ما يتردد عن تآمر دول المنطقة على الثورات العربية نغمة مرفوضة وغير واقعية

alarab
حوارات 13 يوليو 2011 , 12:00ص
القاهرة - محمد شعبان الشرقاوي
أكد الدكتور عمر الحسن رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، أن ما يتردد عن شن دول مجلس التعاون الخليجي لثورة مضادة للثورات العربية، خصوصا الثورة المصرية، نغمة مرفوضة وغير واقعية. موضحا أن دول الخليج لا تتآمر على مصر، بل تقف بجانبها قلبا وقالبا، وخير دليل على ذلك تقديم السعودية وقطر نحو 14 مليار دولار في شكل منح وقروض ميسرة ومشروعات مشتركة لدعم الاقتصاد المصري المتعثر خلال مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير. واعتبر د.عمر الحسن -في حوار شامل مع «العرب» بالقاهرة- أن الضامن الوحيد لاستقرار دول مجلس التعاون الخليجي على المدى البعيد يكمن في الاستجابة لمطالب التغيير والاستمرار في تبني إصلاحات متواصلة لخدمة تطلعات شعوبها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واصفا الحراك السياسي الذي شهدته بعض دول المجلس بأنه «مجرد إرهاصات محدودة» ربما يكون نابعا من بطء مسيرة الإصلاحات السياسية. وأكد أن ما حدث في البحرين أكبر من مجرد معارضة ومطالب مدنية مشروعة، وقال: «ما يجري في جانب منه فوضى إقليمية، وفي غبار هذه الفوضى هناك من يريد أن يفرض وقائع جديدة على الأرض، تغير معادلات القوة في الإقليم». وبشأن دور قطر الإقليمي، قال رئيس مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية: إن الدبلوماسية القطرية ترتكز في تحركاتها على المستوى الإقليمي على ما تحظى به من إمكانات اقتصادية وسياسية نجحت في توظيفها على صعيد سياستها الخارجية، مشيرا إلى أن قطر لعبت دورا كبيرا في تنشيط العمل العربي المشترك ولا تترك فرصة للوساطة لحل المشكلات العربية المستعصية، كما دشنت مشاريع استثمارية كبرى في الدول العربية حتى تلك التي قد تدخل معها في خلافات سياسية، وهذا يبين مدى البعد العروبي للسياسة القطرية. وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه مجلس التعاون الخليجي بعد مرور 30 عاما على تأسيسه، دعا الحسن إلى تحديث المجلس أو إعادة هيكلته والتأسيس لدبلوماسية خليجية موحدة تسمح بتمايز أدوار دوله، بما يجعله يتحول في مواقفه وتحركاته على المستوى الخارجي من مستوى «رد الفعل» إلى مستوى «الفعل». واصفا فترة تولي الأمين العام السابق القطري عبدالرحمن العطية بـ «المفصلية» في تاريخ المجلس. ورأى أن البرنامج النووي الإيراني يعد أحد أخطر التحديات التي تواجه المنطقة الخليجية، نظرا لربطه بتزايد نفوذها وتغلغلها في عدد من دول المنطقة، خاصة في أعقاب الكشف عن شبكات التجسس الإيرانية في الآونة الأخيرة، فضلا عن مساعيها لإثارة الفتن والنزاعات الطائفية بالمنطقة. وأكد أن لجوء البحرين إلى الاستعانة بقوات درع الجزيرة الخليجية يستند على مبررات قانونية وسياسية، وجاء بناء على طلب منها يدعمه النظام الأساسي لمجلس التعاون بعد ظهور مؤشرات على وجود دور خارجي في الأحداث التي شهدتها المملكة تمارسه قوى إقليمية مرتبطة بقوى