

أحيا سعادة الدكتور مصطفى كوكصو، سفير الجمهورية التركية لدى دولة قطر، الذكرى التاسعة لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في ليلة 15 يوليو 2016، مؤكدًا على الشجاعة البطولية للشعب التركي وصمود مؤسسات الدولة في مواجهة هذا التهديد الخطير على الديمقراطية والنظام الدستوري. وفي كلمته، استعرض السفير تفاصيل الأحداث، وسلط الضوء على الجهود المستمرة لمكافحة الإرهاب، والعلاقات الوثيقة بين تركيا وقطر، مؤكدأ أن التضامن القطري مع تركيا عزز الروابط الأخوية بين البلدين، كما تحدث عن الإنجازات التي حققتها بلاده على الصعيدين الداخلي والدولي.
ودعا سعادة السفير إلى تعزيز التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، مشددًا على أهمية تبادل المعلومات الاستخباراتية ومنع تمويل الإرهاب. وأعرب عن توقع تركيا من حلفائها وشركائها إبداء التضامن في مواجهة «FETÖ» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، مؤكدًا أن عزم تركيا سيظل ثابتًا.

تضامن قطر
أشاد السفير كوكصو بالتضامن اللافت الذي أبدته دولة قطر خلال محاولة الانقلاب، حيث كان حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، أول زعيم عالمي يتصل بالرئيس أردوغان لتقديم الدعم، تلته زيارة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، إلى تركيا.
وأكد أن هذا الموقف المبدئي عكس متانة الروابط الأخوية والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، التي تجاوزت التحديات الكبرى مثل جائحة كوفيد-19، والحصار على قطر، وكارثة الزلزال في تركيا عام 2023، التي أودت بحياة نحو 60 ألف شخص.
وأشار سعادة السفير إلى أن التضامن المتبادل بين الشعبين يشكل حجر الأساس للعلاقات الثنائية النموذجية.العلاقات التركية-القطرية،
وقال: «إن العلاقات التركية-القطرية، التي احتفلت بالذكرى الخمسين في 2023، تشهد تطورًا مستمرًا في جميع المجالات، مدعومة بالثقة المتبادلة والإرادة السياسية المشتركة. ومنذ إنشاء اللجنة الاستراتيجية العليا في 2014، وقّع البلدان 117 اتفاقية تغطي الدفاع، التجارة، الاستثمار، الطاقة، الثقافة، والتعليم. كما تتقاسم تركيا وقطر رؤى متقاربة في السياسة الخارجية، خاصة في دعم القضايا الإنسانية في غزة وسوريا والصومال وليبيا، حيث تتبنيان مبادرات دبلوماسية وإنسانية لتعزيز الاستقرار الإقليمي وحماية المدنيين.»
وأكد السفير أن السياسة الخارجية التركية ترتكز على الإنسانية والرحمة، حيث تحتل تركيا المرتبة الأولى عالميًا في المساعدات الإنسانية نسبة إلى ناتجها المحلي.
واستضافت تركيا أول قمة عالمية للعمل الإنساني في إسطنبول عام 2016، وتدعم المجتمعات المحرومة عالميًا. كما لعبت دورًا رائدًا في الوساطة الدبلوماسية، بما في ذلك مبادرة حبوب البحر الأسود في 2022، وتسهيل محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا في 2025، وتوقيع إعلان أنقرة بين الصومال وإثيوبيا في 2024. وتعمل تركيا، بالتعاون مع قطر، على تعزيز الاستقرار في سوريا ودعم القضية الفلسطينية في غزة، حيث تسعى لوقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية. كما تدعم تركيا سيادة السودان وليبيا وأفغانستان، مقدمة مساعدات إنسانية وتنموية عبر مؤسسات مثل «تيكا» و»معارف» والهلال الأحمر التركي. وأعرب السفير كوكصو عن فخر تركيا بصمود شعبها وتضامن أشقائها في قطر، مؤكدًا استمرار التعاون الوثيق بين البلدين لمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية. ودعا إلى مواصلة الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب وتعزيز السلام، مشيدًا بالدور القطري في الوساطة والدعم الإنساني.

