خفض الإيجارات في مصلحة صاحب العقار والمستأجر
تحقيقات
10 يناير 2016 , 01:54ص
محمد سيد احمد
أشاد مواطنون ومقيمون بتصويت مجلس الشورى على قرار يتوقع أن يسهم بخفض إيجارات العقارات، وقالوا في حديث لـ العرب إن من شأن تطبيق القرار أن ينعكس إيجابا على المستثمر صاحب العقار والمستأجر بدرجة أولى، وإن خفض أسعار الإيجارات يساعد على تعديل كفتي ميزان العرض والطلب المائل منذ سنوات طويلة، حيث تشهد الدولة زيادة مطردة في عدد السكان، في الوقت الذي عجز فيه القطاع العقاري عن مسايرة زيادة السكان السنوية، وارتفعت كلفة الحياة بكافة القطاعات.
ظلت أزمة غلاء الإيجارات في قطر الشغل الشاغل للمواطن والمقيم، وحديث الساعة الذي تدور حوله كل مشاكل سكان دولة قطر التي شهدت منذ عام 2008 موجة غلاء للإيجارات وصفها البعض بالجنونية بعد أن وصلت إلى حد جعل من شبه المستحيل على ذوي الدخل المتوسط والمتدني مواصلة حياتهم الطبيعية والإقامة مع عائلاتهم التي وجدت نفسها مشتتة مع معيلها بسبب عجز أرباب العائلات من المقيمين عن سداد فاتورة إيجارات حرصت الشركات العقارية على ألا تترك للموظف متنفسا.
وأعرب مقيمون عن تمنياتهم بأن يساهم القرار الذي صوت عليه مجلس الشورى في خفض الإيجارات التي شهدت ارتفاعا مهولا منذ سنوات طويلة بشكل أثر على الحياة العامة والخاصة للمواطنين والمقيمين، نتيجة لانعكاس غلاء الإيجارات على جميع مناحي الحياة الاستهلاكية في قطر، فالتجار في المجمعات التجارية وفي محلات السوبر ماركت وغيرها يتذرعون بزيادة الإيجارات السنوية عليهم لرفع أسعار المواد الغذائية والكمالية بشكل جعل الحياة في قطر من الدول الأغلى في المنطقة إن لم تكن في العالم، ووجد معظم الوافدين أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر، إما أن يبقي عائلته معه في قطر، وبالتالي لن يجد فرصة للادخار ولا في الاستغناء عن الديون بسبب غلاء الإيجارات التي تستقطع من راتبه ما لا يقل عن %60، وإما أن يعيد عائلته إلى وطنه ويتقاسم السكن مع مجموعة، رغم ما لهذا القرار من مرارة نفسية ناتجة عن الابتعاد عن العائلة والأولاد. وأكد هؤلاء أن تقسيم الفلل الذي حاربته البلدية نتج عن ارتفاع أسعار الإيجارات، كما أن سكن العزاب وسط العائلات هو الآخر واحد من تجليات الأزمة العقارية في قطر، مشيرين إلى أن إزالة مناطق كاملة للمنفعة العامة قبل إدخال بديل لها أسهم في اختلال ميزان العرض والطلب، بالإضافة إلى زيادة السكان المطردة التي تحتاج إلى نمو قطاع العقارات بشكل سريع ومدروس. ونبه البعض على أن بقاء مئات الوحدات السكنية مغلقة رغم الحاجة إليها واستحواذ مجموعة من السماسرة على الوحدات المعروضة وفرض أنفسهم وسطاء بالغصب أسهم هو الآخر في غلاء الإيجارات، طالبين من الجهات المعنية ضبط هذا القطاع الحيوي إذا ما أريد لهذا القرار أن ينعكس على الاقتصاد الوطني بشكل إيجابي.
