

شدد محللون وخبراء سياسيون أردنيون على أن القمة العربية الإسلامية الطارئة، المقررة في الدوحة بعد غد، الاثنين، تمثل محطة مفصلية في تاريخ العمل العربي المشترك، في ظل الاعتداء الإسرائيلي الأخير على السيادة القطرية، وما يحمله من دلالات تتجاوز استهداف دولة بعينها إلى تهديد منظومة الأمن الإقليمي برمتها.
وأكدوا في تصريحات لوكالة الأنباء القطرية قنا أن انعقاد القمة في العاصمة القطرية يحمل رمزية خاصة، باعتبار أن الدوحة لعبت دورا محوريا في جهود الوساطة واحتواء الأزمات، وهو ما جعل استهدافها محاولة مكشوفة لإضعاف أي دور عربي مستقل قادر على إعادة التوازن لمعادلة الصراع في المنطقة.
كما شددوا على أن هذه القمة تمثل نقطة انعطاف استراتيجية في تاريخ العمل العربي المشترك، حيث تتقاطع فيها مؤشرات التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق مع رغبة عربية صاعدة في استعادة زمام المبادرة، وصياغة معادلة توازن جديدة في الإقليم.
وفي هذا الصدد، رأى عمر العياصرة، عضو مجلس الأعيان الأردني، أن القمة العربية تمثل لحظة اختبار تاريخية تستوجب انتقال العرب من دائرة الخطابات التقليدية إلى ميدان الفعل المنظم والتخطيط الاستراتيجي.
وأوضح العياصرة، في تصريح لـ قنا أن العالم العربي يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، حيث تتقاطع التهديدات الإسرائيلية مع حالة "السيولة الجيوسياسية" التي تشهدها المنطقة، الأمر الذي يفرض تجاوز الاجتماعات الشكلية والبيانات الختامية المألوفة نحو خطوات عملية وفاعلة، ويشير إلى أن هذه القمة تختلف عن سابقاتها، ليس فقط في المضمون، بل في درجة الشعور العربي العام بالخطر، حيث تشعر كل العواصم، ولأول مرة منذ عقود، بأنها مهددة بصورة مباشرة، بعد أن أصبح المشروع الإسرائيلي التوسعي لا يهدد حدود فلسطين فحسب، بل بات يتمدد عبر المنطقة.
وشدد عضو مجلس الأعيان الأردني على أن العرب لا يحتاجون إلى قمم للمجاملات السياسية أو تبادل عبارات التضامن، بل هم بحاجة إلى قمة تُنتج خريطة طريق واضحة المعالم، تحدد الأهداف بدقة، وترسم الأدوات والآليات، وتضمن تحركاً منسقاً نحو مراكز القرار العالمي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بهدف وضع حد للطغيان الإسرائيلي الذي يستمد قوته من الصمت الدولي والانقسام العربي.
ويؤكد العياصرة أن جميع ما يجري ليس شأنا فلسطينيا داخليا، بل تهديدا لجوهر استقرار المنطقة، مشددا على أن المطلوب لم يعد فقط دعم صمود الشعب الفلسطيني، وإنما وضع حد للتفرد الإسرائيلي بالمشهد الإقليمي، خاصة بعد أن كشف السلوك الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر عن منطق جديد يقوم على القوة العارية، والتوسع بلا ضوابط، وكأن هناك قرارا استراتيجيا بإعادة رسم الجغرافيا السياسية بالقوة.
أما فيما يخص الدور القطري، فقد أكد عمر العياصرة أن قطر لعبت دورا محوريا لا يمكن تجاهله في مختلف مراحل الصراع، وكان لها الفضل في توفير منصات للوساطة، وخلق قنوات تواصل حين أغلقت معظم الأبواب أمام المقاومة الفلسطينية، مشيرا إلى أن قطر كانت وما تزال لاعبا إقليميا فاعلا، لعبت دور الوسيط النزيه في ملف طالبان، وملفات حساسة أخرى في إفريقيا، وفي الحالة الفلسطينية، كانت الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تحاور الأطراف كافة.
