

أصبحت السمنة لدى الأطفال قضية صحية عامة بارزة، فقد صنّفتها منظمة الصحة العالمية وباءً عالميًا. ارتفعت نسبة انتشار زيادة الوزن والسمنة بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 19 عامًا على المستوى العالمي من 8% في عام 1990 إلى 20% في عام 2022. تتعدد العوامل التي تؤدي إلى السمنة، وتشمل الاستعداد الوراثي، وأنماط السلوك مثل نمط الحياة الخامل، والعوامل البيئية مثل توافر الأماكن الترفيهية وخيارات الغذاء المختلفة. وتزيد السمنة لدى الأطفال من خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، بالإضافة إلى التحديات التي تهدد صحتهم النفسية مثل الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية.
نشرت الباحثة العلمية الدكتورة سارة راشد موسى، استشارية طب المجتمع ومسؤولة مركز المعافاة في مركز روضة الخيل الصحي بمؤسسة الرعاية الصحية الأولية، مؤخرًا مقال مراجعة منهجية في مجلة «Diabetes, Metabolic Syndrome and Obesity»، حيث شاركت في الدراسة كباحث الرئيسي. ومن جهتها أكدت أن هذه المراجعة المنهجية توفر مصدرًا شاملاً يجمع أدلة واسعة النطاق حول تصورات الآباء ودوافعهم والعوائق التي تواجههم في إدارة السمنة لدى أطفالهم.
من حيث الدوافع، أقر الآباء الذين لديهم أطفال يعانون من زيادة الوزن أو السمنة بأن مشاركتهم في تعزيز العادات الغذائية الصحية، والتحكم في حجم الحصص الغذائية، وتنظيم وقت الشاشة، والتشجيع على ممارسة الأنشطة البدنية، والمشاركة في الفعاليات المدرسية، والتعاون مع المتخصصين في الرعاية الصحية، بما في ذلك خبراء التغذية، يُعد من العوامل المهمة في إدارة السمنة.
من جهة أخرى، تضمنت العوائق المحددة عوامل تتعلق بالطفل نفسه مثل العناد وتفضيل الوجبات السريعة والانتقائية في الأكل وانعدام الحافز الداخلي والكسل وتأثير أقرانه عليه. أما العوامل المؤثرة المتعلقة بالأسرة، فشملت عدم القدرة على تحديد حالة السمنة لدى الطفل أو وضع خطة لإدارتها بسبب إنكار الوالدين أو خوفهم من التشخيص، وكذلك غياب دور الوالدين كقدوة يُحتذى بها وافتقارهم إلى المهارات اللازمة لإدارة السلوكيات الحياتية بفعالية، وضيق الوقت، وندرة الموارد، إلى جانب مستوى اهتمام الوالدين أو مدى إشرافهم على أطفالهم.
في بحثها، سلطت الدكتورة سارة راشد الضوء على العوامل الرئيسية التي تدفع الوالدين لإلحاق أطفالهم في برامج إدارة الوزن. ووجدت أن الآباء يميلون إلى المشاركة في هذه البرامج عندما يدركون فوائدها، مثل وجود طاقم مؤهل، وبيئة غير انتقادية، ونهج مريح ومرن، واستراتيجيات عملية موجهة للأسرة، وأهداف واضحة. كما ركزت على أهمية أن تكون هذه البرامج ميسورة التكلفة وسهلة الوصول.
وأكدت الدكتورة سارة راشد على الدور الحيوي لمشاركة الآباء في التغلب على السمنة لدى أطفالهم. واستنادًا إلى وجهات نظر الآباء، يُوصى بإعداد المتخصصين في الرعاية الصحية لزيادة وعي الآباء حول أنماط الحياة الصحية، وتقنيات تعديل السلوك، وأساليب التحفيز، وطرق تجاوز الوصمة الاجتماعية. كما يُعد تعزيز وعي الآباء بالعوامل المؤدية للسمنة لدى الأطفال وتبعاتها أمرًا ضروريًا.
تشجع الأبحاث الآباء على تطوير مهارات تواصل فعالة، ومراقبة عادات أطفالهم الغذائية والوقت الذي يقضونه أمام الشاشات، وتوفير خيارات غذائية صحية في المنزل، وخلق فرص لتشجيعهم على ممارسة النشاط البدني. كما يُنصح الآباء بالعمل بشكل تعاوني مع المدارس لوضع خطة شاملة.
إن تعزيز مهارات التربية الفعالة يمكّن الأطفال من اتخاذ قرارات مستقلة والاستفادة من التعزيز الإيجابي وتقوية ثقتهم بأنفسهم.