المعارضة في الداخل. مطالبا بزيادة أعداد قوات درع الجزيرة، على أن تكون قوة تدخل سريع مع تعزيزها وتطوير قدراتها التسليحية والقتالية والتعبوية لتصبح قوة عسكرية ضاربة أكثر قدرة على ردع التهديدات الإقليمية وإحباط أي مؤامرات أو خطط لإثارة الفتن والقلاقل في أي من دول المجلس. ورأى الحسن أن الصعود الشيعي في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، خلق مصادر قلق لدول مجلس التعاون الخليجي التي تتمتع بوجود شيعي، منبها إلى أن إيران تسعى إلى حشد أكبر نسبة من شيعة المنطقة تحت لوائها من خلال مشروع «الهلال الشيعي» الذي يضم شيعة الخليج والعراق وسوريا ولبنان. وإلى نص الحوار..  يعتبر عام 2011 هو عام التحولات الكبرى في العالم العربي، وقد وصلت بعض آثار الثورات العربية إلى منطقة الخليج، إما بصفة مباشرة وإما غير مباشرة، لكنها استطاعت أن تصمد حتى الآن.. فهل يعني ذلك أن منطقة الخليج ستظل معصومة وفي منأى عن الثورات العربية الشعبية التي انطلقت من تونس واجتاحت مصر وتدور رحاها حاليا في ليبيا واليمن وسوريا؟ - رغم أهمية الخطوات التي قطعتها دول الخليج ككل على طريق الإصلاح السياسي والديمقراطي، خاصة في السنوات القليلة الماضية، والتي أخذت معظمها بمبدأ الانتخاب المباشر في تشكيل المجالس النيابية، وأعطت المرأة حقوقها السياسية في الانتخاب والترشح وغير ذلك بالتوازي مع بعض الإجراءات في مجال تعزيز أوضاع حقوق الإنسان. فإن المأمول أكثر من ذلك، ولا سيما في ظل ما شهدته المنطقة خلال الآونة الأخيرة من حالة حراك سياسي واقتصادي. وإذا كان صحيحا أن ما حدث في تونس ومصر يندرج في إطار المعنى الدقيق لمفهوم الثورة، فإن الصحيح أيضا أن ما شهدته بعض دول مجلس التعاون الخليجي من احتجاجات من جانب فئات محدودة فيها، لا يمكن وصفه إلا بأنه مجرد إرهاصات محدودة، خاصة في ضوء تباين ظروف دول مجلس التعاون الخليجي عن غيرها من الدول العربية الأخرى، ووصول دول المجلس إلى مرحلة من النضج الاقتصادي مكنت مواطنيها من التمتع بمستوى معيشي مرتفع، قد لا يتوافر لغيرهم من مواطني الدول العربية الأخرى، ويرتبط بالملاحظة السابقة أن التفسير الأرجح لما تشهده الدول الخليجية من حركات احتجاجية ربما يكون نابعا من بطء مسيرة الإصلاحات السياسية في تلك الدول.  ما المطلوب من الأنظمة الخليجية لتفادي اندلاع ثورات شعبية على غرار ثورات «الربيع العربي»؟ - في ظل رغبة هذه الأنظمة الخليجية في البقاء والاستمرار، عليها أن تقوم بالاستجابة لمطالب التغيير من خلال الإصلاح، وعليها أن تعلم أن الإصلاح لا يشكل تهديدا لاستقرارها، بل إن الضامن الوحيد لاستقرارها على المدى البعيد هو الاستمرار في تبني إصلاحات متواصلة، وذلك لخدمة تطلعات شعوبها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.  هل ما حدث في البحرين انتفاضة شعبية استلهمت الثورات الشعبية العربية وتم قمعها بالقوة بمساعدة قوات درع الجزيرة، كما تروج لذلك إيران وأوساط بحرينية معارضة وبعض الأوساط الدبلوماسية والإعلامية الغربية؟ - إن ما حدث في طول الوطن العربي من ثورات واضطرابات، جاء من تراكم مشاكل أهملتها الحكومات، ولم تدرك أنها ستصبح وسيلة انفجار، غير أن الأمر في البحرين يحمل الكثير من أوجه الاختلاف، فالتشكيك فيما حققته البحرين من تغيير خلال العقد الأخير «تعصب سياسي» لا يستهدف الصالح العام، بل يستهدف التشويش على التجربة التي تخوضها المملكة دون ضغوط خارجية، وليس أدل من ذلك وصف منظمة «العفو الدولية» فترة حكم الملك حمد بأنها «فترة تاريخية لحقوق الإنسان»، فقد قاد المملكة إلى حالة من النشاط المتجدد في الحياة المدنية والسياسية، فقد أصبحت بها الآن انتخابات تشريعية نزيهة، ومجتمع مدني نشط، وإعلام أكثر تنوعا، وفرص أكبر للمرأة، ونشاط مرموق على الساحة الدولية، وترسخت العلاقات بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية، وعاد الكثير من المعارضين من المنفى الطوعي، من بينهم مجيد العلوي وزير العمل، ومنصور الجمري رئيس التحرير السابق لجريدة «الوسط» المعارضة وغيرهما. كما احتلت البحرين وضعا اقتصاديا مغايرا لتلك الدول، فهي حققت مستويات عالية في مجال التنمية البشرية، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها بسبب محدودية مواردها الطبيعية وصغر مساحتها والزيادة السكانية التي جعلت منها واحدة من أعلى الكثافات السكانية في العالم. لكن مع كل ما سبق، لا يستطيع أحد أن يدعي وصول التطور الديمقراطي في مملكة البحرين إلى مرحلة الكمال، إذ وفقا للتجربة الإنسانية فإن هذا التطور يقتضي فترات زمنية طويلة، ولم تنكر المملكة على أحد حق الاعتراض والمطالبة ببعض الأمور التي لا زالت في طور الإصلاح، لكن يبدو أن الأمر الذي حدث أكبر من مجرد معارضة ومطالب مدنية مشروعة، فما يجري في جانب منه فوضى إقليمية، وفي غبار هذه الفوضى هناك من يريد أن يفرض وقائع جديدة على الأرض تغير معادلات القوة في الإقليم. وهذا ما كان واضحا من استعدادات المنظمين قبل بدء المظاهرات، حيث كان هناك من يريد فعلا أن يسقط قتيلا أو أكثر حتى تخرج الأمور عن السيطرة، وبالفعل فما إن أعلنت وفاة شاب بحريني بطلقات قوات الأمن حتى بدأ المتظاهرون في الانتقال للخطة الأخرى، وهي الاعتصام بالدوار، ونجحوا في خطتهم، لذلك كان من الصواب عدم ترك الفرصة لهم ليعيثوا في البحرين فسادا، وبناء على ذلك بادرت القيادة إلى الدعوة لإقامة حوار وطني شامل، ولبت الكثير من المطالب والشروط التي وضعتها المعارضة للجلوس على طاولة الحوار، إلا أن المعارضة أصرت على تعطيل الحوار وتصعيد سقف المطالب، والقيام بالعديد من الممارسات الإجرامية التي أرهبت المواطنين وعطلت الحياة اليومية داخل المملكة، ودعت إلى تشكيل مجلس تأسيسي لا يكون النظام في البحرين طرفا فيه، وتهديدها بطلب دعم عسكري من إيران في حالة التعرض إلى الشيعة في المملكة أو طلب الحكومة دعما عسكريا من دول مجلس التعاون الخليجي، وظهور مؤشرات على دور خارجي في الأزمة تمارسه قوى إقليمية لها ارتباطات مع جماعات المعارضة. وكان لا بد أمام تأجج الأزمة السياسية أن تعلن المملكة حالة السلامة الوطنية «الطوارئ» في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، وتطلب الاستعانة بقوات «درع الجزيرة» التابعة لمجلس التعاون الخليجي، في محاولة لنزع فتيل التوتر والمشاركة في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد وحماية والحفاظ على منشآتها الحيوية.  