هل تغير الانتخابات النيابية المشهد السياسي والاقتصادي في لبنان

alarab
هل تغير الانتخابات النيابية المشهد السياسي والاقتصادي في لبنان
حول العالم 15 مايو 2022 , 11:33ص
قنا

 يترقب اللبنانيون بحذر المشهد السياسي بعد الانتخابات النيابية التي انطلقت اليوم، وذلك في ظل أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة يحمل اللبنانيون والمجتمع الدولي مسؤوليتها إلى الممارسات الخاطئة لبعض المسؤولين السياسيين والماليين في البلاد.

ويرى مراقبون أن سبب الأزمة الاقتصادية يعود إلى المحاصصة التي سادت في لبنان طيلة السنوات الماضية بين الفرقاء من أجل مصالحهم الخاصة، بعيدا عن الصالح العام ومصلحة الشعب اللبناني.
وبحسب المراقبين فإن كل ما جرى طيلة السنوات يخالف القواعد الدستورية والقانونية لعمل النائب بالبرلمان الذي كان يعمل فقط لأبناء منطقته، في حين يتوجب عليه العمل لمصلحة كل اللبنانيين لأنه ووفقا للمادة /27/ من الدستور "عضو مجلس النواب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيه".
ويؤكد مهتمون بالشأن اللبناني أنه لا يمكن لأحد، خاصة لرؤساء الكتل النيابية أو الأحزاب، الادعاء بأنهم يمثلون فئة من اللبنانيين، وإلا كانت وكالة هؤلاء النواب مقيدة، وهو ما يخالف الدستور، وما كان يحصل في لبنان وأدى إلى الانهيار الحاصل بالبلاد وفق منطق المحاصصة بين رؤساء الأحزاب والكتل النيابية.
وأفاد تقرير صادر عن الأمم المتحدة، بأن ممارسات القادة السياسيين والماليين في لبنان هي ما دفعت معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي ولحقوق الإنسان، وهو ما أكده السيد أوليفييه دي شوتر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، في تقرير نشر في أعقاب بعثة إلى لبنان لتقصي الحقائق والتحقيق في الأسباب الجذرية والآثار المترتبة على أسوأ أزمة اقتصادية ومالية شهدتها البلاد في تاريخها.
وأضاف الخبير المستقل وفقا لما أورده الموقع الرسمي للأمم المتحدة "كانت المؤسسة السياسية على علم بالكارثة التي تلوح في الأفق لسنوات لكنها لم تفعل شيئا يذكر لتلافيها، حتى أن الأفراد المرتبطين جيدا قاموا بنقل أموالهم إلى خارج البلاد، بفضل الفراغ القانوني الذي سمح بتدفق رأس المال إلى خارج البلاد".
ومع موعد الانتخابات البرلمانية، دعا خبير الأمم المتحدة، الحكومة المقبلة إلى وضع المساءلة والشفافية في "قلب ومحور أعمالها"، بدءا من الكشف العلني عن مواردها المالية وتضارب المصالح ومطالبة مسؤولي البنك المركزي بالقيام بالمثل.
وقال الخبير الأممي، إن الأزمة الاقتصادية التي من صنع الإنسان في لبنان بدأت في عام 2019، واليوم يقف البلد على شفير الهاوية، مستشهدا بالتقديرات الحالية التي تضع أربعة من كل خمسة أشخاص في معدل فقر.. مؤكدا على أن الثروة الوطنية تبددت على مدى عقود من خلال سوء الإدارة والاستثمارات في غير محلها من قبل الحكومة والبنك المركزي.
وأضاف "أدت سياسات البنك المركزي على وجه الخصوص إلى تدهور العملة، وتدمير الاقتصاد، والقضاء على مدخرات للناس، وإغراق السكان في براثن الفقر".
وأكد أنه تم تدمير الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية، في حين أن الدولة تدعم بشكل كبير توفير القطاع الخاص لهذه الخدمات.
وأشار الخبير الأممي أيضا إلى أن أكثر من نصف العائلات أفادوا بأن أطفالهم اضطروا إلى تخطي وجبات الطعام، في حين أن مئات الآلاف من الأطفال خارج المدرسة أيضا، وقال "إذا لم يتحسن الوضع على الفور، فسيتم التضحية بجيل كامل من الأطفال".
وانتقد خبير الأمم المتحدة عقودا من نقص الاستثمار في نظام الرعاية الصحية العام .. مؤكدا على أن النقص الحاد في الأدوية وأسعار أدوية الأمراض المزمنة التي ارتفعت أربعة أضعاف على الأقل، يمثل "حكم إعدام شبه مضمون لمن هم في أمس الحاجة إليها".
وعلى الرغم من ندرة البيانات الرسمية، التي لا تجمعها الحكومة بشكل منهجي، وهو ما يرجع إلى نقص التعداد السكاني منذ عام 1932، تشير التقديرات إلى أن الفقر متعدد الأبعاد تضاعف تقريبا بين عامي 2019 و2021، مما أثر على 82 بالمئة من السكان العام الماضي.
