يحتل شهر رمضان في سلطنة بروناي، التي تُعرف بـ»بروناي دار السلام»، مكانة خاصة في حياة السكان، فالإسلام هو الدين الرسمي لهذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا. وتتميز الاحتفالات بالشهر الفضيل بالتركيز الكبير على الجوانب الدينية والاجتماعية التي تعكس هوية المجتمع، ويتم الاحتفاء به على المستويات الرسمية والشعبية والأسرية، في مزيج فريد يجمع بين الروحانية والتكافل الاجتماعي والاحتفاء بالتراث الثقافي.
ويتسم المجتمع البروناوي بالتمسك بالقيم الإسلامية، مع إضافة لمسات محلية تعكس هويته الثقافية، مثل التجمعات الأسرية، والموائد الجماعية، والفعاليات الرسمية.
الطقوس الاجتماعية
يلتزم المسلمون في السلطنة بالصيام والقيام وأداء الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة، مما يعزز روح التآلف والإخاء بين الناس.
وتُعد صلاة التراويح من أبرز الطقوس الرمضانية، وتُقام في المساجد الكبرى مثل مسجد السلطان عمر علي سيف الدين ومسجد جيم أصر حسن البلقية.
كما يبدأ البروناويون الاستعداد للشهر بإقامة الأسواق الرمضانية في العديد من المناطق، مثل العاصمة بندر سري بكاوان، وتُعتبر هذه الأسواق مركزًا اجتماعيًا يعكس روح الاحتفال بالشهر الفضيل.
ويتجمع الناس لشراء الأطعمة الجاهزة والحلويات التقليدية مثل «كوي موي» (كعك الأرز المحلى) والمشروبات المنعشة، وتُزيَّن المنازل والشوارع بالفوانيس والأنوار.
ومع حلول الشهر الفضيل، تمنح الدولة إجازة رسمية في اليوم الأول، وتُخفَّض ساعات العمل، مما يتيح للأسر فرصة التجمع والتواصل.
ومن التقاليد المميزة، الضرب على طبل كبير وإطلاق شعلة ذات صوت مدوٍ للإعلان عن وقت الإفطار، بدلًا من مدفع رمضان التقليدي، كما يُطلَق مدفع السحور لتنبيه النائمين للاستعداد للصيام.
وتُغلق المتاجر والمطاعم أبوابها خلال النهار احترامًا للصائمين، وتفتح بعد الإفطار، مما يشجع الناس على قضاء الوقت مع أسرهم ومجتمعهم.
القرآن والزكاة
يحرص المواطنون في بروناي على إقامة موائد الإفطار الجماعية، التي تُعد من أبرز العادات الاجتماعية في السلطنة، حيث تجتمع العائلات يوميًا لتناول وجبة الإفطار معًا، وغالبًا ما تُعد الأطباق التقليدية مثل الأرز مع الأطباق الجانبية (لاوك)، والأطباق الماليزية المشتركة مثل «رندانغ» (لحم مطهو ببطء مع جوز الهند والتوابل) و»ساتيه» (أسياخ اللحم المشوية)، وهي تجمعات تعزز الروابط الأسرية.
وتُنظم موائد الإفطار الجماعية في المساجد والمراكز المجتمعية، وتُعتبر «موائد الرحمن» من العادات البارزة التي يحرص أفراد المجتمع على المشاركة فيها من خلال التبرع بالطعام أو المال لإطعام الصائمين، بهدف تعزيز روح التكافل الاجتماعي.
وشهر رمضان فرصة لتبادل الزيارات بين الأقارب والجيران، خاصة بعد الإفطار وصلاة التراويح، وهذه العادة جزء لا يتجزأ من تعزيز العلاقات الاجتماعية في المجتمع البروناوي.
أما النساء في الأسر البروناوية فتهتم بإعداد وجبات الإفطار والسحور بعناية فائقة، مع التركيز على الأطعمة التي توفر الطاقة خلال ساعات الصيام، ومن الأطباق التقليدية «أمبويات» (طبق مصنوع من نشا الساغو) والشوربات التي تُعد جزءًا أساسيًا من المائدة.
تحرص الأسر على تدريب أطفالها على الصيام منذ سن صغيرة، بتشجيعهم على الامتناع عن تناول الطعام والشراب لساعات قليلة، كجزء من تعويدهم على قيم الإسلام، كما تُنظم فعاليات خاصة بالأطفال في المساجد أو المدارس الدينية لتعريفهم بفضل الصيام والقيام والشهر الفضيل.
يتميز الشعب البروناوي بالتقارب بين أفراده، خاصة خلال شهر رمضان، فبعد صلاة التراويح، تجتمع العائلات في المنزل لقضاء أوقات ممتعة، سواء من خلال مشاهدة البرامج الدينية أو تبادل الأحاديث، وتُعتبر هذه السهرات فرصة لتعزيز التواصل بين أفراد الأسرة.