ما الحل الناجع لتجاوز آثار حركة الاحتجاجات الأخيرة في البحرين بما يحفظ للمملكة الخليجية عروبتها ووحدة شعبها بمختلف أطيافه؟ - لقد أكد كل ما جرى في البحرين أن الحل الأمني لن يؤدي وحده إلى شيء، ولذا على الجميع العودة إلى الحوار لأنه الحل الأمثل والتأكيد على مفاهيم المواطنة والعدل والمساواة واتخاذ خطوات متسارعة ومتواصلة وإصلاحية تجاه تأكيد الملكية الدستورية، وهو ما حدث بالفعل، فقد بدأ الحوار الوطني الذي دعا إليه الملك حمد بن عيسى عاهل البحرين في أول يوليو الجاري بمشاركة جميع ألوان الطيف السياسي في المملكة، والمأمول أن يحقق أهدافه بما يحفظ أمن البحرين ووحدتها ويحقق تطلعات الشعب البحريني.  اتهمت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية الأنظمة الخليجية بشن ثورة مضادة على الثورات العربية وقالت: إن دول الخليج تتجاهل الإصلاحات الاجتماعية الضرورية، ما مدى صحة هذا التحليل؟ - إن ما يؤكده الواقع الحالي أنه لا تستطيع أية دولة أو مجموعة دول عزل نفسها عن الحراك السياسي، لأنه من المعروف أن الشعوب قد اكتشفت قوتها في القدرة على المطالبة بحقوقها وتغيير الأنظمة واستبدالها، ولكن الوضع في الخليج مختلف نظرا للثروة التي تتمتع بها هذه الدول وارتفاع مستوى الخدمات والرخاء النسبي، بخلاف ما تعاني منه الشعوب العربية الأخرى التي قامت فيها الثورات والاحتجاجات، كما أن الدول الخليجية جميعها بدأت بالفعل في تبني العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتلبي بذلك تطلعات شعوبها، مع تشديد أجهزة أمن الدولة للحماية من التدخلات الخارجية ومحاولة استغلال الفرص لزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي. وبالنسبة لنغمة التآمر على الثورات العربية، فهي مرفوضة وغير واقعية، وبالأخص فيما يتعلق بالثورة المصرية، فدول الخليج لا تتآمر على مصر وستكون بجانب مصر قلبا وقالبا، وخير دليل على ذلك تقديم السعودية 4 مليارات دولار لمصر في شكل منح وقروض ميسرة، واعتزام قطر تقديم 10 مليارات دولار مساعدات لمصر في شكل استثمارات ومشروعات مشتركة. الأمر نفسه بالنسبة للإمارات التي يتوقع أن تقدم الدعم لمصر في مرحلة ما بعد الثورة من خلال ضخ المزيد من الاستثمارات في شرايين الاقتصاد المصري، فضلا عن أن الكويت من بين أكثر الدول رغبة في مساعدة مصر اقتصاديا. أضف إلى ذلك أن نحو 2.5 مليون مصري يعملون في دول الخليج وتصل تحويلاتهم السنوية الرسمية إلى نحو 5 مليارات دولار.  لوحظ تباين المواقف الخليجية من حركة الاحتجاجات في كل من ليبيا واليمن وسوريا، لماذا أيدت دول المجلس وبلا تحفظ الثوار الليبيين، وتوسطت بين المعارضة اليمنية والرئيس علي عبدالله صالح، في حين تعاملت مع الحركة الاحتجاجية الشعبية التي تشهدها سوريا على أنها أمر داخلي بحت؟ وهل هناك علاقة للولايات المتحدة الأميركية والغرب بمثل هذا الأمر، كما يردد البعض؟ - إن التدخل الخليجي في ليبيا جاء أساسا لتلبية اعتبارات إنسانية بحتة في تأييد الثوار وما يتعرضون له من آلة الحرب التي سلطها عليهم القذافي. ولا ننسى مشروعية مطالب الثوار وتبني جامعة الدول العربية قرارات بضرورة التدخل الدولي لحماية الشعب الليبي، وتلا ذلك إصدار قرار من مجلس الأمن بالتدخل لحماية الثوار وفرض الحظر الجوي على ليبيا وتوجيه ضربات لقوات القذافي. وبالنسبة لليمن فهي دولة جارة للدول الخليجية، وهي الدولة الأقرب للانضمام لمجلس التعاون بل بالفعل تم اتخاذ العديد من الخطوات في هذا الصدد. وهذه الأهمية المتزايدة لليمن أدت إلى تدخل دول الخليج بطرح مبادرة للتوسط بين المعارضة والرئيس صالح، وفرضت على دول الخليج الصبر والحكمة في الوساطة من أجل تحقيق الاستقرار لليمن. أما تعاطي دول المجلس مع الاحتجاجات السورية على أنها أمر داخلي بحت، فربما نجد ذلك نابعا من التحالف السوري الإيراني والمد الشيعي في هذا التحالف من جانب، ومن جانب آخر التحالف الخليجي الأميركي، ما فرض تناقضا عميقا بين السياسة الخليجية والسياسة السورية. وأيضا ما تمر به دول الخليج العربي من تدخلات إيرانية في شؤونها الداخلية ومحاولة إيران استغلال الشيعة بداخل دول الخليج لمصالحها الخاصة، ربما جعل كل ذلك دول الخليج غير راغبة في معاداة النظام الرسمي السوري كيلا ينعكس هذا برد فعل سوري تجاه تأييد إيران على حسابها. ومن المعروف أن المصالح الخليجية فقط هي التي تتحكم في المواقف الخليجية. وأميركا والدول الغربية لا تستطيع فرض أجنداتها السياسية عليها. بل على النقيض فإن لدول الخليج أكبر الأثر على سياسات أميركا تجاه الخليج والتعامل مع قضاياه.  يطرح دور قطر الإقليمي المتعاظم نفسه بقوة، وكان أبرز مظاهره نجاحها في تسوية عدد من الملفات والأزمات المستعصية في المنطقة، فما أسباب هذا الدور وركائزه وأهميته في تعزيز العمل العربي المشترك، والتحديات التي يمثلها على السياسات الأميركية وعلى مصالح الدول الحليفة الأخرى لواشنطن في المنطقة؟ - الواضح أن الدبلوماسية القطرية ترتكز في تحركاتها على المستوى الإقليمي على ما تحظى به من إمكانات اقتصادية وسياسية نجحت في توظيفها على صعيد سياستها الخارجية، وهو ما أتاح لها أن تكون على مسافة واحدة من مختلف الأطراف السياسية والإقليمية والدولية، وبالتالي تحصل على ثقتها. وقد لعبت قطر دورا كبيرا وملموسا في تنشيط العمل العربي المشترك ولا سيما أنها لا تترك فرصة للوساطة في أي مشكلة عربية مستعصية. ونجحت بالفعل في لبنان وبين فتح وحماس وتسعى لحل أزمة دارفور، كما أنها نجحت في رفع الوعي والإدراك السياسي لدى الشعوب العربية بشأن مختلف الأوضاع والقضايا في المنطقة من خلال قناة «الجزيرة» التي حركت المياه الراكدة في منظومة الإعلام العربي خلال السنوات الأخيرة. وعلى الجانب الاقتصادي، دشنت قطر مشاريع استثمارية كبرى في الدول العربية حتى تلك التي تختلف معها سياسيا، وهذا يبين مدى البعد العروبي للسياسة القطرية.  بمناسبة مرور 30 عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ما تقييمكم لتجربة المجلس ومستقبله وقدرته على التصدي للتحديات المتسارعة وغير المسبوقة في ضوء المتغيرات الإقليمية والعالمية؟ وكيف يمكن تفعيل مسيرته خلال الفترة القادمة؟ - إن المجلس وفقا لمعيار الأهداف والمقاصد التي قام من أجلها، حقق خطوات في مجال الأهداف المنصوص عليها كالتكامل الاقتصادي والتعاون الدولي، ما جعله يصل إلى نقطة قريبة من الوحدة الاقتصادية باستكمال السوق المشتركة والشروع في بناء منطقة نقدية وتوحيد العملة الخليجية، إضافة إلى التنسيق السياسي وتعزيز التعاون والتنسيق بين بلدانه في معظم المجالات، وخلق شبكة من المصالح أساسها الروابط المشتركة ووحدة الهدف والمصير، كما عمل كبوتقة لمزج الرؤى والتصورات المختلفة لدوله في محاولة للتقريب فيما بينها وتوحيد مواقفها ورؤاها تجاه القضايا الإقليمية والدولية، في الوقت الذي سمح بهامش من حرية الحركة للدول الأعضاء في اتخاذ القرارات السيادية التي تراها، بما لا يتعارض مع المصالح والثوابت الخليجية والعربية. ومع ذلك، فإن القراءة المتأنية للتحديات التي رافقت مسيرة المجلس وأساليب تعاطيه معها أكدت أن المسيرة التكاملية له ما زالت أقل مما يتوافر له من عوامل نجاح انطلقت منها فكرة إنشائه، وتمثل عناصر قوة افتقرت إليها تجارب إقليمية أخرى أكثر نجاحا مثل تجربة الاتحاد الأوروبي. ومن أهم الاقتراحات والتصورات التي يمكن طرحها لتفعيل مسيرة المجلس خلال الفترة المقبلة.. سياسيا: تحديث المجلس أو إعادة هيكلته، والتأسيس لدبلوماسية خليجية موحدة تسمح بالتمايز في أدوار دوله، بما يجعل مجلس التعاون يتحول في مواقفه وتحركاته على المستوى الخارجي من مستوى «رد الفعل» إلى مستوى «الفعل»، وقيام دول المجلس باستكمال ما بدأته من خطوات وإجراءات في مجال الإصلاح السياسي، وأهمية اعتماد الأمانة العامة على الخبراء والحكماء، فضلا عن مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية في تقديم الحلول والاقتراحات المتعلقة بدول مجلس التعاون كجهة مستقلة، عملا بمقولة «الرأي والرأي الآخر»، والعمل على تشكيل اتحاد لمراكز البحوث والدراسات الخليجية ليعمل تحت مظلة المجلس، يجتمع مرة في السنة لمناقشة إحدى قضايا التكامل الخليجي، وأخيرا ضرورة اهتمام الأمانة العامة للمجلس بمسألة إصدار تقارير، على غرار التقارير الدولية التي تصدرها بعض الدول والمنظمات الدولية الفاعلة. أمنيا: مراجعة «الاستراتيجية الأمنية الشاملة» التي أقرها قادة دول المجلس عام 1987، ومواجهة الإرهاب برؤية متكاملة، وتفعيل خطط مواجهة ظاهرة العمالة الأجنبية، بالتوسع في سياسة توطين الوظائف وخلجنتها أو تعريبها حفاظا على الهوية العربية للمجتمعات الخليجية، وإعلاء مبدأ المواطنة، والوصول إلى معادلة التوازن والتكامل بين الأمن الخليجي والأمن العربي. اقتصاديا: تبني المنهج الوظيفي المعدل للتكامل، بمعنى أن يصبح التكامل الخليجي حاجة وليس رغبة، وإعطاء أهمية أكبر للاستثمارات البينية، خاصة الدول الأقل دخلا مثل البحرين وسلطنة عمان، لأن التعاون الاقتصادي القائم بين دول الخليج هو أكبر ضمانة لاستمرار المجلس وتفعيل دوره والمحافظة عليه وتحقيق