«لؤلؤة الحرير» عبادات جماعية وأطعمة تقليدية خلال رمضان

alarab
الملاحق 10 مارس 2025 , 01:25ص
هشام يس

«شهر الصوم» تجربة فريدة تجمع بين التراث والدين والمشاركة الشعبية والرسمية
القنوات التلفزيونية تحرص على بث البرامج الدينية والتحدث عن فضل الصيام
الأسواق تشهد ازدحامًا كبيرًا لشراء المواد الغذائية الأساسية والمكونات التقليدية
تفضيل الأطباق التقليدية في الإفطار مثل السمسة وحساء اللحم التقليدي و(الپلوف)
العائلات الشابة تحرص على زيارة الآباء والأجداد لتعزيز الروابط الأسرية

 

أوزبكستان إحدى دول وسط آسيا، وتُطلق عليها ألقاب مثل «مهد الحضارة الإسلامية»، و»أرض القباب الزرقاء»، و»لؤلؤة طريق الحرير». هي مركز تاريخي للعلوم الإسلامية، وُلد فيها علماء كبار أبرزهم الإمام البخاري، وهذا ينعكس على الاهتمام الكبير بالجانب الديني والتعليمي خلال شهر رمضان الفضيل. ورمضان في أوزبكستان يجمع بين الروحانيات الإسلامية والتقاليد الثقافية المتجذرة، مع الحرص على العمل الجماعي سواء في الإفطار أو العبادات، والتضامن الاجتماعي.

وعلى الرغم من التحديات المناخية والتغيرات الاجتماعية الحديثة، تظل العادات التقليدية صامدة، خاصة في المناطق الريفية، مما يجعل رمضان في أوزبكستان تجربة فريدة تجمع بين التراث والدين.
وأوزبكستان دولة ذات أغلبية مسلمة (حوالي 90% من السكان)، وكانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي حتى استقلالها في عام 1991.
والإسلام جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، ويتم الاحتفال بشهر رمضان على نطاق واسع بمشاركة الحكومة والمجتمع.
وتبدأ التحضيرات لاستقبال الشهر الفضيل بتجهيز المساجد، وقبل بداية الشهر يقوم الأوزبك بتجديد منازلهم وتنظيفها، كما يتم ترميم المساجد وتزيينها استعدادًا لاستقبال المصلين، خاصة في صلاة التراويح.
وتشهد الأسواق ازدحامًا كبيرًا لشراء المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والأرز والزيوت والتمور، بالإضافة إلى المكونات التقليدية لتحضير الأطباق الرمضانية.
وتبث القنوات التلفزيونية والإذاعية برامج دينية خاصة برمضان، بما في ذلك دروس دينية وتلاوة القرآن وبرامج تتحدث عن فضل الصيام.   

العمل الجماعي
والصيام لدى الأوزبك من أهم الشعائر الدينية في البلاد، حتى إن الأشخاص الذين قد لا يلتزمون بأداء الصلاة بانتظام غالبًا ما يحرصون على الصيام في الشهر الفضيل.
وفي المدن الكبرى مثل طشقند وسمرقند وبخارى، تمتلئ المساجد بالمصلين لأداء صلاة التراويح، وتُنظم الصلوات بشكل جماعي في المساجد التاريخية الكبرى، كما يُكثر الأوزبك من قراءة القرآن بشكل فردي وفي حلقات جماعية بالمساجد.
والدعاء الجماعي من التقاليد المتوارثة، حيث تجتمع العائلات والأصدقاء للدعاء معًا، خاصة في الأيام الأخيرة من رمضان.
والإفطار الجماعي يعد من أبرز التقاليد الرمضانية في البلاد، حيث تجتمع العائلات والأصدقاء والجيران في المنازل أو المساجد لتناول الإفطار معًا، مما يعزز روح التضامن والمحبة. وتُقدم الأطباق التقليدية مثل السمسة (معجنات محشوة باللحم أو الخضروات)، وحساء اللحم التقليدي (الشوربا)، وطبق الپلوف (وهو عبارة عن أرز مطهو مع اللحم والخضروات، ويُعد الطبق الوطني في أوزبكستان).
والخبز التقليدي (Non) المخبوز في المنزل جزءًا أساسيًا من مائدة الإفطار، بالإضافة إلى التمور والفواكه المجففة التي تُستخدم لكسر الصيام وفق السنة النبوية الشريفة.
ويفضل الأوزبك تناول سحور خفيف قبل صلاة الفجر، يتضمن الخبز والزبادي والشاي الأسود أو الأخضر، بالإضافة إلى بعض الأطباق التقليدية مثل الحساء.
كما تُنظم المدارس الدينية، مثل معهد الإمام البخاري في طشقند، فعاليات خاصة خلال الشهر لتعليم الشباب أحكام الصيام والعبادات.  