قرار طال انتظاره
يقول علي أبو جمعة "مقيم"، إن تصويت مجلس الشورى على قرار خفض الإيجارات قرار طال انتظاره ويعد خطوة في الاتجاه الصحيح، وكان المواطنون والمقيمون ينتظرونه بعد أن اكتووا بنار غلاء الإيجارات وما تسبب فيه من غلاء المعيشة في قطر، وأضاف: كنا ننتظر مثل هذا القرار بفارغ الصبر لإعادة الأمور إلى نصابها، فقد استغل السماسرة وملاك العقارات والمؤجرون من الباطن ظروف الناس حتى جعلوا العديد من أرباب العائلات يعيد أفراد أسرته إلى وطنه لعجزه التام عن سداد إيجار منزل مهما كان تواضعه، فغالبية الموظفين اليوم يصرفون أزيد من %50 من رواتبهم مقابل سكن لا يزيد على غرفتين قد لا تتسعان لأفراد العائلة المكونة من 5 أو 6 أفراد، وفي اعتقادي أن إدراك الجهات المعنية لمخاطر غلاء الإيجارات على الاقتصاد الوطني ومساهمته في طرد الاستثمار الأجنبي يعد دليلا على شره سماسرة العقارات الذين حطموا آمال الوافدين وأسهموا في آلامهم ومشاكلهم المالية التي دخلوا فيها، والسؤال المطروح اليوم، بعد هذا القرار التاريخي والشجاع، هل سيكون هناك قانون يطبق بصرامة بحيث لا يستطيع ملاك العقارات رفع إيجاراتها كل سنة؟ وهل يعقل أن ترفع الإيجارات كل سنة في الوقت الذي تبقى فيه رواتب الموظفين ثابتة؟ حقيقة لا أعتقد أن أحدا يجهل مخاطر ارتفاع الإيجارات على الاقتصاد بشكل عام، فبالإضافة إلى كون غلاء الإيجارات طارد للاستثمار الأجنبي، فهو يؤدي أيضا إلى رفع أسعار السلع الاستهلاكية وتراجع الإقبال عليها، نتيجة لتراجع القوة الشرائية الناتجة عن عودة آلاف العائلات إلى أوطانها بعد ما عجز معيلوها عن دفع فواتير الإيجارات المبالغ فيها، بما يعني أن الدورة الاقتصادية متكاملة ولا يمكن فصل بعضها عن بعض، لذا نتمنى ألا يكون الأمر خاصا بالمحلات التجارية، فالمساكن أولى وأكثر تأثيرا على الاقتصاد الوطني.
صورة قاتمة
بدوره، يرى عوض عبدالعالي أن الصورة ما زالت قاتمة وصعبة للغاية، ذلك أن القرار تناول خفض الزيادة السنوية فقط، ولم يوقف هذه الزيادة غير المبررة على الإطلاق، فالدورة الاقتصادية يجب أن تسير مع بعضها، فإذا كانت هناك زيادة على السكن كل عام فلم لا تزاد الرواتب بنفس النسبة، فمنذ سنوات والوافدون يدفعون %60 من عرق جبينهم وكدحهم لملاك العقارات مقابل وحدات سكنية غير مفروشة، ولا تستحق أكثر من 3000 آلاف كحد أقصى، لكن ما حصل أن مدناً كاملة أزيلت من أجل تطوير مناطقها أو مصادرتها للمنفعة العامة، وهذه الوحدات التي كانت موجودة عندما أزيلت لم تدخل مكانها وحدات جديدة، وهو ما كان سببا في ارتفاع الطلب على السكن، مقابل عرض ضئيل، يطلب فيه المستثمرون العقاريون أرقاما خيالية، ثم يدخل الوسيط ليضع هو الآخر مبلغا على نفس العقار، مما جعل الموظف الوافد يعمل من أجل دفع الإيجار وما يسد به رمقه، إذ من غير المعقول أن يكون موظفا يتقاضى راتبا لا يقل عن 15 ألف ريال، وزوجته موظفة تتقاضى راتبا وبالكاد يبقى لهم بعد الإيجار ما يعيشون به، خصوصا وأن ارتفاع الإيجار ينعكس على سلبيا على معظم مناحي الحياة، فالمدارس ترفع رسومها، والمواد الاستهلاكية ترتفع، وحجة التجار دائما هي أن الإيجارات ترفع عليهم سنويا، وبالتالي لا بد لهم من مبلغ يعوضون به تلك الزيادة، والضحية في هذا كله هو المستهلك، مواطنا كان أو مقيما، وهذا ما دفع بالعديد من العائلات الوافدة إلى الاشتراك في سكن ضيق لا يوفر الخصوصية العائلية التي تحتاجها كل عائلة، كما أن العزاب بدؤوا في مشاركة السكن عن طريق استئجار شقة بما يناهز 8 آلاف ريال، توزع أحيانا على 10 أشخاص أو أكثر لتخفيف أعباء المعيشة، وبغير هذا التصرف لن يتمكن الوافد من ادخار أي مبلغ يعود به إلى بلاده، أو يؤمن نسبة من مستقبل أبنائه في حالة ما إذا استغني عن خدماته، علما بأن الادخار هو الهدف لكل الوافدين، وهذا شيء طبيعي، إذ لا يمكن لشخص أن يتغرب عن وطنه سنوات طويلة ثم يعود إليه خالي الوفاض وقد تقدم به العمر، من هنا أرى أن قرار مجلس الشورى بداية خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن متى سيصبح قانونا نافذا وهل هناك آليات لتطبيقه حتى ينعكس على الوضع بشكل عملي؟
يتلاعبون بالسوق
من جانبه، يرى صالح الخوار أن مستثمرين من جنسيات عربية وآسيوية يلعبون بسوق العقارات كما يحلو لهم، فمع تزايد معدلات غلاء الإيجارات وبعد أن أصبح الوضع مستساغا ومتفهما، بدأ سماسرة أجانب يجوبون أنحاء الدوحة والمدن الأخرى للبحث عن العقارات الجديدة التي على وشك دخول الخدمة، يقوم أحد هؤلاء أو مجموعة بالاتصال بالمالك، ويعرضون عليه سعرا محترما للوحدات السكنية، فيقبل مالك العقار الذي لا يملك وقتا للبحث عن مستأجرين ولا لتحصيل الإيجار من كل شخص، مفضلا التعامل مع شخص واحد يضمن له وضع المبلغ المتفق عليه كاملا في حسابه كل شهر، ثم يقوم هؤلاء الأجانب بعرض الوحدات السكنية بسعر أعلى من السعر الذي أخذوها به من عند المالك، كما يقومون بتقسيم كل ما يمكن تقسيمه إمعانا في تحصيل أرباح سريعة، وهكذا، فهؤلاء هم الخطر الحقيقي على قطاع العقارات، باستثناء شركة عقارية أو اثنتين تمارسان العمل بشكل منظم، لكنهما ترفعان الإيجار على الجميع كل سنة.