تكامله. ولا شك أن إتمام إقامة الاتحاد الجمركي واستكمال مقومات السوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي، سيتيح خلق فضاء اقتصادي أوسع للتبادل، ما سيؤدى لإتاحة فرص أفضل لتفعيل الاندماج الاقتصادي، وتحقيق الاستفادة من تباين مزايا الموقع والمساحة والسكان والموارد بين دول الخليج الست، وتحقيق توزيع الأدوار الاقتصادية حسب الميزة التنافسية لكل عضو. هذا إلى جانب ضبط مسألة استنزاف الأموال الخليجية في الخارج، حتى إن تطلب الأمر تشريعات جديدة، ولا شك أن وجود هذه الأموال في الخارج يعرضها لمخاطر تقلبات سعر الصرف وتقلبات الأسواق المالية العالمية، وحرمان هذه الدول من القيمة المضافة التي كان يمكن تحقيقها في حالة استثمار هذه الأموال داخل البلدان الخليجية. اجتماعيا: إعلاء مبدأ المواطنة وجعله العنصر الحاكم للعلاقة بين الدولة والمواطن في دول المجلس، وتقوية المناعة الديمقراطية لمشروع التكامل، وتأسيس ثقافة البناء الإقليمي المشترك، وتفعيل مشاركة المجتمع المدني وإدماجه في ديناميات العمل الوطني، فضلا عن مواجهة مشكلة العمالة الأجنبية، وذلك بهدف الحفاظ على ثقافة المجتمع، وحماية نسيجه الاجتماعي من تأثيراتها.  واجه مجلس التعاون خلال تولي الأمين العام السابق القطري عبدالرحمن العطية لمنصبه في الفترة من 2002 إلى مارس 2011 تحديات جساما كان أبرز ملامحها سقوط نظام صدام في العراق، ما تقييمك لأداء المجلس خلال هذه الفترة، وما الدور المنتظر من الأمين العام الجديد البحريني عبداللطيف الزياني؟ - بصفة عامة يمكن القول: إن المجلس نجح إلى حد كبير خلال تلك المرحلة المفصلية في تاريخه في التعاطي بإيجابية مع التحديات التي واجهت أمينه العام عبدالرحمن العطية، ولا سيما التهديدات والمخاطر التي خلفها الغزو والاحتلال الأميركي للعراق على أمن واستقرار دول مجلس التعاون والتحدي الإيراني المتمثل في البرنامج النووي والتدخل في الشأن الداخلي لدول الخليج العربية. وهو ما تجلى في الاهتمام الفائق الذي أولته جميع القمم الخليجية عبر البيانات الصادرة عنها، وكذلك البيانات الصادرة عن اجتماعات المجلس الوزاري خلال تلك المرحلة إزاء التحديات كافة التي واجهت المجلس. أما بالنسبة للأمين العام الجديد البحريني عبداللطيف الزياني، فيمكن القول: إن أي حديث من جانب البعض عن تقييم أدائه في الوقت الراهن يصبح غير موضوعي وغير عادل وسابقا لأوانه، إذ إن ثمة مهام عدة من المنتظر قيامه بها، ولا يمكن إنجازها بين ليلة وضحاها، خاصة أنه تولى منصبه في ظل ظروف صعبة تواجه دول المجلس بشكل خاص والدول العربية بشكل عام.  كان الهاجس الأمني السبب وراء نشأة مجلس التعاون الخليجي، وظل القضية الرئيسية التي تصدرت اهتماماته، فما أهم التحديات الأمنية التي تواجه المجلس حاليا، وجهوده لمواجهة هذه التحديات، ومدى نجاحه في تأسيس مظلة أمنية جماعية تتيح لدوله مجابهة التهديدات المتعددة؟ - إضافة إلى التحديات القديمة المعروفة للجميع برزت تهديدات جديدة من قبيل البرنامج النووي الإيراني الذي يعد أحد أخطر التحديات التي تواجه المنطقة الخليجية، نظرا لربطه بتزا