تهيئة النفس لاستقبال الشهر الفضيل بالصيام وحلقات تلاوة القرآن في المساجد
زيارة الأقارب والجيران قبل شهر رمضان للتصالح والصفح وتصفية القلوب
المصابون بأمراض مزمنة يحرصون على مراجعة الأطباء قبل الشهر الفضيل
استخدام التكنولوجيا الحديثة لتوعية الناس بأحكام الصيام ولجمع التبرعات للفقراء
سريلانكا، «لؤلؤة المحيط الهندي»، تحتضن جمال الطبيعة الخلابة، وتتضمن شواطئ وغابات استوائية وجبال. وهي تلك البلاد الآسيوية الغنية بتراثها الثقافي والتاريخي. يستقبل المسلمون في سريلانكا شهر رمضان الفضيل بتجربة غنية تجمع بين الروحانيات والتقاليد الثقافية والتكافل الاجتماعي. وبالرغم من أن نسبتهم تتراوح بين 9 إلى 10% من السكان، إلا أنهم يتمتعون بتراث ثقافي وديني غني تتجلى ملامحه في الشهر الفضيل، خاصة المسلمين من أصول الملايو والتاميل، الذين يُعتبرون جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع السريلانكي.
يدرك السريلانكيون المسلمون أن الهدف الأساسي من شهر رمضان هو تعزيز العبادات والتقرب إلى الله عز وجل، لذا يبدؤون الاستعداد الروحي قبل حلول الشهر الفضيل بفترة، ويحرصون على التوبة من الذنوب والمعاصي، والإكثار من الاستغفار، وتصحيح النية لاستقبال الشهر بقلب سليم.
وفي الأسابيع السابقة لرمضان، يزيد المسلمون من الصلاة وتلاوة القرآن والأدعية، لتهيئة النفس للشهر الفضيل، بالإضافة إلى تنظيم حلقات تلاوة القرآن في المساجد والمراكز الإسلامية.
وخلال شهر شعبان، يحرص البعض على صيام أيام تطوعية، مثل يومي الإثنين والخميس أو أيام البيض (13، 14، 15 من الشهر الهجري)، لتدريب الجسم والنفس على الصيام. كما تُعقد محاضرات ودروس دينية في المساجد والمراكز الإسلامية لتذكير الناس بفضل رمضان وأحكام الصيام وأهمية العبادات في الشهر. ويضع الكثيرون خطة روحية لرمضان، مثل ختم القرآن مرة أو أكثر، والإكثار من الصدقات، أو تخصيص وقت يومي للدعاء والتأمل.
التصالح والصفح
ويُعتبر تنظيف المنازل وتزيينها من أبرز العادات الاجتماعية مع حلول الشهر الفضيل، كما يشارك المسلمون في تنظيف المساجد وتجهيزها لاستقبال المصلين خلال صلاة التراويح والفعاليات الدينية الأخرى. ولإضفاء أجواء احتفالية وروحانية، يحرص الأفراد على تزيين الشوارع والأسواق في المناطق ذات الكثافة المسلمة، مثل كولومبو وكاندي وغالي، بالفوانيس واللافتات والزينة الرمضانية. ومن العادات الاجتماعية أيضًا الزيارات بين الأقارب والجيران قبل شهر رمضان بهدف التصالح والصفح وتصفية القلوب وتعزيز العلاقات.
وتستعد الجالية المسلمة في سريلانكا لإقامة موائد إفطار جماعية في المساجد أو الأماكن العامة، حيث يتم جمع التبرعات لتوفير الطعام والمال لتحقيق ذلك، كما تنظم الجمعيات الخيرية والمنظمات الإسلامية حملات لتوزيع المساعدات على الفقراء والمحتاجين. وقبل بدء الشهر الفضيل، يقوم الأفراد بشراء المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والدقيق والتمر والزيوت والتوابل، لتأمين احتياجات الشهر. ويحرصون على شراء المواد الأساسية بكميات كافية بسبب ارتفاع الأسعار ونقص الإمدادات. كما تجهز العائلات مطابخها لتحضير وجبات الإفطار والسحور، مع التركيز على الأطباق التقليدية مثل الكانجي (حساء الأرز) والواطالابان (حلوى جوز الهند).
ويعمل الكثيرون على تعديل مواعيد عملهم خلال الشهر لتتناسب مع مواعيد الصيام والصلاة، ويعمل البعض الآخر على تقليل ساعات العمل أو أخذ إجازات خلال الأيام الأولى من رمضان للتأقلم مع الصيام. ومن الأمور البارزة التي يتبعها المسلمون في سريلانكا، حرص المصابين بأمراض مزمنة (مثل السكري أو ارتفاع ضغط الدم) على مراجعة الأطباء لتعديل جرعات الأدوية أو الحصول على نصائح طبية للصيام بأمان. كما يحرص البعض، قبل رمضان، على تناول وجبات صحية غنية بالبروتينات والألياف والسوائل لتخزين الطاقة وتحسين اللياقة البدنية.