ويضيف: "الحملة الإسرائيلية الأخيرة على الدوحة لم تكن عبثية، بل كانت محاولة مقصودة لكسر هذا الدور، ولضرب صورة قطر كوسيط شرعي في الميدان. فإسرائيل لا تريد وسطاء مستقلين، بل تريد أدوات ضغط. وقطر لم تكن أداة، بل كانت صوت العقل، والنافذة التي يمكن الحديث من خلالها إلى المقاومة، ولهذا استهدفها الكيان الإسرائيلي سياسيا وإعلاميا".
ورأى العياصرة أن ما يخشاه الكيان الإسرائيلي اليوم ليس فقط المقاومة في غزة، بل الفراغ السياسي الذي بدأ العرب يحاولون ملأه من جديد، وهذا ما يقلق نتنياهو ويحرك آلة التحريض ضد أي محاولة عربية لاستعادة زمام المبادرة.
كما أكد عضو مجلس الأعيان الأردني أن الدعم القطري للقضية الفلسطينية لم يكن يوما ظرفيا أو موسميا، بل كان استراتيجيا ومتماسكا، وأن التاريخ سيذكر أن الدوحة، رغم بعدها الجغرافي عن فلسطين، كانت أكثر قربا من القضية من كثير من الدول المجاورة.
وشدد العياصرة في ختام تصريحه لـ قنا، أن المرحلة المقبلة تتطلب احترام الأدوار لا مصادرتها، وتكامل الجهود لا التنافس عليها، لأن ما هو قادم أخطر بكثير مما مضى، والفرصة الآن مواتية إن وجد القرار، وإن توفرت الرؤية، وإن تراجعت الحسابات الضيقة لصالح المصلحة العربية الكبرى.
من جانبه أكد الدكتور جمال الشلبي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية، ومدير مجموعة العلاقات الدولية في كلية الدفاع الوطني الملكية بالأردن، أن العدوان الإسرائيلي الأخير الذي طال السيادة القطرية يشكل تحولا خطيرا في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، ويمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، وللأعراف الدبلوماسية والإنسانية المعمول بها في العلاقات الدولية.
وقال الشلبي في تصريح لـ قنا، إن هذا الهجوم لا يمكن اعتباره مجرد حادث معزول أو موجه ضد دولة واحدة، بل هو استهداف مباشر لدولة ذات ثقل دبلوماسي متنام في المنطقة، وتحظى بمكانة دولية كبيرة ناتجة عن علاقاتها المتينة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والعالم العربي والإسلامي.
وأضاف أن قطر، ومنذ سنوات، رسخت مكانتها كدولة وسيطة في عدد من النزاعات الإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ولعبت أدوارا محورية في التهدئة، والتفاوض، وتقديم المساعدات، بما في ذلك جهودها في الإفراج عن رهائن من الجانبين، وهو ما منحها مكانة دولية واحتراما واسعا.
وأوضح الشلبي أن الاعتداء الأخير يتجاوز في دلالاته قطر كدولة، ليطال منظومة الأمن الإقليمي الخليجي برمته، ويكشف عن رغبة لدى الكيان الإسرائيلي في كبح أي دور عربي فاعل يسهم في التوازن الإقليمي أو يقارب الملف الفلسطيني من زاوية حقوقية وإنسانية عادلة.
وأضاف: "ما حدث هو رسالة لكل الدول التي تمتلك نوايا حسنة لصناعة نظام عالمي أكثر عدالة واستقرارا، ومفادها أن الاقتراب من الحق الفلسطيني أو دعم الحل السياسي المتوازن قد يقابل بعدوان مباشر".
