قطاع الخدمات المالية القطري سيقفز 10% هذا العام
حوارات
12 أبريل 2012 , 12:00ص
حوار: نور الحملي
توقع بروكهارد. بي فارنهولت الرئيس التنفيذي للاستثمار عضو اللجنة التنفيذية لبنك ساراسين وشركاه، أن يحقق قطاع الخدمات المالية في قطر نمواً بنحو %10 خلال العام الحالي، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى الاستقرار السياسي الذي تنعم به الدولة.
ورجح فارنهولت، في حوار مع «العرب» أن تستفيد الاقتصادات ذات الهياكل السياسية المستقرة، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة من حالة عدم اليقين السياسي الذي يسود المنطقة، لاسيَّما قطاعات الخدمات مثل المال والسياحة. وأكد أن الاقتصاد القطري قوي ويمر بمراحل نمو بارزة، مشيراً إلى أن السوق تفتح ذراعيها للاستثمارات الأجنبية، وهو الأمر الذي دفع البنك السويسري للقدوم إلى قطر منذ عام 2008 والعمل تحت مظلة مركز قطر للمال. واصفاً استثمارات البنك داخل الدولة بأنها من أنجح استثماراته على مستوى المنطقة.
كما ثمَّن الدور الذي تلعبه قطر على صعيد قطاع إدارة الأصول، مشيداً بخطواتها الواثقة نحو تحقيق هدفها لأن تكون المحور الأبرز لإدارة الأصول في المنطقة ولاعباً رئيساً في هذا القطاع على الصعيد العالمي، مؤكداً في الوقت ذاته أن الآفاق واعدة أمام دولة قطر في هذا المجال.
وتوقع الرئيس التنفيذي للاستثمار عضو اللجنة التنفيذية لبنك ساراسين وشركاه، الذي يقع مقره الرئيس في مدينة بازل السويسرية، أن يشهد قطاع الخدمات المالية الإسلامية في قطر نمواً كبيراً خلال السنوات القليلة المقبلة، مؤكداً أن هذا القطاع ينمو بشكل كبير ليس في قطر وحدها أو في منطقة الخليج فقط، وإنما في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
¶ بعد أربع سنوات من التواجد داخل قطر، ما رؤيتك للاقتصاد القطري؟ وبماذا أسهم البنك خلال هذه الفترة؟
- الاقتصاد القطري قوي ويمر بمراحل نمو بارزة، وأتوقع له نموا كبيرا خلال السنوات المقبلة، كما أن هناك فرصا كبيرة للاستثمار، وهو الأمر الذي دفعنا للقدوم إلى هنا والعمل في الدوحة؛ حيث إن استثماراتنا داخل الدولة تعد من أنجح استثمارات البنك على مستوى المنطقة، لذا أخذنا على عاتقنا ضرورة المساهمة في الطفرة التنموية التي تمر بها البلاد.
أما فيما يخص بنك ساراسين، فهو بنك سويسري رائد، لديه سنوات من الخبرة المصرفية الطويلة، التي دفعته لاختيار مفهوم الاستدامة باعتبارها عنصراً أساسياً في فلسفته، فوجودنا هنا من أجل المساهمة في هذه الطفرة الاقتصادية التي تشهدها الدولة، وذلك من خلال توفير مستوى عالٍ من الخدمة والخبرة، في مجال الخدمات الاستثمارية والاستثمار وإدارة الأصول للعملاء من الأفراد والمؤسسات. والبنك أسس تحت اسم بنك ساراسين- ألبن قطر المحدود في مركز قطر للمال، ليوفر مجموعة كاملة من الخدمات المصرفية الخاصة التي توفرها المؤسسة الأم في سويسرا، وبالإضافة إلى قطر، لدينا مكاتب في الإمارات العربية المتحدة، عمان والهند تلبي خدمات العملاء من الأفراد والمؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا.
