القرنقعوه.. من البهجة إلى البهرجة

alarab
تحقيقات 15 أبريل 2022 , 12:40ص
يوسف بوزية

المناسبة تحولت إلى فرصة للتفاخر على مواقع التواصل

د.عبد الله السادة: عادة اجتماعية.. والإسراف مخالف شرعاً

«أم ناصر»: إدخال البهجة على الأطفال وليس المنافسة الاجتماعية

أم نور: اختلاف المظاهر الاحتفالية بين الماضي والحاضر

حيدر نور الدين: طلبات خاصة بأصناف معينة والإقبال حتى عيد الفطر

أكد مواطنون أن مظاهر الإسراف والتكلف التي تميز حفلات «القرنقعوه» الحالية بما فيها التفاخر على مواقع التواصل، تغيّر جوهر الإحتفال بهذه المناسبة الشعبية التي اتسمت في الماضي بالعفوية والبساطة وتنقلها من مظاهر «البهجة» إلى «البهرجة».

وانتقدوا عبر «العرب» تحول أكياس القرنقعوه إلى ما يشبه الـ «برستيج» مع ظهور «التكلف» والمبالغة في الاستعداد للمناسبة من خلال إقامة الحفلات الخاصة وتوزيع الأنواع الفاخرة من الحلويات والمكسرات إلى جانب أصناف حديثة أخرى، كما لم يعد أطفال «الفريج» الواحد يتجمعون للخروج مع بعضهم بعضا في ليلة النصف من رمضان كما في الماضي، بل ظهرت حفلات خاصة أشبه بحفلات الاستقبال الخاصة بكل عائلة كبديل عن التجوال في الأحياء وطرق الأبواب.

ماركات أجنبية
وذكرت «أم ناصر» أن جمال إحياء ليلة النصف من رمضان يكمن في بساطتها وليس في بهرجتها من خلال المبالغة في التحضير واختيار الماركات والأصناف الأجنية من الشوكولاته والتوزيعات الفاخرة وغيرها، وأكدت أن الهدف من الاحتفال بهذه المناسبة هو إدخال البهجة والسرور على الأطفال، وليس المنافسة على مواقع التواصل، وبينت أنها تحرص كجميع الأمهات على إعداد توزيعات خاصة تتضمن الحلوى التي يحبها الصغار، والمكسرات، والألعاب البسيطة، لتوزيعها على الأطفال الذين ينتظرون الحصول عليها بلهفة كبيرة. 
أضافت أنها تجتمع مع الأهل مساء في منزل العائلة لتقديم التوزيعات والهدايا لأطفال الأسرة، مشيرة إلى أن هناك نوعاً من التكلف في مظاهر الاحتفال بدأ يظهر بين الأسر للتسابق في نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع الآخرين على الاحتفال.

اختلاف المظاهر
وأكدت «أم نور» أن هذه الليلة تحمل أجواء سعيدة يترقبها الأطفال كل عام خاصة مع تزامنها مع الأجواء الرمضانية من خلال التفاعل والمشاركة، والحفاظ على العادات والتقاليد، حيث تتناقلها الأجيال كتراث شعبي يعزز أواصر العلاقات الاسرية والاجتماعية بين الأهل والجيران وبث روح المودة والألفة والمحبة بينهم.
وأوضحت أن «ليلة القرنقعوه» من المناسبات الاجتماعية التراثية المتعارف عليها في أغلب الدول الخليجية، وإن اختلفت التسمية من منطقة إلى أخرى، حيث تختلف أجواء الاحتفال بها في كل دولة، كما اختلفت مظاهر الاحتفال بين الماضي والحاضر مع التطورات التي شهدتها الحياة المعاصرة.

الوسطية والاعتدال
من جانبه، قال فضيلة الداعية الدكتور عبد الله بن إبراهيم السادة عضو الهيئة العليا لرابطة اتحاد علماء المسلمين: إن الاحتفال بالقرنقعوه من باب العادات وليس العبادات، والهدف منه إدخال السرور على قلوب الأطفال.
وأضاف: إن الإسراف في هذا الاحتفال من أجل التباهي والتفاخر بين الأسر أمر منهي عنه دينياً، وأن بعض الأسر في السنوات الأخيرة أصبحت تبالغ في الأموال المُنفقة للاحتفال به التي وصلت إلى مبالغ كبيرة من أجل إعداد الحفل وتقديم الهدايا.
ونوّه بأن الوسطية في الإنفاق أمر أساسي في الإسلام، وأن الخروج عنها ليس من الدين في شيء، قال تعالى: «وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ للِرَبِّهِ كَفُوراً» [الإسراء: 26-27]، و»الَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً» [الفرقان:67]، 
وأشار إلى أهمية استغلال رمضان، باعتباره أيام معدودات في العبادة والصلاة، بدلاً من الانشغال لوقت كبير في احتفال القرنقعوه، خاصة في ظل قضاء عدد كبير من السيدات أوقاتاً طويلة في المحال التجارية لتجهيز ما يعرف بحفلة القرنقعوه، من شراء الأغراض وتجهيزها، كل هذا يأخذ من وقت العبادة والصلاة وقراءة القرآن في الشهر الفضيل، وهذا إسراف في الوقت في أمور لا فائدة منها مقارنة بالعبادات في هذا الشهر الذي ننتظره كل عام لما فيه من فضل في كل شيء.
ودعا د. السادة المجتمع للعودة للبساطة والابتعاد عن الإسراف، معتبراً أن توجّه البعض للتباهي يكون من باب الخوف من كلام الناس، أو المقارنات حول الأفضل في المستوى المادي، وغيره من الأفكار الدخيلة التي اجتاحت المجتمع التي من شأنها زيادة النزعة الاستهلاكية غير المبررة أو التي تفتقد للهدف.

