

يتميز شهر رمضان في باريس بأجواء خاصة وحركة تجارية كبيرة تشبه وتضاهي حركة المدن العربية والإسلامية. ويخلق الإقبال اللافت من الجالية العربية المسلمة على أداء العبادات وشراء مستلزمات الشهر الفضيل، والمحافظة على أصالة الثقافة الشرقية، أجواء رمضانية ممتعة في باريس، تفوح منها روحانيات إيمانية ورائحة المطبخ والبهارات والعادات الغذائية العربية الإسلامية.
وتنتشر هذه الأجواء الرمضانية الفريدة في الأحياء الباريسية التي تقطنها غالبية مسلمة من أصول عربية، على غرار (مونتراي وبلفيل وكورون وبرباس وسان دوني وأوبارفيلييه وكاتر شومان)، ما يخلق حركة اقتصادية لافتة، خاصة في المطاعم والمحلات التجارية المختصة في بيع البضائع والمواد التموينية والغذائية والحلويات الشرقية.
وتعرف الأحياء الشعبية الباريسية إقبالا لافتا من الزوار والمستهلكين من كافة المدن الفرنسية المجاورة، وتشهد المنتجات والحلويات والمرطبات العربية التي يكثر استهلاكها في هذا الشهر طلبا متزايدا، وتشبه عملية الزحام في هذه الأحياء أغلب العواصم العربية الإسلامية في شهر رمضان.
وعن هذه الأجواء الرمضانية المميزة والحركة التجارية الكبيرة، قال أحد الباعة في حي مونتراي: إن إقبال الزوار على الحلويات المغربية الشرقية يبدأ قبل ثلاثة أيام من حلول الشهر الفضيل، لكنه يبلغ ذروته مع تقدم الأيام، خاصة في العشر الأواخر ومع اقتراب عيد الفطر، حيث لا تهدأ الحركة حتى بعد أذان المغرب.
وتختص محلات بيع الحلويات المغربية والشرقية بالكثير من الأنواع التقليدية الأصيلة التي تجلب الحرفيين من أبناء الجالية العربية الإسلامية، ويكثر عليها الطلب في شهر رمضان والمناسبات الدينية، على غرار (الشبكية والزلابية والمخارق والمقروض وكعب الغزال والمحنشة والمحجوبة والهريسة الحلوة وقلب اللوز والبقلاوة والبريك والشربة والطاجين).
وقال أحد تجار المواد التموينية في حي بلفيل: هذه الحلويات بنكهتها الشرقية وطريقة تحضيرها الخاصة تعد ميزة للأحياء الشعبية الباريسية في شهر رمضان، بالإضافة إلى بقية المواد الاستهلاكية التي نحرص على توفيرها للزبائن الذين يأتون خصيصا إلى حي بلفيل للتزود بها، مثل التمور وزيت الزيتون والهريسة والبرقوق وشريحة التين والحلوى الشامية، وكذلك البهارات، والتوابل الشرقية، والبخور.
وأوضح أن تزاحم الناس وإقبالهم على حي بلفيل من كل المناطق والمدن المجاورة، يجعله يسترجع ذكريات «رمضان زمان» في مدينته القيروان.
أما أحد تجار العطور والبخور في حي كورون، فقد أشار إلى أن الإقبال على العطور العربية الشرقية الأصيلة والبخور في شهر رمضان والأعياد الدينية لا يضاهيه أي إقبال في كل أيام السنة، منوها بأن الزبائن في الشهر الفضيل يحبذون أنواعا بعينها من الأبخرة والعطور تتركز وتمتزج فيها عبق روائح البيئة العربية الإسلامية على غرار الصندل والعود والياسمين والمسك والعنبر والزعفران والورود بأنواعها.
ولا تقتصر أجواء رمضان في باريس على الحركة التجارية اللافتة، وانما تتعداها إلى الأجواء الروحية التي تشهد زخما هي الأخرى من خلال استحضار العادات والتقاليد والقيم الدينية العميقة، والمعاني والمبادئ الإنسانية التي تميز الدين الحنيف، فضلا عن الإقبال المنقطع النظير من قبل الجالية المسلمة على صلوات التراويح والتهجد، والمساهمة الفعالة في أعمال الخير والتضامن والتكافل الاجتماعي بين مختلف فئات الجالية.
وذكرت إحدى السيدات أنها تستغل الأجواء الروحية المميزة لشهر الرحمة والعبادة حتى تضع برنامجا خاصا مع أمها وأخواتها وأبنائها وعائلتها المصغرة لتلاوة وحفظ القرآن الكريم والمداومة على صلاة التراويح والتهجد، واستذكار القيم النبيلة والمبادئ السمحة للدين الإسلامي الحنيف، من خلال المداومة على قراءة كتب السيرة وقصص القرآن.
وقالت: «نسعى من خلال هذا البرنامج إلى تجديد عزمنا وتطهير أرواحنا وصونها من التلف، خاصة مع ضغوط الحياة العصرية في فرنسا وسرعتها وكثرة العمل، كما نسعى إلى زرع القيم والمبادئ في أولادنا حتى يعرفوا دينهم الحنيف ويفتخروا بعاداتهم وتقاليدهم وأصولهم العربية الإسلامية».
وأشارت إلى أنها تحرص، خاصة في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، على القيام بالأعمال الخيرية الإنسانية وزيارة الأقارب، والمساهمة في توزيع بعض الأكلات التقليدية التي تميز مدينة باتنة (شمال الجزائر) التي ينحدر منها والداها، مثل (الشخشوخة والكسكسي والبريك والشربة)، على جيرانها الفرنسيين حتى يتعرفوا على أجواء رمضان وعاداتهم وتقاليدهم.
ولفتت، في ختام حديثها، إلى أن هذه الزيارات والتكافل والتضامن تخلق نوعا من الحوار المباشر وغير المباشر وتقوي الوشائج والصلات بين الثقافات والحضارات الشرقية والغربية، وتغير بعض الصور السلبية التي طالت الدين الإسلامي في فرنسا وأوروبا.