في مستشفى «شهداء الأقصى» بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، يقف طبيب الأطفال الفلسطيني خالد السعيدني شاهدا على معاناة القطاع، مثقلا بجراحه الجسدية والنفسية، لكنه يواصل أداء رسالته الإنسانية بإصرار استثنائي، متحديا فقدانه لقدمه اليمنى جراء الإبادة الإسرائيلية على القطاع.
في قسم الأطفال، حيث يمتزج أنين المرضى بآهات الحصار، يبرز الطبيب الخمسيني بهدوء ملامحه، رمزا للصمود، أمضى من حياته عقودا في رعاية المرضى، متحملا آثار الحصار وقسوة الواقع اليومي.
طبيب الأطفال، كغيره من أبناء شعبه، يواجه ويلات النزوح والقصف ونقص الماء والطعام، وإصابته التي تعرض لها في مخيم البريج قبل أشهر فاقمت معاناته، خاصة مع غياب الرعاية الطبية اللازمة.
وفي ظل حاجته إلى عمليات جراحية معقدة، إلا أن الحصار المفروض على قطاع غزة يحول دون إجرائها.
ويقول السعيدني بابتسامة لا تخفي حجم المعاناة: «عند بتر قدمي شعرت للحظة أن حياتي توقفت، لكن سرعان ما أدركت أن هؤلاء الأطفال بحاجة إلي، قسم الأطفال أصبح بيتي الثاني، وواجبي تجاههم لا يمكن التخلي عنه».
ورغم تركيب طرف صناعي مؤقت، يواجه الطبيب صعوبات يومية متعددة، أبرزها ثقل الطرف وعدم ملاءمته لجسده، ما يجعل حركته مرهقة، كما يعاني من نقص حاد في الطعام والمياه والعلاج اللازم لحالته.
ويضيف: «الطرف الصناعي ثقيل وغير مريح، لكنه أفضل من الكرسي المتحرك، الآن أستطيع التحرك بحرية نسبية، وهذا يمنحني القدرة على مواصلة عملي».
إلى جانب إصابته، يعاني السعيدني من مضاعفات مرض السكري، ما يزيد من تحدياته الصحية لكنه يجد عزاءه في ضحكات الأطفال الذين يعالجهم، وهو يقول بابتسامة مليئة بالأمل: «عندما أرى الأطفال يبتسمون بعد العلاج، أنسى آلامي هذا ما يدفعني للاستمرار».
وتدخل إلى غزة حاليا مستلزمات طبية ومساعدات دولية «محدودة جدا» تمر عبر إسرائيل، ولا تكفي حاجة سكان القطاع الذين يعانون أوضاعا إنسانية وصحية كارثية.
لكن خلف تلك القوة، يختبئ احتياج ملح إلى مساعدة، فالطبيب بحاجة إلى عمليات جراحية معقدة وطرف صناعي دائم غير متوفر في القطاع المحاصر كما يعاني من نقص العلاج الخاص به والنزوح.
ومع الإبادة الإسرائيلية نزح أكثر من 2 مليون فلسطيني من منازلهم، يعيشون حاليا في ظروف غير إنسانية، وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة مؤخرا.
ويتمنى الطبيب بتوقف الحرب والسفر إلى الخارج للحصول على العلاج الذي يمكنه من استعادة جزء من حياته الطبيعية.
وعلى مدار الأشهر الماضية، أجبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين قسرا على مغادرة منازلهم نحو مناطق يزعم أنها «إنسانية»، ومع ذلك يستهدفها بالقصف وبارتكاب مجازر.