عادات اجتماعية
تُعتبر زيارة كبار السن من التقاليد المهمة خلال شهر رمضان الفضيل، وتحرص العائلات الشابة على زيارة الآباء والأجداد لتناول الإفطار معهم، مما يعزز الروابط الأسرية. كما يُكثر الأوزبك من أداء الصدقات، ويُعتبر توزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين من العادات الشائعة لديهم. وتُنظم الجمعيات الخيرية والمساجد موائد إفطار للمحتاجين.
ومن العادات المتوارثة خلال شهر رمضان ذبح خروف للإفطار، وهي عادة فريدة في أوزبكستان، حيث تُذبح الأغنام أحيانًا خلال الإفطار الجماعي، خاصة في المناسبات الكبرى أو في المناطق الريفية، ويُقدم اللحم مع الأطباق التقليدية. كما يُعد الشاي الأسود جزءًا لا يتجزأ من مائدة الإفطار والسحور، ويُقدم عادةً مع الحلويات التقليدية مثل «الحلقوم» أو الفواكه المجففة.  

ليلة القدر
يحرص الأوزبك على قضاء ليلة القدر في الصلاة وقراءة القرآن، وتُنظم الصلوات الجماعية في المساجد.
ومن جانبها، تدعم الحكومة الأوزبكية الاحتفالات الرمضانية من خلال تسهيل إقامة الصلوات في المساجد، وتنظيم الأسواق الرمضانية، وبث البرامج الدينية. كما تُغلق بعض المطاعم خلال النهار احترامًا للصائمين.
ويمتاز الطقس في أوزبكستان بالحرارة الشديدة خلال فصل الصيف، حيث تصل درجات الحرارة إلى 40 مئوية وأكثر، مما يزيد من صعوبة الصيام، خاصة إذا صادف رمضان أشهر الصيف.
كذلك، يواجه الأوزبك تحديات متعددة متعلقة بالتطورات التي يشهدها العالم أجمع، وبدأت بعض العادات التقليدية تتغير في المدن الكبرى مثل طشقند، حيث أصبحت موائد الإفطار أكثر تنوعًا بإدخال أطباق عالمية، لكن المناطق الريفية لا تزال محافظة على التقاليد الأصيلة.  

إجازة رسمية
ومثل باقي الدول الإسلامية، يحصل المواطنون في أوزبكستان على إجازة رسمية في عيد الفطر المبارك، وتُعقد الاحتفالات بالعيد لمدة ثلاثة أيام، مع إقامة صلاة العيد في الساحات العامة والمساجد الكبرى.
وتُقام صلاة العيد في المساجد الكبرى والساحات العامة، ويتم نقلها في كثير من الأحيان على الهواء مباشرة عبر القنوات المحلية.
ويستغل الأوزبك عيد الفطر المبارك لتبادل الزيارات خلال أيام العيد، ويُقدمون الحلويات التقليدية مثل «السومالاك» (طبق مصنوع من القمح المبرعم) والفواكه المجففة، كما يحرص الكثيرون منهم على ارتداء الملابس التقليدية الجديدة، مثل «الدوپي» (القبعة التقليدية) والأزياء المطرزة.  

لؤلؤة الحرير
كانت أوزبكستان مركزًا تجاريًا وثقافيًا هامًا على طريق الحرير التاريخي، حيث كانت مدن مثل سمرقند وبخارى وخيوة محطات رئيسية للقوافل التجارية التي تربط بين الشرق والغرب، لذلك أُطلق عليها «لؤلؤة طريق الحرير».
وتُعرف أيضًا بـ»مهد الحضارة الإسلامية» أو «مركز العلوم الإسلامية»، بسبب دورها التاريخي في تطور العلوم الإسلامية، وهي موطن العديد من العلماء البارزين مثل الإمام البخاري والإمام الترمذي والخوارزمي (مؤسس علم الجبر).
وأوزبكستان هي «بلاد المدن الزرقاء» أو «أرض القباب الزرقاء»، حيث تتواجد التصاميم المعمارية الإسلامية المذهلة في مدن مثل سمرقند، وتشتهر المساجد والمدارس الدينية بقبابها الزرقاء الفيروزية الجميلة، مثل ميدان ريجستان.
وهي «قلب آسيا الوسطى»، نظرًا لموقعها الجغرافي المركزي في منطقة آسيا الوسطى، ودورها السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة.
وكل هذه الألقاب تعكس التنوع والغنى التاريخي والثقافي لهذا البلد الإسلامي المميز.