وتحدث الشلبي عن أهمية القمة العربية الإسلامية المرتقبة، مؤكدا أنها تمثل لحظة تاريخية نادرة من التوحد العربي والإسلامي، وتعكس حجم التضامن والدعم الذي تحظى به قطر في وجه هذا العدوان، مشيرا إلى أن انعقاد القمة بهذا التمثيل الواسع – من 22 دولة عربية و37 دولة إسلامية يعطي رسالة واضحة بأن قطر لن تترك وحدها، وأن هناك موقفا موحدا يدين الانتهاك الإسرائيلي، ويطالب بمحاسبة مرتكبيه.
وأضاف: "هذه القمة لا تهدف فقط إلى إدانة ما جرى، بل إلى تأكيد وحدة الصف، وإعادة تموضع القضية الفلسطينية في قلب العمل العربي الإسلامي المشترك، وخلق آلية دبلوماسية ترفع القضية إلى المحافل الدولية، سواء عبر الأمم المتحدة أو غيرها من المنصات القانونية والدولية، لإفهام العالم – وتحديدا إسرائيل – أن المساس بأي دولة عربية ذات سيادة، وخاصة تلك التي تكرس جهدها لصناعة السلام، لن يمر دون تبعات".
وشدد الشلبي على أن موقف قطر الداعم للحق الفلسطيني، وتاريخها في دعم القضية ومساندة الشعب الفلسطيني، لم يكن محل ترحيب لدى إسرائيل، التي طالما نظرت إلى الموقف القطري على أنه منحاز للحقوق الفلسطينية.
وأضاف: "قطر لم تكن محايدة، بل اتخذت موقفا أخلاقيا وإنسانيا وسياسيا منحازا للعدالة، وهذا ما دفع إسرائيل، على ما يبدو، إلى التصرف بعدوانية تجاه الدوحة، معتبرا أن هذا الاستهداف يعكس ضيقا إسرائيليا من الدور القطري المتصاعد في الإقليم، ويكشف في الوقت نفسه عن فشل في قراءة التحولات الجديدة في ميزان العلاقات الدولية.
وتابع: "ما حدث في قطر لم يضعفها، بل عزز من موقعها كدولة يحتذى بها في الدبلوماسية، ورفع من رصيدها في الشارع العربي والإسلامي والدولي، لقد أصبحت قطر اليوم نموذجا للدولة التي تجمع بين المبادئ والمصالح، وتنجح في المواءمة بين دورها الإقليمي وعلاقاتها الدولية".
وختم الدكتور الشلبي حديثه بالتأكيد على أن هذا الهجوم، رغم قسوته، يشكل شهادة حق في تاريخ قطر، ويؤكد أنها تسير في الاتجاه الصحيح بدعمها للحق الفلسطيني وتمسكها بمبادئها.
ومن جانبها ترى الدكتورة نهلة المومني الخبيرة الأردنية في حقوق الانسان والقانون الدولي، أن القمة المرتقبة تحمل أبعادا سياسية وقانونية بالغة الأهمية، سواء على صعيد توحيد الموقف العربي، أو على مستوى إعادة تفعيل أدوات القانون الدولي في وجه الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما بعد الاعتداء الأخير الذي وصفته بـ"العدوان الغادر الذي يمثل خرقا صريحا لسيادة دولة قطر ويعد انتهاكا واضحا لأحكام القانون الدولي".
وبحسب المومني، يتوقع أن تتناول القمة ملامح تحرك عربي قانوني موحد، هدفه إدانة العدوان الإسرائيلي الأخير على قطر، وتحديد أوجه انتهاك القانون الدولي الإنساني، تمهيدا لوضع الأسس القانونية اللازمة لاعتبار ما أقدمت عليه إسرائيل جريمة عدوان مكتملة الأركان، وفق ما ينص عليه نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وتضيف: "ما ننتظره من هذه القمة هو الانتقال من التنديد إلى التفعيل القانوني الحقيقي، وتحريك دعوى دولية لمساءلة قادة الاحتلال عن هذا الاعتداء غير المشروع، الذي يمثل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية وانتهاكا لمبدأ سيادة الدول".