وشدد السيد أوليفييه دي شوتر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، على أنه إذا أريد استعادة الثقة من أجل مستقبل أفضل، يجب على الحكومة تعزيز التفتيش المركزي، وتحرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من التدخل السياسي المحتمل، وضمان الرقابة المستقلة على شركة كهرباء لبنان، وترسيخ المساءلة والشفافية في خطة التعافي.
ودعا الخبير الأممي الحكومة القادمة إلى الالتزام بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان في جميع المجالات من خلال الحد من عدم المساواة، ومكافحة الفساد والإفلات من العقاب، وبناء أنظمة حماية اجتماعية وتعليمية ورعاية صحية قوية ومرنة، ووضع المصالح العامة فوق المصلحة الخاصة.
ويواجه لبنان أزمة اقتصادية ومالية صنفها البنك الدولي بأنها من بين أسوأ عشر أزمات، وربما من بين أسوأ ثلاث أزمات، منذ القرن التاسع عشر، في حين كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في تقرير لها مؤخرا ارتفاع نسبة الفقر في لبنان إلى أكثر من 82 بالمئة من السكان.
وفي الوقت الذي يرزح فيه أكثر من 80 بالمئة من الشعب اللبناني تحت وطأة الفقر، أصبح الأمن الغذائي مصدر قلق بالغ للكثيرين خاصة بعد الأزمة الأوكرانية وسط تحذيرات دولية أنها تؤثر على الأمن الغذائي العالمي وخاصة على الدول الأكثر هشاشة وبينها لبنان.
وساد القلق حول الأمن الغذائي في لبنان منذ أكثر من عامين، وبعد اندلاع مظاهرات أكتوبر 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انهيار العملة المحلية أمام الدولار وبسبب تداعيات فيروس كورونا /كوفيد-19/ وصولا إلى المخاوف الناتجة عن عوامل خارجية بسبب النزاع الأوكراني.
كل هذه الظروف أدت إلى ارتفاع الأسعار وعدم قدرة آلاف العائلات اللبنانية على تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، إما بسبب الغلاء الفاحش أو بسبب النقص الحاد في بعض المواد الغذائية وأبرزها الطحين والزيوت.
ويحمل اللبنانيون المسؤولين في بلادهم ضياع مدخراتهم وسط المصير الغامض لودائعهم في البنوك وتقييد السحوبات بالدولار وسط فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، وفي ظل الغلاء الفاحش للمواد الغذائية والاستهلاكية التي يتم تسعيرها تماشيا مع ارتفاع الدولار بالسوق السوداء، وبعد أن بات أغلبية اللبنانيين غير قادرين على تأمين حاجاتهم اليومية الأساسية من غذاء ودواء، وبات دخول المستشفى للطبقات والأسر الفقيرة أشبه بالحلم المستحيل.
ويؤكد مهتمون بالشأن اللبناني أنه لا سبيل للخروج من براثن الأزمة الاقتصادية في البلاد سوى من خلال تخلي الطبقة السياسية عن مصالحها الشخصية من خلال إرساء العمل الوطني لأجل كل اللبنانيين بعيدا عن المصالح الضيقة أو المصالح الشخصية.. معربين في الوقت عينه عن مخاوفهم من أن تسير الطبقة السياسية بعد الانتخابات النيابية في نفس نهج المحاصصة مما يحول دون حل الأزمة الاقتصادية والمعيشية في البلاد.
وفي هذا السياق، أكد جهاد الحكيم الخبير الاقتصادي والمالي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، على ضرورة أن تغير الطبقة السياسية نهج ممارساتها والعمل لأجل الصالح العام.. معربا عن مخاوفه من أن يستمر المسؤولون على ذات النهج مما يحول دون حل الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وأكد الحكيم أن بداية حل الأزمة الاقتصادية في لبنان تكمن في مبادرة السياسيين الى رد الأموال التي حولوها للخارج بين أعوام 2016 -2021 ، مبينا أن غالبية هذه الأموال هي من الهدر والفساد والصفقات المشبوهة.
وشدد على ضرورة عمل الدولة اللبنانية على إيجاد حل للودائع في البنوك خاصة تلك التي تعود إلى صغار المودعين وهو بداية الحل برأيه.
ولفت الى ضرورة مساءلة أصحاب النفوذ من السياسيين وكبار المصرفيين ورؤساء مجلس الإدارة وأصحاب المصارف في مسار تحويل الودائع إلى خارج لبنان، ونبه إلى أنه دون حل الودائع في البنوك لن تعود الثقة بالقطاع المصرفي، لافتا إلى ضرورة استعادة الأموال التي تم تهريبها من قبل أصحاب النفوذ الى الخارج.
ويبقى السؤال هل تغير الانتخابات النيابية في الوجوه السياسية التي أدت إلى هذا الانهيار الاقتصادي؟.. وهل يتعظ المسؤولون من أخطائهم التي أدت الى هذا الواقع المتردي في بلادهم ويعملون لأجل الصالح العام بعيدا عن مصالحهم الفئوية واستبعاد منطق المحاصصة تنفيذا لمصالحهم الخاصة؟