العيسوي لــ «العرب»: التنشئة الخاطئة أهم أسباب شخصية «الطفل الخجول»

alarab
تحقيقات 16 يوليو 2011 , 12:00ص
الدوحة - هدى منير العمر
«مزعج لأبعد الحدود، فوضوي وشقي فوق التصور، لا يقدر عليه أحد حتى إخوته الأكبر منه سناً، هذا هو طفلي البالغ من العمر ثلاثة أعوام، ولكن لا تقف حدود المشكلة هنا، فبمجرد ملاقاته لأناس أغراب داخل المنزل أو خارجه، ينقلب طبعه رأسا على عقب، ليتحول لطفلٍ خجولٍ هادئ بريء». بهذه الحالة أفادت السيدة أم فواز حول مشكلة طفلها، والتي قد لا تعد مشكلة شاذة، فتعتبر حالة تقلب الطباع لنقيضها عند بعض الأطفال حين ملاقاة الأغراب أو غير المألوفين عليهم شيئا ملحوظا، ويشتكي منها كثير من الأهالي، فيبدو الطفل بين أهله متفاعلاً متحدثاً واثقاً، وشقياً في بعض الأحيان، على عكس ما يبدو عليه حين ملاقاته لأشخاصٍ أغراب، فيصبح خجولاً هادئا وملازماً لأمه أو أبيه أو من اعتاد عليه. قد يكون التعلق الزائد بالأبناء إحدى أسباب المشكلة، فتقول السيدة أم فواز «طفلي البالغ من العمر 4 سنوات خجول جداً أمام الناس ولا يتلفظ أمامهم بكلمة واحدة، لدرجة أن البعض اعتقد أن طفلي لا يزال عاجزا عن الكلام، مع العلم أنه لا يتوقف عن الثرثرة داخل البيت وقد انطلق بالكلام منذ سن مبكر من عمره، والغريب كذلك أن تفاعله حتى مع أطفال جيله ضئيل جداً وهذا ما يقلقني خصوصا أنه مُقبل على مرحلة جديدة في حياته وهي «المدرسة» وأخشى أن يترك طبعه هذا مشكلة نفسية عنده في حال عدم انسجامه مع بقية الأطفال في الروضة، ولا أدري إن كان تعلقه الزائد بوالده سبب هذه المشكلة، فيفضل دائما البقاء بجانبه أكثر مني ويخرج معه في كل مشاويره ويقلده في كل كبيرة وصغيرة». أما أم سامر فتقول من جانبها: «طفلي هادئ بطبيعة الحال إن كان داخل البيت أو خارجه، ولكن يزداد هدوؤه وخجله أكثر عند الخروج وفي المناسبات الاجتماعية، رغم أنه الآن في الصف الأول، وعلى فكرة في هذه الفترة الصيفية يعتبر انعزاله وهدوؤه مضاعفاً لأنه يتعرف على أقارب وأصدقاء ما كان يعرفهم أو ما كان يذكرهم وهو أصغر من ذلك بسبب عدم ملاقاتهم إلا عندما نسافر في عطلة الصيف، لكن أعتقد أن هذه حالة طبيعة عند كل الأطفال بنسب مختلفة». في هذا الصدد يقول الاستشاري النفسي الدكتور طارق عبدالرحمن العيسوي لـــ«العرب»: إن مظاهر الخجل التي تصيب بعض الأطفال تختلف في مستواها وشدتها من طفل لآخر، وقد يتلاشى الخجل تدريجياً مع التقدم في العمر ليبدأ في التحسن في المرحلة الابتدائية لدى كثير من الحالات، أما الحالات المرضية فهي التي يلازمها الخجل وآثاره المتنوعة على السلوك والقدرات لمراحل عمرية متقدمة ويصبح سمة من سمات الشخصية. مظاهر وسمات الطفل الخجول ويتابع الدكتور العيسوي مظاهر وسمات تبدو على الطفل الخجول، ومنها تميزه بسهولة الخوف وعدم الثقة بالنفس، ويتجنب الألفة والاتصال بالأشخاص الآخرين خاصة خارج المنزل وفي المدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة، ودائم الالتصاق بالوالدين أو أحدهما أو أحد الإخوة، وفي الغالب لا يبادر في العمل المستقل