ويستغل السريلانكيون التكنولوجيا خلال الشهر الفضيل لتسهيل متابعة العبادات، حيث ينتشر تنزيل تطبيقات مثل «مواقيت الصلاة»، و»القرآن الكريم»، وتطبيقات الأدعية. وتنظم الجمعيات الإسلامية محاضرات ودروسًا دينية عبر الإنترنت، لتوعية الناس بأحكام رمضان، كما تُطلق المنظمات الخيرية حملات تبرعات عبر الإنترنت لجمع الأموال والمساعدات لتوزيعها على الفقراء خلال الشهر.
التعايش الديني
تتميز سريلانكا بالتعايش الديني بين أفرادها، لذا يحرص المسلمون على مشاركة أفراد الطوائف الأخرى في بعض الاستعدادات، مثل دعوتهم إلى موائد الإفطار أو مشاركتهم في الأنشطة الخيرية، لتعزيز روح الوحدة والتسامح.
والمسلمون من أصول الملايو والتاميل في سريلانكا لديهم استعدادات مميزة تضفي لمسات ثقافية خاصة، مثل تحضير الأطباق التقليدية مثل (الواطالابان) وزينة الملايو التقليدية.
والتكافل الاجتماعي من أبرز القيم الإنسانية، حيث تنظم الجمعيات الخيرية حملات لتوزيع الملابس والأموال والمواد الغذائية على الأسر الفقيرة.
ويحرص المسلمون على زيارة المرضى والمسنين، لتقديم الدعم المعنوي والمادي، مما يعكس القيم الإنسانية للشهر الفضيل. وتزداد الأنشطة التطوعية، ويشارك الشباب في تنظيم موائد الإفطار، وتوزيع المساعدات، وتنظيف المساجد والأماكن العامة.
وبصفة عامة، يحرص المسلمون في هذا البلد الآسيوي المميز على أداء الصلوات بانتظام، مع إقبال كبير على صلاة التراويح في المساجد خلال ليالي رمضان.
وتنظم المراكز الإسلامية حلقات تلاوة القرآن الكريم لختم القرآن خلال الشهر. كما يعتكف الكثيرون في العشر الأواخر من رمضان، خاصة في المناطق ذات الكثافة المسلمة.
أما الزكاة والصدقات، فيحرصون على تأديتها وإخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، بالإضافة إلى توزيع الصدقات والمساعدات على الفقراء والمحتاجين. وفي ليلة القدر، يقضي المسلمون الليل في العبادة والدعاء والتضرع إلى الله.
الإفطار والسحور
يُعد رمضان فرصة لتعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية، حيث تجتمع العائلات يوميًا على مائدة الإفطار، وتتبادل الزيارات فيما بينها، خاصة في المناطق ذات الغالبية المسلمة.
وتتأثر المأكولات الرمضانية في سريلانكا بالتراث المحلي والثقافات المتنوعة للجالية المسلمة، خاصة المسلمين من أصول الملايو والتاميل. ويبدأ الإفطار بالتمر والماء، تطبيقًا للسنة النبوية الشريفة.
ومن الأطباق الرئيسية في الإفطار الكانجي، وهو حساء الأرز المغذي، ويُحضر الكانجي بإضافة الأرز وجوز الهند والتوابل، وأحيانًا اللحم أو الدجاج. بالإضافة إلى الساموسا المحشوة باللحم أو الخضروات، تزين المائدة المقبلات الشعبية والفطائر المحلية مثل «روتي» و«بيتيس».
ومن أنواع الحلويات الشهيرة «الواطالابان»، وتُحضر من حليب جوز الهند والسكر والبيض والتوابل مثل الهيل والقرنفل.
وتُعتبر رمزًا للتراث الرمضاني للمسلمين من أصول الملايو. وطبق الكاري (الدجاج، اللحم، أو السمك) يُقدم مع الأرز أو الخبز المحلي مثل «باروتا» أو «نان».
أما وجبة السحور، فهي تحتوي على الخبز (مثل الروتي أو الباروتا) مع الكاري لتوفير الطاقة خلال اليوم، ويُعتبر الكانجي أيضًا خيارًا شائعًا في السحور لأنه سهل الهضم ويحتوي على السوائل والعناصر الغذائية.
كما يُفضل البعض تناول التمر مع اللبن أو الحليب كوجبة خفيفة ومغذية، بالإضافة إلى الفواكه المحلية مثل الموز والمانجو، إلى جانب المكسرات، لتوفير الطاقة والترطيب.