ومن أبرز اهتمامات المواطنين تلاوة القرآن الكريم وختمه خلال الشهر الفضيل، سواء في المساجد أو في المنازل، وغالبًا ما تُنظم مسابقات قرآنية ومحاضرات دينية تُبث عبر وسائل الإعلام الرسمية أو تُقام في المراكز الدينية. كما يُعتبر رمضان فرصة لتعزيز قيم العطاء، حيث يتم توزيع الزكاة والصدقات على الفقراء والمحتاجين.
مشاركة سلطانية
على المستوى الرسمي، يشارك السلطان حسن البلقية، سلطان بروناي، في الفعاليات الرمضانية، ويحرص على زيارة المساجد لأداء صلاة التراويح مع الشعب، كما يشارك في توزيع المساعدات على الفقراء، مما يعزز روح التكافل الاجتماعي، ويوزع هدايا خاصة للمواطنين تُعرف بـ»الكورما»، وهي علب تحتوي على تمور فاخرة. في عيد الفطر المبارك، يفتح السلطان قصره لاستقبال الشعب، وتُقام الولائم وتُقدم الأطعمة والضيافة للجميع، بهدف تعزيز الروح الوطنية. تُنظم الدولة فعاليات رسمية مثل إفطارات جماعية كبرى، وتُقيم حملات خيرية لتوزيع المساعدات بالتعاون مع المؤسسات الدينية، ويشارك الأفراد في هذه المبادرات بشكل فردي وجماعي، كما تُقدم التبرعات إلى مراكز الأيتام. تُخفّض الحكومة ساعات العمل الرسمية خلال الشهر الفضيل لتتيح للموظفين فرصة أكبر للعبادة وقضاء الوقت مع عائلاتهم، كما تُعطَّل المدارس في ليلة السابع والعشرين من رمضان احتفالًا بليلة القدر، وتُقام ختمات يومية للقرآن الكريم في قصر السلطان. يُبث الإعلام الرسمي عبر القنوات التلفزيونية والإذاعية برامج دينية خاصة تتضمن تلاوات القرآن، والمحاضرات، والبرامج التي تسلط الضوء على العادات الرمضانية في السلطنة.
وجبات رمضانية
يحرص المواطنون على أداء صلاة المغرب في المساجد عقب تناول القليل من العصائر، وبعد الصلاة يتناولون الوجبة الرئيسية في منازلهم، والتي تتكون في الغالب من الأرز مع اللحم أو الأسماك، بالإضافة إلى طبق الشوربة الذي يتوسط المائدة، كما يتناولون معًا الأطباق التقليدية مثل «ناسي كاتوك» و»سوتو». يجتمع الأهل والأصدقاء لتبادل الأحاديث وتوثيق العلاقات الأسرية والاجتماعية. تحرص الأسر على أداء الصلوات جماعة في المساجد، وخاصة صلاة التراويح، حيث تُنظَّم حلقات لقراءة القرآن والذكر.
ومن العادات الجديرة بالاحترام في بروناي، مشاركة بعض المواطنين غير المسلمين الصائمين المسلمين في الصيام، من منطلق احترام الأغلبية وتعزيز الوئام الاجتماعي، وهي ظاهرة تُعد مثالًا على التعايش السلمي بين مختلف الأديان في السلطنة. أما ليلة القدر، فلها طقوس خاصة في السلطنة، حيث تُنظم جلسات دينية خاصة في المساجد، ويحرص الناس على قضاء الليل في الصلاة والدعاء، وتُضاء المساجد والشوارع، مما يضفي أجواءً روحانية مميزة.
وتشهد نهاية الشهر الفضيل بدء الاستعدادات لعيد الفطر المبارك، ويعتبر البروناويون العيد مناسبة اجتماعية كبرى، ويحرصون خلاله على رفع التكبيرات في المساجد والمنازل، ويرتدون الملابس التقليدية مثل «باجو ميلايو» (الزي الماليزي التقليدي)، كما يتبادلون الزيارات لتقديم التهاني. تُعد الحلويات التقليدية مثل «كوي ريا» (كعك العيد) جزءًا أساسيًا من الاحتفال.
تحديات وتغيرات
سلطنة بروناي، مثلها مثل العديد من دول العالم، تأثر شعبها بالتغيرات العالمية والتكنولوجيا الحديثة والتطورات المتلاحقة، ورغم ذلك لا يزال المواطنون متمسكين بتقاليدهم الرمضانية، إلا أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية أثرت على بعض العادات، فأصبحت الأسواق الرمضانية أكثر تجارية، مع وجود تأثيرات عالمية في أنواع الأطعمة المقدمة. تسعى الدولة ومؤسسات المجتمع إلى الحفاظ على الطابع التقليدي لرمضان، من خلال برامج توعوية وتشجيع الشباب على المشاركة في الطقوس الدينية والاجتماعية.