¶ ما توقعاتك لنمو قطاع الخدمات المالية القطري؟
- أتوقع أنه مرتبط نوعاً ما بما سيؤول إليه الاقتصاد العالمي، كما أتوقع أنه خلال هذا العام سنشهد واحدة من أفضل الفترات لإدارة أصول المخاطر، هناك نمو مبشر للاقتصاد العالمي، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية وآسيا وبالطبع دول الخليج، كما أن البنوك المركزية في آسيا ودول المنطقة لديها سيولة كبيرة جاهزة للاستثمار والمساهمة في تحسين أداء الاقتصاد، هذه البيئة تعد الأفضل لإدارة أصول المخاطر، وأتوقع أن قطر لديها كل المقومات لهذه البيئة المناسبة، خاصة في مركز قطر للمال؛ لذا أتوقع أن تحقق دولة قطر نمواً بنحو %10 خلال هذا العام على صعيد قطاع الخدمات المالية.
السوق القطرية سوق صغيرة، ولكن قطاع الخدمات المالية ينمو بشكل كبير وأتوقع أن يواصل النمو مع توافر السيولة في الدولة، فالسوق القطرية سوق جاذبة للمستثمرين، فهي تربح من واقع الاستقرار الذي تعيشه.. وأود الإشارة أيضاً إلى أن ارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي المتسارع ساعد على النمو الاقتصادي في قطر ومنطقة الخليج في النصف الأول من هذه السنة، رغم عدم اليقين الناجم عن الاضطرابات السياسية في أجزاء من المنطقة، فالاستقرار السياسي لا يزال يشكل عاملاً رئيساً في الأداء الاقتصادي لهذه الدول، ومن المرجح أن تستفيد الاقتصادات ذات الهياكل السياسية المستقرة مثل قطر والإمارات العربية المتحدة من حالة عدم اليقين السياسي الذي يسود المنطقة، لاسيَّما قطاعات الخدمات مثل المال والسياحة.
¶ ما رؤيتك لقطاع الخدمات المالية الإسلامية في قطر والخليج؟
- أرى أنه قطاع مهم جداً وينمو بشكل كبير ليس في قطر وحدها أو في منطقة الخليج فقط، وإنما في آسيا ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، فالخدمات المصرفية الإسلامية تعد من بين أسرع القطاعات المالية نمواً في العالم؛ إذ تشير التقديرات إلى نموها بين %15 و%20 سنوياً. ومن هذا المنطلق أصبح بنك ساراسين السويسري واحداً من أوائل البنوك الأجنبية المتخصصة في إدارة الثروات التي تطلق منتجات إسلامية لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الأدوات المالية المطابقة للشريعة الإسلامية. أتوقع أن الطلب سيزيد على المنتجات الإسلامية، ونحن نستهدف اغتنام فرص أوسع يقدمها التمويل الإسلامي.
¶ كيف ترى سوق الصكوك الإسلامية؟
- يكسب المستثمر المسلم بدائل حلال عندما ترتفع عوائد السندات التقليدية.. وقد زاد حجم السوق تقريباً بنسبة %45 أي إلى 180 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع أن يزيد الحجم مع إصدارات الصكوك الجديدة التي كان من المفترض أن تصدر في العام الماضي وتأخر صدورها إلى عام 2012. أنا أرى أن الخيارات الاستثمارية محدودة لاعتبارات في الشريعة الإسلامية نفسها، فلا يحق للمستثمرين المسلمين الاستثمار في صناديق التحوط رغم موافقة الكثير من العلماء عليها.
¶ ما رؤيتك لقطاع إدارة الأصول في قطر والمنطقة؟
- أنا أؤمن بأن الآفاق واعدة أمام دولة قطر في هذا المجال، فصناعة إدارة الأصول آخذة في النمو بشكل مضطرد، ولهيئة مركز قطر للمال دور كبير في هذا النمو؛ حيث أتاحت دولة قطر مجموعة واسعة من الفرص لشركات إدارة الأصول المحلية والدولية، وتستفيد الشركات المحلية والدولية من بيئة قانونية وتنظيمية ذات مستوى عالمي، وكذلك الاستفادة من البحوث في القطاع والتدريب والتعليم من خلال أكاديمية قطر للمال وشبكة من الشركات المرخصة في المركز. إن قطر تمتلك أسواق أسهم ومال ترتقي على نحو متزايد، بالإضافة إلى زيادة الطلب على الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة، وهناك أيضاً مجال لتطوير منتجات جديدة في سوق المشتقات المالية وصناديق الاستثمار المشتركة، كما أن الاستثمار في البنية الأساسية يوفر فرصا للشراكات بين القطاعين العام والخاص وغيرها من أشكال مشاركة القطاع الخاص.. أتوقع أن تنمو هذه الأنشطة بما يتماشى مع رغبة المستثمرين، فالدولة تظهر حرصاً شديداً على أن تكون المحور الأبرز لإدارة الأصول في المنطقة ولاعباً رئيساً في هذا القطاع على الصعيد العالمي.