مقاومة بطولية ليلة 15 يوليو
تعرضت الجمهورية التركية لمحاولة انقلاب غير مسبوقة وخطيرة، في ليلة 15 يوليو 2016، استهدفت الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيًا.
قاد هذه المحاولة أعضاء من منظمة «FETÖ» بزعامة فتح الله غولن، حيث هاجم ضباط انقلابيون تابعون للمنظمة مقرات حكومية حساسة، بما في ذلك المجمع الرئاسي في أنقرة والبرلمان التركي، وحاولوا اغتيال الرئيس رجب طيب أردوغان.
واستخدم الانقلابيون الدبابات والشاحنات العسكرية لإغلاق جسر البوسفور، وقصفت طائراتهم ومروحياتهم مديرية أمن أنقرة ست مرات، واستهدفوا مقر العمليات الخاصة للشرطة بطائرات F-16، مما أدى إلى استشهاد 56 من أفراد الشرطة. كما تم إغلاق جميع المطارات أمام حركة الطيران، وتعرضت وسائل الإعلام، بما في ذلك قناة «TRT» الرسمية و»سي إن إن ترك»، لهجمات مباشرة.
وفي مواجهة هذا العدوان، خرج عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك العُزّل إلى الشوارع، استجابة لنداء الرئيس أردوغان، متحدين عبر الطيف السياسي للدفاع عن الديمقراطية والحكومة الشرعية.
وأسفرت المحاولة الانقلابية عن مقتل 251 مواطنًا وإصابة أكثر من 2000 آخرين، لكن شجاعة الشعب التركي ويقظته أحبطت هذه المؤامرة غير القانونية، مما جعل هذا الحدث نموذجًا فريدًا في التاريخ الإنساني للمقاومة الشعبية ضد الانقلابات العسكرية.
وأكد السفير كوكصو أن هذه الذكرى تجسد التزام الأمة التركية الثابت بالديمقراطية والوحدة الوطنية.
وأوضح السفير أن محاولة الانقلاب دبّرتها منظمة «FETÖ» الإرهابية، وهي شبكة سرية عابرة للحدود يقودها فتح الله غولن، الذي توفي في أكتوبر الماضي بالولايات المتحدة بعد أكثر من 20 عامًا في المنفى الاختياري.
وتشير الأدلة القضائية واعترافات المنفذين إلى أن عناصر المنظمة، التي تسللت إلى مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على مدى عقود، خططت ونفذت هذه المحاولة.
واعتبر «FETÖ» تنظيمًا يتستر وراء شعارات التعليم والحوار الديني، مستغلًا القيم الوطنية والروحية لخداع الشباب وتجنيدهم عبر أساليب غسل دماغ متقنة.
وعملت المنظمة بهيكل هرمي صارم، مستخدمة الخداع والاتصالات المشفرة لتقويض مؤسسات الدولة، مما جعلها تهديدًا خطيرًا ليس فقط لتركيا، بل للمجتمعات العالمية التي تواجدت فيها عبر مدارسها ومنظماتها غير الحكومية.
وبعد محاولة الانقلاب، اتخذت تركيا تدابير قانونية شاملة لتفكيك شبكة «FETÖ»، شملت إجراءات قضائية عادلة ضد أعضائها بناءً على أدلة واضحة، ونقل مؤسساتها التعليمية إلى وقف «معارف» التركي، الذي يدير اليوم 467 مؤسسة تعليمية في 52 دولة، مقدمًا تعليمًا عالي الجودة. كما أحبطت تركيا محاولات المنظمة للتغلغل في القطاعات الاقتصادية مثل التعليم والإعلام والمصارف، التي كانت تُستخدم لغسل الأموال وتمويل أنشطتها.
وأكد سعادة السفر التزام بلاده الراسخ بمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، بما في ذلك تهديدات «FETÖ»، و»PKK/YPG»، و»داعش»، مع الالتزام الكامل بالقانون الدولي وسيادة القانون.
صمود وإنجازات رغم التحديات
على الرغم من التحديات التي واجهتها تركيا، بما في ذلك محاولة الانقلاب، وجائحة كوفيد-19، وكارثة الزلزال في 2023 التي تسببت في أضرار تجاوزت 100 مليار دولار، خرجت تركيا أقوى على الصعيدين المحلي والدولي.
وحققت إنجازات بارزة في تعزيز الحوكمة الديمقراطية، وتطوير الصناعات الدفاعية، وتوسيع المساعدات الإنسانية. وسجل الاقتصاد التركي نموًا مستمرًا، ليصبح ضمن أكبر 20 اقتصادًا عالميًا، مع صادرات قياسية بلغت 262 مليار دولار في 2024، وتوقعات بتجاوز 270 مليار دولار في 2025.
كما استقبلت تركيا 62 مليون سائح في 2024، وواصلت تطوير بنيتها التحتية بمشاريع مثل نفق أوراسيا وجسر تشاناكالي.في المجال الدفاعي، أصبحت تركيا رائدة عالميًا بفضل طائراتها المسيرة مثل «بيرقدار TB2» و»TB3»، ومركباتها المدرعة، وسفنها الهجومية مثل «TCG Anadolu»، ومشروع الطائرة المقاتلة «KAAN». وتستحوذ تركيا على 65% من سوق الطائرات المسيرة العالمية، مع مصنع يُعد الأكبر عالميًا. وشهد قطاع التكنولوجيا تقدمًا مع إطلاق قمري «Türksat 5A» و»5B»، وأطلقت تركيا أول سيارة كهربائية محلية «TOGG».