تبادل الأطباق الرمضانية.. تعبير إنساني يزيد من التواصل بين الجيران

alarab
تحقيقات 15 أغسطس 2011 , 12:00ص
الدوحة - كارلا سليمان
تحرص الجدة أم محمد (في العقد السابع) على إعداد جميع المأكولات الرمضانية بيديها أو تحت إشرافها المباشر طيلة أيام الشهر، غير مكتفية بطبخ ما يلزم لإطعام أفراد العائلة، بل تعد يوميا ما يفيض عن الحاجة ليوزع بالتناوب على الأقارب والجيران والأصدقاء، بهدف الحفاظ على هذه العادات والتقاليد الأصيلة وكسب الأجر والثواب. وتفخر أم محمد -التي تعتبر عادة إرسال الطعام من أهم ما يميز شهر الكرم والمودة- بحفاظها على العادة الموروثة عن الأم والجدات ونقلها لبناتها الأربعة اللواتي بتن يتبادلن الأطباق فيما بينهن ومع الأقارب، فالطبق المرسل لا يحمل الطعام وحسب، بل يقوي صلة الرحم وينشر المودة ويشيع التقرب والإخاء، حسب أم محمد التي تتابع: «بالتأكيد لدى الجميع ما يكفي من الطعام، لكن الصحن المرسل أو المستقبل يعكس الاهتمام والاحترام المتبادل، ويقوي العلاقات بين الأهل والجيران». خيارات الإرسال ويبدأ أحمد السالم حديثه بالتأكيد على احترامه وإعجابه بالعادات العربية الموروثة وبشكل خاص تلك التي تشيع المحبة والتآخي والتعاون بين العائلة والأصدقاء والجيران كعادة تبادل الأطباق الرمضانية، لكنه ينتقد في الوقت ذاته خيارات الإرسال -حسب تعبيره- ويتسأل أحمد باستياء: ما الفائدة من إرسال الطعام لمن يستطيع تأمينه؟ ولماذا نرسل يوميا مأكولات لمن نعرف مسبقا أنهم قد يتذوقونها في أحسن الأحوال -لا أكثر- ليكون مصيرها النهائي مع النفايات؟ والسؤال الأهم: لماذا لا نرسل الفائض عنا لمن يحتاجه بالفعل ونكسب بذلك ثوابا عظيما عوضا عن ذنب التسبب برمي الطعام وهناك من يشتهيه ولا يستطيع الحصول عليه؟ ويتابع أحمد: «نحن نستقبل العديد من الأطباق التي لا نجد الوقت الكافي لمجرد فتحها أحيانا، بل نرميها قبل الاطلاع على ما تحتويه من أصناف»، ويفضل أحمد أن يتم استدعاء أفراد العائلة للإفطار وتمضية السهرات الرمضانية سويا لتقوية الصلات، عوضا عن إرسال الطعام وتحميلهم عناء ملء وإرجاع الأطباق الفارغة، حسب أحمد الذي فشلت جميع محاولاته بإقناع زوجته للتخلي عن هذه العادة، واستبدالها بدعوة الأقارب للإفطار وإرسال الطعام لمن يحتاجه فقط، لكن زوجة أحمد اختارت في النهاية زيادة الكمية المطبوخة حتى تكفي لإرسال الطعام لبعض العائلات الفقيرة إلى جانب الاستمرار في إرساله إلى الأهل والجيران والأصدقاء. تجنب الإحراج بينما تتجنب أم مبارك الحامد التسبب بإحراج من ترسل لهم الأطباق الرمضانية عن طريق إرسال الطعام قبيل موعد الإفطار بنصف ساعة، وإرسال الخادمة أو السائق في الصباح الباكر لاسترجاع الأطباق الفارغة، فلا يجد من لا يمتلك الإمكانات المادية أو الوقت الكافي لإعداد الطعام نفسه مضطرا لملء الأطباق وإرجاعها، في حين تفضل ابنتها أم أحمد إرسال الصحون المصنوعة من الفلين أو الألمنيوم -ذات الاستعمال لمرة واحدة- لتجنب الإحراج، وهو ما ترفضه أم مبارك كحل باعتبار أن الطبق المقدم للأهل والجيران يعكس حرص ربة المنزل على خروج الأطباق بمظهر لائق وأنيق ليعبر عن اهتمام المرسلة بكافة التفاصيل. أكل عليها الدهر وشرب وحول الاختلافات بين الأمس واليوم تقول أم مبارك: «الفروقات التي فرضها اختلاف الزمن كثيرة فقد باتت تقع مهمة توصيل الأطباق على عاتق الخدم، في حين كنا نحن كأطفال من يقوم بالتوصيل سابقا، كما كان يقتصر إرسال واستقبال الأطباق على العائلات التي تسكن بالجوار، أما اليوم فقد ألغت السيارات المسافات ولم يعد البعد أو ارتفاع درجات الحرارة أو الانشغال أسبابا كافية لقطع العلاقات خلال شهر رمضان، لكن هذه العادة التي عاشت مئات السنين كانت منتشرة بشكل أوسع وتتم يوميا على مدار العام، وفقا لأم مبارك، لكنها باتت اليوم تقليدا مرتبطا بشهر واحد ومقتصرا على المأكولات الرمضانية، خاصة بعد أن تفككت معظم الروابط وضعفت العلاقات الاجتماعية، مشيرة ?إلى أن العوائل الخليجية كانت أكثر ترابطا وقربا في الماضي». وتجد زينة عطاالله صعوبة بالغة في الاستمرار بتطبيق عادات «أكل عليها الزمن وشرب»، فالظروف تغيرت ومشاغل الحياة ازدادت، حسب زينة، ولم يعد لدى غالبية نساء اليوم خاصة العاملات ما يكفي من الوقت للقيام بالواجبات الاجتماعية «فلا تستطيع المرأة العاملة تكبد عناء إعداد كمية كبيرة من الطعام، كما أنه من غير اللائق إرسال الأطباق الجاهزة». رد الجميل في حين يرى مجد خرفان (مقيم عربي) في إرسال الأطباق الرمضانية الشعبية تعبيرا إنسانيا راقيا عن التواصل والتراحم والألفة والمحبة بين الجيران، ويقول: «اعتدت خلال إقامتي في دولة قطر وعلى امتداد 4 سنوات أن أستقبل يوميا في شهر رمضان الكريم إفطارا كاملا تقدمه عائلة تسكن بجواري، فتخفف عني الشعور بالوحدة والغربة بعيدا عن الأهل والأقارب»، ويرد مجد الجميل لجيرانه بتحضير بعض أنواع المشروبات التقليدية التي تروي العطش وتعين على الصيام، كما يعد بعض الحلويات البسيطة لتقديمها كعربون امتنان وشكر. فعادة تبادل المأكولات بين الجيران والأقارب في رمضان من العادات القديمة المتوارثة عند العرب عامة وأبناء الخليج العربي وقطر خاصة، وتضفي هذه العادات على أمسيات رمضان نكهة خاصة ومميزة، وفي حين يعتبرها البعض واجبا أو سبيلا للتقرب والتآخي، يرى فيها آخرون صدقة وإحسان للفقراء والمحتاجين.