أو ممارسة اللعب الجماعي أو الجلوس بمفرده مع الغرباء والزائرين وحتى الأقارب كالأعمام والأجداد.. وغيرهم، وعادة ما يتحدث بصوت خافت منخفض أو يميل إلى الصمت ورفض الحديث خاصة خارج المنزل، كما يتجنب الاتصال البصري والنظر في عين المتحدث، ويهرب بعينيه بعيداً هنا وهناك، ويتميز كذلك في المدرسة بالهدوء وعدم المشاغبة أو المشاركة الإيجابية لموضوع الحصة، ويجد صعوبة في المهارات الاجتماعية ولا يحسن تقديم نفسه للآخرين ويشعر بعدم الارتياح الداخلي مما يظهر عليه علامات القلق والتوتر والرغبة في الانسحاب والعودة إلى المنزل فيما لو وضع في المواقف الاجتماعية. أسباب الطفل الخجول وعن أسباب الخجل ومبرراته عند الأطفال يفيد الدكتور العيسوي أنها تتنوع، ويرجع معظمها إلى عدم شعور الطفل بالأمان والأمن الناتج عن أساليب تنشئة الوالدين الخاطئة كالحماية الزائدة أو النقد المستمر، وقد تلعب العوامل الوراثية دورا في هذا، فضلاً عن تدخل المحيطين في كل كبيرة وصغيرة خاصة بالطفل وعدم ترك مساحة لممارسة الحرية والأنشطة والإبداع، واختيار الأم الملابس والأصدقاء والكتب والطعام والهوايات لطفلها دون مراعاة لمشاعره أو هواياته أو قدراته الخاصة، وعدم منحه فرصة للمناقشة والحوار والتعبير عن رأيه وعدم تكليفه بمهام أو أعمال داخل المنزل مما ينعكس عليه سلبا وعلى ثقته بنفسه، بالإضافة إلى مقارنته الدائمة بالآخرين وعدم وجود المثل الأعلى والقدوة الحسنة، وتسلط الوالدين أو أحدهما والعقاب الشديد خاصة البدني والنقد المستمر لكل سلوك يقوم به الطفل، والسخرية والتهكم عليه. العلاج ويوجز الدكتور العيسوي أهم إجراءات علاج مظاهر الخجل لدى الأطفال في الخطوات التالية: أولاً: إبراز ما لدى الطفل من إيجابيات ومظاهر قوة، وإبراز موهبته وهواياته ومشاركته الأنشطة المدرسية والخارجية خاصة الرياضية والفنية والاجتماعية. ثانياً: منحه مساحة من الحرية وممارسة اللعب الحر دون قيود، وعدم التدخل في كل كبيرة وصغيرة وتركه يتعرف على ما حوله من أنشطة وفعاليات. ثالثاً: الإكثار من الثناء والمدح والتشجيع والمكافآت خاصة عند السلوك الجيد أو الأعمال المفيدة الهادفة، وإظهار علامات الإعجاب، ورسم الابتسامة على وجه الوالدين والمحيطين به، بالإضافة إلى الاستماع الجيد، والحوار معه حول ما يهمه ويرغبه ويحبه، وعن المستقبل والأهداف حسب قدراته، ومشاركته أفراحه وأحزانه، وعدم إحراجه خاصة أمام الآخرين عند قيامه بسلوك غير مناسب. رابعاً: عدم إلصاق صفة غير محببة لديه، مع عدم العطف والحماية الزائدة، وفي المقابل على الوالدين الحرص على السلام والعناق واللمس وإشعاره بالدفء، والسؤال من حين لآخر عن حاله وأحواله. خامساً: منحه هدية رمزية كمكافأة عن السلوك المناسب، ومراعاة الفروق الفردية في القدرات الكلامية واليدوية، فضلاً عن نقد السلوك وليس الشخص، وتعليمه سلوكيات تجعله مقبولاً من الآخرين. وأخيراً: تعديل البيئة المحيطة (المنزل، المدرسة، الحجرة الخاصة)، ولجوء الوالدين للإخصائي النفسي للتعرف على كيفية التعامل مع الطفل وسبل علاج سلوكه المضطرب.