¶ ما استعداداتكم للمساهمة في طفرة المشاريع التي تقبل عليها قطر استعداداً لمونديال 2022؟
- لدينا استثمارات قائمة بالفعل في السوق القطرية، فنحن على سبيل المثال مستثمر نشيط جداً في صناعة المياه العالمية، وهذا هو الاستثمار الذي ننفذه هنا في دولة قطر وأسواق أخرى مجاورة، ولكن ليس لدينا حتى الآن أية خطط للمشاركة في مشاريع مونديال 2022، ولكننا على استعداد تام للمشاركة في هذه المشاريع الضخمة.
¶ هل كان للأزمة المالية العالمية وأزمة الديون الأوروبية تأثير واضح على دولة قطر والمنطقة؟
- لا شك في أن تلك الأزمات كان لها تأثير مباشر وواضح على كافة الأسواق العالمية، بما فيها قطر، فالاقتصاد القطري يعتمد بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية، ما جعله عرضة لهذا التأثير، ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هناك تفاوتا كبيرا بين دول وأخرى، فالتأثير على دولة قطر ودول الخليج لم يكن بالشكل الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا.. فعندما أتيت إلى هنا في نوفمبر الماضي رأيت أن الوضع الاقتصادي قوي جداً على عكس الحال في دول أوروبا، غير أنني أعتقد أن الأزمة المالية العالمية قد انتهت، كما أعتقد أن المستثمرين أصبحوا على قناعة بذلك، وأتوقع أن تزيد الظروف الاقتصادية الجيدة من شهية المستثمرين للمخاطر، كما أنها ستدعم التحول المستمر من الاستثمارات منخفضة المخاطر إلى الأصول ذات المخاطر العالية، كما أن توقعاتي بالنسبة للأسهم والسلع الأساسية جيدة للغاية. أضيف أيضاً أنه منذ تحسن الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم يبدو أكثر قوة من العام الماضي، فالمفاجآت الاقتصادية الإيجابية يجب أن تؤدي إلى تحسن الأداء الاقتصادي العالمي، كما أن التوقعات الاقتصادية المتفائلة لا بد أن تعطي مزيداً من الدعم.. لذا أنصح صناع السياسات الاقتصادية الآن باتخاذ قرارات أكثر جرأة أو أنهم لن يعودوا قادرين على تجنب الركود الاقتصادي، ونظراً لارتفاع نسبة المخاطر الكلية فإنني أنصح أيضاً بضرورة توخي الحذر، غير أنني أرى أنه لا يزال الاستثمار في السلع الاستهلاكية والذهب ممكناً.
¶ ما توقعاتك لأزمة الديون الأوروبية؟ ومتى ستنتهي؟
- أعتقد أن أزمة الديون الأوروبية أصبحت وراء ظهورنا، لأنني أؤمن بأن المركزي الأوروبي فعل ما يمكن فعله لتجنب أي أضرار تنشأ عن تلك الأزمة.. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الأزمة قد هدأت، فإن المستثمرين لا يزالون يشعرون بعدم الاستقرار بسبب ارتفاع أسعار النفط المدفوعة بأحداث إيران، فالزيادة الأخيرة في خام برنت والتي بلغت %15، هي أقل بكثير من تلك التي حدثت إبان الاضطرابات في مصر وليبيا والتي بلغت حينها %60، لذلك ينبغي أن لا يكون هناك أية مشكلة طالما أن ارتفاع الأسعار لن يؤثر على النمو العالمي؛ حيث إن الطلب على النفط ليس قوياً، لاسيَّما بالنظر إلى أوروبا والأسواق الناشئة التي هي في بوادر الانتعاش، ولأن أسعار النفط تعكس ارتفاع المخاطر الجيوسياسية.. أتوقع أن تنخفض الأسعار مرة أخرى إذا تم تجنب التصعيد العسكري في منطقة الشرق الأوسط، رغم أنه يجري رصد تطور أسعار النفط عن كثب. ومن هذا المنطلق أرى أنه إذا كانت التدابير السياسية مقنعة فإنها ستساعد على تحسين المعنويات في الأسواق المالية، وبالتالي من المحتمل أن تزيد شهية المستثمرين للخطر خلال العام الحالي، ما يدعم الانتعاش الاقتصادي المحتمل.
