل الله، ومنته أن حبانا بولاة أمرنا، نحبهم ويحبوننا، وندعو الله لهم، ويدعون لنا، يسعون دائما لسعادة المواطن وتوحيد الصف وتوفير العيش والحياة الهنيئة له، وتجنيبه الشرور والمكدرات، وتوفير الراحة الحسية والمعنوية، وسرورهم حفظهم الله بنجاحات المواطن وسالمته وبلوغه المراتب الرفيعة والتوجهات القديرة المشرفة، ومن تمام فضل الله علينا التقارب الكبير والمبارك بين ولاة الأمر والمواطن وصدق المحبة وإخلاص الولاء.
حثكم ربكم جل وعلا على كبير النصح فقال سبحانه "ولا تنسوا الفضل بينكم" فإنه لا تسركم ارض ولا ديار تخلو من وجود الفضل بين أهلها، فلا تنسوا الفضل بينكم، فإنه بنيان للنفوس رصين وإعمار للقلوب كبير، وإذهاب للشحناء، وطرد للأضغان، فلا تنسوا الفضل بينكم في كل شؤونكم وأموركم أعينوا وساعدوا، وتفضلوا وواسوا في الحوائج، واسعوا في قضاء حوائج إخوانكم في تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، وشفاء المرضى. وهداية الضلال، ورزق المحرومين، وإذهاب الأحزان، ولا تنسوا الفضل بينكم.