ولفت إلى أن الحيرة تتملكه عندما يرى عشرات المجمعات الجديدة مغلقة، وعندما يسأل عن الأسباب تكون الإجابة أن المالك لا يتعامل مع الأفراد، فهو ينتظر أن تؤجرها الحكومة، أو شركة من شركات المقاولات لعمالها، ولو بقيت تلك الوحدات مغلقة لسنوات، فرغم أن معظم الوحدات السكنية أو العمارات المخصصة للاستثمار فارغة، إلا أن أصحابها لا يتنازلون عن السعر الذي وضعوه هم بدون الاستناد إلى دراسة، وهو ما يجعل المستأجر في حيرة من أمره وكأن هناك إصراراً من قبل ملاك العقارات على استقطاع مرتبات الوافدين مهما كلف الأمر، وإذا ما أردنا لهذا القرار أن يؤثر على وضعية القطاع العقاري فينبغي سن قوانين تنظم السمسرة بشكل يحول بين هؤلاء الوسطاء وبين التلاعب بالأسعار والاستفراد بجيوب المستأجرين.
أما محمد بكر فقد استبشر بالقرار، مؤكداً أن نتائجه الإيجابية على الإيجارات ستكون ملموسة في الوقت القريب، وأشار إلى أن أسعار الإيجارات لم تكن عادلة وأضرت بالمستهلك الذي حاصرته الأزمات المالية نظرا لاقتطاع السكن نسبة كبيرة من راتبه، وهذا ما انتبهت له الحكومة مشكورة وبدأت في تصحيح الوضع الذي لا يقتصر ضرره على المستأجر، بل يتعداه إلى كل سكان الدولة، نظرا لارتباط الموضوع بالأسعار العامة.
القرار لصالح المستثمر
حول هذا الموضوع يقول الخبير العقاري أحمد العروقي، إن قرار مجلس الشورى جاء في الوقت المناسب، مؤكداً أنه ستكون له انعكاسات إيجابية لصالح المستثمر العقاري والمستأجر، ذلك أن خفض أسعار الإيجارات يساعد على تعديل كفتي ميزان العرض والطلب المائل منذ سنوات طويلة، حيث تشهد الدولة زيادة مطردة في عدد السكان، في الوقت الذي عجز فيه القطاع العقاري عن مسايرة زيادة السكان السنوية، وهو ما جعل الطلب أعلى بكثير من العرض، وبالتالي استغل ملاك العقارات هذا الوضع لرفع الإيجارات منتهزين فرصة لا يدركون أن أبعادها الاقتصادية ستطالهم مع الجميع، فهم في نهاية المطاف يعيشون في قطر ويتضررون من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية التي كان لهم دور في ارتفاعها عن طريق رفع أسعار إيجارات المحلات التجارية، من هنا انتبهت الحكومة واتخذت هذا القرار الذي يصب في مصلحة الجميع.
وأضاف العروقي أن أسعار الإيجارات وصلت إلى حد لم يعد معقولا، سواء أكانت سكنية أو تجارية، وهو ما عانى منه المواطنون والمقيمون، فعلى الجانب التجاري لا بد من زيادة الوحدات التجارية وتوزيعها على جميع المناطق، بعد أن كانت شبه محصورة في منطقة واحدة، مما تسبب في زحمة السير الخانقة التي نراها يوميا، أما الجانب السكني هو الآخر فقد طرد غلاء الإيجارات الكثير من الاستثمارات، نظرا لوجود الكثير من الوحدات السكنية خارج الخدمة لعزوف الجمهور عن تأجيرها بعدما وضع لها ملاكها أسعارا خيالية لا يمكن دفعها من طرف موظف مهما كان راتبه، واعتبر العروقي أن القرار عندما تصادق عليه الحكومة ويبدأ تطبيقه سيساهم في إنعاش الاقتصاد بشكل عام، وسيرفع وتيرة بناء الوحدات السكنية وتأجيرها، لأن ملاك الأراضي سيجدون فرصة بنائها عندما تنخفض أسعار مواد البناء تأثرا بانخفاض إيجارات المحلات التجارية والمخازن، وهذا ما جعلنا ننبه إلى أن غلاء أسعار الإيجارات ضرره أكبر من نفعه.