كما تشير إلى أن من المؤمل أن تضع القمة القضية الفلسطينية في قلب نقاشاتها، عبر التأكيد على مخرجات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، وضرورة تنفيذ خطوات لا رجعة فيها نحو إقامة دولة فلسطينية مستقلة، مشددة على أهمية البناء على إعلان نيويورك الذي وثق الجرائم الصهيونية المرتكبة في غزة، بما في ذلك الإبادة الجماعية، والتجويع الممنهج للسكان المدنيين.
وتضيف أن الإعلان الأممي الأخير سلط الضوء على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، وأن القمة المقبلة مدعوة لأن تترجم هذه الإدانة الدولية إلى تحرك سياسي ودبلوماسي عربي أكثر تأثيرا، وأكثر قدرة على فرض المحاسبة.
وفي سياق متصل، توقعت المومني أن تشيد القمة المرتقبة بالدور الحيوي الذي تقوم به دولة قطر في الوساطة الإقليمية، لا سيما في ما يتعلق بمحاولات وقف العدوان على قطاع غزة.
وقالت إن "الجهود القطرية المستمرة تعد محورية في أي حل سياسي عادل وشامل، وقد لعبت دورا مسؤولا وفعالا في جميع مراحل التهدئة".
وترى المومني أن استهداف قطر لا يمكن فصله عن دورها في ملف غزة، معتبرة أن الاحتلال يسعى إلى إضعاف أي قوة عربية فاعلة في دعم الشعب الفلسطيني أو في قيادة جهود الوساطة.
وفي السياق ذاته، تؤكد نهلة المومني على أهمية الدور الذي تلعبه دولة قطر في المشهد الإقليمي، ليس فقط باعتبارها طرفا معتدى عليه، بل بصفتها وسيطا فاعلا ومحوريا في جهود إنهاء العدوان على قطاع غزة، وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
وتشير إلى أن الوساطة القطرية لطالما تميزت بالاتزان والفعالية، مع قدرة واضحة على التواصل مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية والجهات الدولية المؤثرة، لافتة إلى أن الاستهداف الإسرائيلي لدولة قطر لا يمكن فصله عن نجاحها المتكرر في إدارة ملفات الوساطة الإنسانية والسياسية، وهو ما دفع الاحتلال إلى محاولة تقييد هذا الدور وتعطيل تأثيره في أي مسار تفاوضي قادم.
وتقول المومني "إن الوساطة القطرية لم تكن يوما دورا هامشيا، بل كانت عنصرا مركزيا في محاولة احتواء التصعيد وحماية المدنيين، وخاصة في قطاع غزة. كما لعبت الدوحة دورا بالغ الأهمية في تسهيل إدخال المساعدات، وتوفير خطوط تواصل مع القوى الدولية، وهي جهود لا بد أن تثمن من قبل القمة العربية الإسلامية المنتظر".
وتوقعت أن تخرج القمة برسائل دعم صريحة لدور قطر، ليس فقط تضامنا معها في وجه العدوان، بل اعترافا بدورها الحيوي كدولة عربية تقود جهود الوساطة بفاعلية ومسؤولية، وتسهم في حفظ الأمن الإقليمي والدولي، بعدما أثبتت قطر مرة بعد أخرى أنها دولة كبرى في مواقفها، ومؤثرة في دوائر القرار الإقليمي والدولي، مشددة على أن القمة المقبلة ليست فقط منصة للتضامن مع الدوحة، بل فرصة لإعادة تعريف موازين القوى في المنطقة، وتصحيح مسار العمل العربي المشترك.
وتؤكد المومني، في الختام، أن القيادة القطرية رغم قوة التحديات، تظل نموذجا في الثبات على المبادئ، والتوازن في العلاقات، والالتزام بالقضايا العادلة، وهو ما أكسبها احتراما دوليا قل نظيره، ورسخ دورها كأيقونة دبلوماسية عربية في زمن التصدعات.