طلبيات خاصة
من جانبهم، يؤكد أصحاب محلات تجارية التقتهم «العرب» أن الحلويات والشوكولاتة والسكاكر والمكسرات تعدّ من أهم مستلزمات الاحتفال بـ القرنقعوه في ليلة الخامس عشر من الشهر الفضيل، منوهين بوجود «طلبات خاصة» من الأمهات لتجهيز صناديق وعلب وسلال وحلويات ومكسرات. 
ورصدت «العرب» إقبال المواطنين والمقيمين على شراء مستلزمات ليلة «القرنقعوه»، إذ شهدت متاجر الحلوى والمكسرات طلبات كثيرة بالمناسبة حيث عمل التجار على توفير عدد كبير من مستلزماتها، من علب وأكياس وصناديق مزركشة غلب عليها الطابع التراثي، وحملت عبارات مثل «القرنقعوه»، «عطونا الله يعطيكم»، و»عساكم من عواده»، و»قرقيعان».

علب جاهزة
وقال نور الدين إن بعض الزبائن يُفضّلون الأكياس الجاهزة، بينما تحرص بعض الأمهات على اختيار المكونات بأنفسهن، حيث يعملن على تنسيق مجموعات من العلب والصناديق المخصصة لهذه المناسبة بأنفسهن.. وفي هذا السياق قالت أم نور إنها تحرص على اختيار مستلزمات القرنقعوه من المحلات الكثيرة في سوق واقف، وتهيئة أجواء داخلية للاحتفال في المنزل مع الأسرة وذلك بإضفاء جو تراثي موروث من العادات والتقاليد، ومن ذلك إضافة إضاءات وكماليات للزينة داخل المنازل، وتوزيع الحلويات والنقود على الأطفال لاسعادهم.

زيادة كبيرة
من جهته، قال حيدر نور الدين إن مبيعات المنتجات الخاصة بمناسبة القرنقعوه تشهد زيادة كبيرة، في ظل إقبال العديد من الأهالي على محلات سوق واقف، بمن فيهم المقيمون الذين يرتادون السوق للحصول على كل مستلزمات هذه المناسبة، وبيّن أن الإقبال على محلات سوق واقف يستمر طوال الشهر الفضيل، وحتى اليوم الأخير، استعداداً لاستقبال عيد الفطر المبارك، حيث تزدحم بالمواطنين والمقيمين العرب والأجانب.

تراث قطري
ويُعد الاحتفال بـ «القرنقعوه» جزءاً من التراث القطري والخليجي الأصيل، الذي يرتبط بشهر رمضان المبارك وتوارثته الأجيال، حيث يحرص الأطفال كل سنة على استحضاره بالطواف على البيوت «الفريج»، حاملين أكياساً صغيرة مصنوعة من القماش، ينشدون أغاني الأجداد «عطونا.. الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم». وبالرغم من تطور المجتمعات لا يزال هذا التقليد موجوداً في كل دول الخليج باختلاف المسميات وتوقيت الاحتفال، ما يساهم في تربية النشء على قيم حب الخير والتكافل، ويساهم في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية، والحفاظ على عادات وتقاليد الآباء والأجداد.

ظاهرة خليجية
يردد عادة الأطفال مقاطع خاصة بهذا الاحتفال، منها «عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم»، «عطونا حق الليله.. جدام بيتكم وادي والخير كله ينادي»، و«أعطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم لأهاليكم، يا مكة يا معمورة يا أم السلاسل والذهب يا نورة».
ويعد الاحتفال بليلة القرنقعوه أحد أبرز الطقوس الرمضانية التي ما زال أهل قطر يحرصون على ممارستها، وفيه يرتدي الأطفال الملابس التقليدية، ويجوبون بعد صلاة العشاء «الفرجان» قاصدين البيوت التي يكافئهم أصحابها بتقديم الحلوى والمكسرات، مرددين أثناء تجوالهم «قرنقعوه قرنقعوه.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.. يا مكة يالمعمورة.. يا أم السلاسل والذهب يا نورة.. عطونا تحبة ميزان.. سلم لكم عزيزان.. يا بنية يالحبابة.. أبوك مشرع بابه.. باب الكرم ما صكه ولا حطله بوابة».
وكذلك يعد الاحتفال بليلة النصف من شهر رمضان من أبرز طقوس سلطنة عمان الرمضانية، تحت عنوان «قرنقشوه» وفيه كذلك يرتدي الأطفال الملابس التقليدية ويجوبون بعد صلاة العشاء «الفرجان»، مرددين أثناء تجوالهم طالبين الحلوى وغيرها «قرنقشوه قرنقشوه.. أعطونا شي حلواه»، أو «قرنقشوه يو ناس.. عطونا بيسه وحلوى.. دوس دوس في المندوس.. حارة حارة في السحارة». وفي حال لم يحصل الأطفال على «القرنقشوه»، يرددون «قدام بيتكم صينية.. ورا بيتكم جنية».