نساء الخير يرفعن شعار "الجودة بالموجود" لإفطار عابري السبيل
تحقيقات
17 يونيو 2016 , 03:05م
الدوحة - رانيا غانم
تقربا إلى الله واغتناما للحسنات والتنافس على فعل الخيرات في شهر رمضان المبارك، يسعى المسلمون إلى الإكثار من كل ما من شأنه التقرب إلى الله تعالى، ولأن افطار الصائم هو واحد من أهم القربات إلى الله في شهر الصيام، يحرص كثيرون على أن يكون لهم نصيب منه، سواء بإقامة موائد الرحمن الكبرى باختلاف حجامها وأماكن إقامتها، أو التبرع إلى الجهات الخيرية لإفطار صائمين داخل وخارج البلاد، والتي يكون فيها خيارات كثيرة أمام المتبرع يختار من بينها ما يناسب ميزانيته، كما يقيم البعض موائد صغيرة في أفنية بيوتهم يجمعون فيها ما تيسر من الصائمين.
النساء أيضا لهن من هذا الخير نصيب، سواء بالتبرع المادي او اعداد الطعام، وغيرها من صور المشاركة التي تكون فيها المرأة حاضرة بقوة، لكن عدد من النساء قررن أن يقمن بهذه القربى بشكل مختلف، خاصة من لا تتوفر لديهن اماكن لإقامة الموائد الكبرى، او يفتقرن القدرة المالية على تجهيز مائدة مكتملة ودائمة، فكانت "الجودة بالموجود"، من خلال اعدادهن وجبات افطار في المنزل، ثم يقوم اي من افراد الاسرة أو السائق بتوزيعها في الشوارع على من يحتاج اليها من الفقراء والعمال وعابري السبيل.
تفاصيل أكثر عن اعداد هذه الموائد تعرفت عليها "العرب" من بعض السيدات اللاتي يحرصن على اقامة موائد افطار "متنقلة" ولو بشكل متقطع، وهو ممارسة تحمل في طياتها الكثير من القيم والمعاني الجميلة التي لا يوجد افضل من "رمضان " لاظهارها.
صنع يدي
بداية تعرفنا على وجود هذه الموائد كان خلال صلاة "التراويح"، حيث كانت احدى المصليات تسأل رفيقتها عن بعض التفاصيل حولها لأنها ترغب هي الاخرى في افطار عدد من الصائمين مثلها، فتدخلنا في الحديث وسألنها عما تقوم بها ورحبت السيدة رغبة في انتشار هذ العمل بشكل أكبر، وان كانت تؤكد انه كثير من معارفها يقمن به، فقالت أم عبد الله: "أقوم خلال شهر رمضان -واحيانا في الشهور الاخرى حسب تيسير الله- بإعداد وجبات في منزلي ووضعها في عبوات مناسبة مع العصائر والماء البارد، ويأخذها زوجي او ابني إلى مجموعة من العمال الموجودين ي اماكن نعرفها او يتصادف مرورهم قبل الافطار، حيث أردت ان أقوم بنفسي بإفطار الصائمين، وليس فقط المشاركة مع الجمعيات-رغم اهميتها لأنها تصل لمستحقين لا نعلم نحن بهم- وبرغم ان زوجي اقترح ان نستشري لهم وجبات جاهزة من المحلات حتى لا يرهقني، لكنني رفضت بشكل قاطع ، فهدفي من هذا الاطعام ان يتناول هؤلاء الصائمون طعاما معدا منزليا فيشعرون بأجواء البيت والشهر الكريم، فهم طوال السنة يشترون من المحلات، لكن عندما نقدم لهم طعاما منزليا سيكون وقعه عليهم أفضل ويشعرون فعلا بالتغيير، كما أكون انا نفسي سعيدة للغاية خلال اعدادي للطعام فانا احتسب التعب فس سبيل الله، واي تعب وجهد يزول مع خروج زوجي من البيت بالطعام واكمال مهمتي، والحمد لله حمدا كثيرا، انا المستفيدة مما أقوم بهم أكثر منهم".