¶ ما السيناريو الأسوأ الذي تتوقعه للاقتصاد العالمي مع استمرار الأزمات المالية؟
- نظراً للحاجة إلى تقليص المديونية العالمية، فلا يزال الاقتصاد العالمي خلال عام 2012 يواجه بعض التحديات الكبرى، فمن الممكن خفض الدين إذا أبقى صناع السياسات أسعار الفائدة أقل من معدلات النمو، كما ينبغي أن يعوض النمو غير الكافي، في النفقات العامة والاستهلاك في البلدان الصناعية، من خلال زيادة الاستثمارات والصادرات في البلدان الناشئة، وأرى أنه من الضروري خلال هذا العام دعم الطلب في الأسواق الناشئة عن طريق تخفيف الكمية، وبما أن الأسواق العالمية الرئيسة قد بلغت مشارف طفرة جديدة فلا بد أن يقدم النمو بعض المفاجآت الإيجابية خلال النصف الأول من السنة.
من جهة أخرى يكمن الخطر الأكبر في أن تصبح أزمة ديون اليورو حجر عثرة أمام الاقتصاد العالمي بسبب الأخطاء السياسية، فوجود أزمة ائتمان في منطقة اليورو، يعني أنها ستنتشر إلى مناطق أخرى بسبب نظام الترابط المالي العالمي، ورغم ذلك فإن هناك احتمالاً منخفضاً لحدوث هذا السيناريو من وجهة نظري.
ورغم أزمة اليورو، فإن هناك دلائل متزايدة على أن الاقتصاد في الولايات المتحدة الأميركية سيبدأ باستعادة عافيته بعد عملية التصحيح السيئة التي تمت في صيف العام الماضي، فترة النمو تقترب ومن شأنها أن تسحب أوروبا معها أيضاً.
وتشكل الدورات الاقتصادية الأقصر وصعوبة الهبوط تحديات كبيرة أمام المستثمرين، فالارتباطات بين فئات الأصول المختلفة تزيد بشكل ملحوظ خلال المراحل الصعبة للأسواق، لذلك ينبغي على المستثمرين مراقبة المخاطر بعناية وخفض مواقعهم في الوقت المناسب، فبعد العوائد العالية التي تحققت خلال النصف الأول من هذا العام، فإنني أتوقع ظهور نكسات جديدة في نهايته، لكن بشكل عام يتعين على المستثمرين في عام 2012 تحقيق أداء إيجابي مع محفظة متنوعة.
فارنهولت في سطور
في عام 2005 أصبح عضو المجلس التنفيذي العالمي لبنك كريدي سويس، وقد اختير في تلك الفترة كرجل العام في مجال المال، من قبل مجلة المستثمر العالمي بفضل الجهود التي يبذلها من أجل خلق الشفافية في سوق صناديق الاستثمار وتعزيز نهج البنية المفتوحة.
وما بين عامي 2001 و2005 قام فارنهولت ببناء أكبر صناديق تحوط عالمية بمحفظة استثمارية بلغت أكثر من 30 مليار دولار، وكان بوركهارد قد تعهد بمختلف الخدمات المصرفية مع مورغن ستانلي في لندن.
هو محاضر منتظم في برنامج ماجستير إدارة الأعمال التنفيذية لدى جامعة سانت غالن، أكاديمي متميز، يعمل مدرساً في جامعة سانت غالن، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وكلية شتيرن للأعمال في جامعة نيويورك، له أكثر من 100 مقالة منشورة و4 كتب، بما فيها واحد من أكثر الكتب مبيعاً.
فارنهولت محب وجامع للفن وهو بمثابة عضو في لجنة تات مودرن لاقتناء التحف الفنية في لندن، كما أنه أسس في عام 2004 دار أيتام خيرية للأطفال الأفارقة توفر ملجأ للأطفال المنبوذين في أوغندا. وفي عام 2006 حاز على جائزة الخدمة المدنية Swiss Re Milizpreis تقديراً لإنجازاته.
فارنهولت مواطن ألماني يقيم مع عائلته في زيوريخ، يحمل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد والبكالوريوس في القانون من جامعة سانت جالن.