من قمة مجموعة العشرين بروما وقمة المناخ في غلاسكو، ينتقل الحراك الدولي الرسمي والمدني إلى العاصمة الفرنسية، حيث تنطلق هناك غداً /الخميس/ ولمدة يومين، فعاليات منتدى باريس للسلام في نسخته الرابعة، بمشاركة نحو ثلاثين رئيس دولة وحكومة بمن فيهم نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس.. ومن المنتظر أن تركز النسخة الرابعة للمنتدى على سبل الحد من الانقسامات العالمية، في عالم لا يزال تحت تهديد جائحة كورونا.
وتوقعت الرئاسة الفرنسية أن يصل عدد المشاركين حضورياً إلى 450 شخصاً، بينهم 30 رئيس دولة وحكومة، وقرابة 15 ألف شخص سيشاركون عبر الإنترنت.
وسيفتتح الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكامالا هاريس المنتدى بشكل رسمي غداً الخميس، إلى جانب الرئيس النيجيري محمد بوخاري ورئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة واجد. وبعد ذلك، سيحضر القادة ندوة حول التنظيم الدولي للعالم الرقمي، سيقدّم خلالها تقرير مرحلي حول المبادرات المختلفة التي أطلقتها فرنسا بهذا المجال.
وسيرأس الرئيس الفرنسي خلال المنتدى اجتماعاً مغلقاً حول حماية القُصّر عبر الإنترنت من أجل تشجيع الدول والمنصات الرقمية والمنظمات غير الحكومية على الالتزام بهذا الهدف، وفق ما أعلن الإليزيه.
كما يلتقي الرئيس ماكرون على عشاء عمل مع قرابة 20 أكاديمياً ومتخصصاً بالتكنولوجيا الرقمية لمناقشة التحديات الديمقراطية بهذا المجال.
ويجمع منتدى باريس منذ انطلاقه عام 2018 رؤساء دول وممثلين عن منظمات دولية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وسيسعى خلال نسخته الرابعة لاستنباط حلول فعلية بغية التصدي للتحديات التي خلّفها تفشي جائحة فيروس كورونا وتحديد السبيل لتحقيق حوكمة أفضل خلال فترة الأزمة الناجمة عن الجائحة.
ويندرج المنتدى في إطار سعي الرئيس الفرنسي لتأكيد أهمية تعدد الأطراف والعمل الجماعي. ويتركز حول ثلاثة محاور: أولها الأهداف المتمثلة بتشجيع التعاون الدولي والعمل الجماعي من أجل عالم يعمّه السلام، وثانيها الوسائل عبر طرح الحلول العملية والمبتكرة ومناقشتها والسعي إلى تنفيذها، وثالثها الطموحات من خلال تعزيز القواعد والمعايير والممارسات الجيدة وإعادة النظر فيها واستحداث قواعد ومعايير وممارسات جديدة.
وتم تصميم برنامج المنتدى بأكمله بعناية ليعكس فلسفة الحوار المفتوح بين جميع الجهات الفاعلة في الحوكمة العالمية، مع التركيز على الحلول بدلاً من مجرد التحديات المطروحة، كما يشجع محتوى النقاش المتنوع، الابتكار والتواصل، حيث يتم سماع جميع الأصوات، كما تلي العديد من المناقشات، جلسة أسئلة وأجوبة للتفاعل المباشر مع المتحدثين، بالإضافة إلى العديد من الفرص لمواصلة المناقشة عبر المنصة الرقمية لمنتدى باريس للسلام. كما تم تصميم جلسات المنتدى وفق تنسيقات مبتكرة لتشجيع المحادثات الهادفة باستمرار، وجمع النصائح من الخبراء والمختصين، وتعكس قائمة المتحدثين، التوازن الشامل للقطاعات والموضوعات والمناطق الجغرافية.
ويدعو منتدى باريس للسلام، كل عام أصحاب المشاريع التي تُعنى بالحوكمة والتي تطرح حلولاً فعلية للتحديات العالمية إلى المساحة المخصصة للحلول في المنتدى، وقد تلقت نسخته الرابعة مئات المشاريع من جهات فاعلة متنوعة على غرار المنظمات الدولية غير الحكومية والمنشآت والمنظمات الدولية والدول والسلطات المحلية وغير ذلك.
ويعكس هذا العدد الكبير من المشاريع أهمية دور المنتدى بوصفه جهةً فاعلةً أساسيةً في التنسيق الدولي، خاصة وأنّ قرابة 60 بالمئة من المشاريع تُنفّذ بعدة قارات خلال وقت واحد.
ويواصل المنتدى هذا العام إدراج بلدان الجنوب في صميم أنشطته من خلال دعم زهاء ثلاثين مشروعاً تستهدف أفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب آسيا والشرق الأوسط.
وتتناول المشاريع المدرجة على أجندة المنتدى هذا العام موضوعات متنوعة تشمل، المساواة بين الجنسين، وحوكمة المجال الصحي على الصعيد العالمي، وحماية البيئة الفضائية، وحالة الطوارئ المناخية، وحماية المحيطات، ومكافحة الأخبار الكاذبة والتهديدات ضد الصحافة، واستخدام الذكاء الاصطناعي والإشراف عليه، وتعزيز أمن الفضاء الإلكتروني في العالم، وإصلاح الرأسمالية من خلال الاقتصاد المؤثر تأثيراً إيجابياً، وتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب.
يذكر أن منتدى باريس للسلام هو اجتماع يُعقد سنوياً بالعاصمة الفرنسية، لمناقشة التعاون والدعم في الاستجابة للقضايا الدولية، وقد تم تصميمه ليكون مساحة حديثة للحوار لتجربة ومناقشة طرق جديدة لإعادة اختراع التعددية، وهو مشابه للمنتدى الاقتصادي الذي يقام سنوياً بدافوس السويسرية ومنتدى التحديات الأمنية الذي ينظم في ميونيخ بألمانيا.
ووفق بيان الإليزيه، فإن الرئيس ماكرون أراد إنشاء حدث دولي منتظم متعدد الجهات الفاعلة من دول ومجتمع مدني ومنظمات غير حكومية وشركات، بهدف الاستجابة للتحديات الرئيسة الحالية للسلام بكل معانيه.
وسيسعى المنتدى لسد فجوة العمل بمجال الصحة والانتعاش الاقتصادي وتحقيق التطعيم للجميع، وسيكمل جهود قمة المناخ في غلاسكو عبر تشجيع التخفيف من الانبعاثات بشكل أسرع والمزيد من التكيف، وسيقدم مبادرات جديدة، لا سيما بشأن إدارة مخاطر التغير المناخي.
ويرى مراقبون غربيون أنه لا يمكن أن تتجلى الحاجة الملحة لتحسين التنسيق الدولي بشكل أوضح من الدمار الذي تسببت فيه جائحة كورونا التي أوقعت ملايين الوفيات وتركت الاقتصادات مدمرة في جميع أنحاء العالم.
ويضيف المراقبون أن من غير الممكن إعادة البناء بشكل أفضل دون النجاح في تقليص التصدعات، وسد العجز الذي يهدد إعادة الإعمار، والاستجابة للوباء والأزمة الاقتصادية، وقضية المناخ، والعجز عن تحقيق التضامن بين الشمال والجنوب الذي يهدد صدور قرارات مشتركة بشأن المشاكل العالمية، الأمر الذي ينذر بالمزيد من الانقسام بين دول وشعوب الكوكب.