أصناف متنوعة
وتابعت "احاول ان اصنع الوجبات التي يمكن ان يقبل عليها كل الجنسيات او تلك التي لا تكون مستغربة منهم، كما اقوم بالتنويع في الطعام الموجود داخل الوجبة، واصنع عدة اصناف في الوجبة الواحدة بكميات قليلة، فربما شخص لا يروقه صنف ما فيجد غيره موجود، فلا يضيع عليه الافطار، كما اهتم بوضع الحلوى والعصائر المنزلية، انا ارفض شراء اس شيء من المحلات باستثناء الخبز، وكلمه من صنع يدي ومعاونة بناتي".
مشاركة الصغار
وتقول السيدة أنها تعرف صديقات أخريات لها يقمن بالفعل نفسه" لي عدد من الصديقات يقمن بإعداد وجبات منزلية وتوزيعها، بل وقد تتعاون مجموعة منهن في صنع الطعام بان تعد كل واحدة صنفا معينا بكمية كبيرة وفي النهاية يرسل الكل الطعام الى بيت احداهن فتقوم بوضعه في الصحون والعلب المخصصة لذلك ويحمله الابناء او الازواج لتوزيعه، حيث نترك لهم هذه المهمة كاملة، ونقدم فقط بعض الاقتراحات لوصول وجبات الافطار الى من يستحقونها، كما تتعاون الفتيات والشابات في تلك العائلات واحيانا الاطفال الصغار، في اعداد هذه الوجبات، ويكون لهذا وقع جميل عليهم، فصديقتي وهي مقيمة عربية لديها طفلة عمرها خمس سنوات، تحكي لي ان ابنتها تكون سعيدة للغاية في اليوم الذي تعد فيه هذ الوجبات، وتقوم بصف الاطباق وتوزيع الملاعق والشوك والأكواب ووضعها في الأكياس أو وضع الفاكهة او العصير، وتطلق على يوم اعاد وجبات الافطار لتوزيعها "أكل رمضان" وتسأل امها كل يوم هل ستصنعين اليوم "اكل رمضان"، وتفشل كل محاولات الام في اقناعها ان اكل كل يوم تعده الام لأسرتها هو طعام رمضان، لأنه ارتبط لدى الصغيرة بوجبات التوزيع على الصائمين".
عادة تتجدد
وتقول مقيمة عربية التي رفضت ذكر اسمها واختارت ان ندعوها أمة الرحمن: "اعتدت قبل حضوري الى قطر واقامتي فيها اختيار أيام متفرقة في شهر رمضان ولتكن يوم اجازتي الاسبوعية في العمل واقوم في بإعداد بعض الوجبات وتغليفها ويقوم زوجي بتوزيعها في المناطق القريبة من البيت على عمال النظافة وبعض المحتاجين او المارة بسيارتهم اللذين قد لا يتمكنون من اللحاق بالإفطار في بيوتهم، فالقاهرة –حيث أسكن- مزدحمة ويكون المرور فيها صعبا في هذا التوقيت، وكنت اقوم بإعداد ما تيسر لي، ربما عدد ليس بكبير من الوجبات يتراوح من 10 الى 20 وجبة حسب جهدي وما يتوفر لدي من مستلزمات لإعداد الطعام، لكني كنت سعيدة للغاية به واحرص على التمسك بهذا العمل حتى ولو كنت متعبة او مشغولة، كما كان زوجي يأخذ طفلتنا الصغيرة في السيارة معه خلال توزيع الوجبات لتشب على حب عمل الخير والشعور بالأخرين".
ضيوف أعزاء
وتابعت "عندما حضرنا للإقامة في قطر توقفت عن هذا الامر لعدة سنوات لأنني كنت اعتقد ان هناك صعوبة في وجود من يحتاجون لوجبات الافطار، خاصة مع توافر موائد الافطار الكبيرة المنتشرة في أماكن متعددة، لكن في السنوات الاخيرة كنت الحظ بعض العمال والناس البسطاء متواجدون بالقرب من منطقتنا السكنية وتحدثت الى زوجي في استئناف ما كنا نقوم به في مصر وبالفعل تحدث اليهم وعرف اماكن سكنهم وكل اسبوع يتوجه اليهم أو الى مجموعات اخرى بوجبات افطار احرص على أن تكون متنوعة لترضي كافة الأذواق، واعدها بحب واهتمام وكأنني اقدمها لضيوف اعزاء ومهمين، فكما هو معرف ان الصدقات تقع في يد الله اولا قبل العبد واسـل الله ان يتقبل منا هذا العمل البسيط".