نعمل مع وزارة التعليم لإثراء المناهج المدرسية بعلوم الجينوم
قطر الوحيدة في المنطقة المشاركة في دراسة «نيتشر» العالمية حول الجينات المتعلقة بشدة أعراض «كوفيد- 19»
نخطط خلال السنوات الخمس المقبلة لرسم الخريطة الجينية لـ 100 ألف مواطن قطري
استجابة الدولة لمواجهة الوباء من بين الأفضل عالميا
خطة عمل لاكتشاف أنواع السرطانات الوراثية المنتشرة في قطر
أكد الدكتور سعيد إسماعيل - مدير برنامج قطر جينوم - عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، أن دولة قطر هي الوحيدة في المنطقة المشاركة في دراسة «نيتشر» العالمية حول الجينات المتعلقة بشدة أعراض فيروس كورونا «كوفيد– 19»، منوها بالتعاون بين برنامج قطر جينوم مع جامعة قطر ووزارة الصحة العامة في الكشف عن التسلسل الجيني لمتحورات فيروس كورونا. وشدد مدير برنامج قطر جينوم على أن استجابة دولة قطر لمواجهة جائحة كورونا من بين الأفضل عالميا.
وكشف د. سعيد إسماعيل عن عمل برنامج قطر جينوم مع وزارة التعليم والتعليم العالي من أجل إثراء المناهج المدرسية بعلوم الجينوم، مشيرا إلى أن البرنامج يخطط لرسم الخريطة الجينية لـ 100 ألف مواطن قطري خلال الخمس سنوات المقبلة. كما كشف عن خطط للعمل على اكتشاف أنواع السرطانات الوراثية المنتشرة في قطر، والانتقال من البحث للتطبيق السريري بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية وسدرة للطب.. وإلى نص الحوار:
ما هي آخر المستجدات في قطر جينوم؟
تنقسم المستجدات في قطر جينوم لعدة محاور، الأول هو أننا وصلنا إلى ما يقارب 22 ألف جينوم كامل، وهذا يضعنا ضمن المشاريع الأكبر عالمياً، وبالطبع الأكبر في المنطقة، أما المحور الثاني فيتعلق بالدراسات والأوراق البحثية التي صدرت خلال الفترة الماضية، ونُشرت في كبرى المجلات الطبية العالمية، وذلك بالاستعانة بالبيانات التي يوفرها قطر جينوم.
وقد شاركنا خلال الفترة الأخيرة بالجهد الوطني للتصدي لجائحة فيروس كورونا «كوفيد– 19»، بالكشف عن العوامل الجينية التي تجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة للمضاعفات مقارنةً بغيرهم، وهو ما لاحظه الكثيرون خلال الفترة الماضية، فنجد حالات لا تحتاج إلى رعاية طبية، في حين أن حالات أخرى تحتاج للدخول للعناية المركزة، وهذا احتاج إلى تجمع بحثي جيني دولي يتعلق بالعوامل الوراثية، وقطر هي الدولة الوحيدة في المنطقة المشاركة في هذه الدراسة العالمية التي تم نشرها في المجلة العلمية المرموقة «نيتشر».
وقد عملنا أيضاً بالتعاون مع جامعة قطر ووزارة الصحة العامة في الكشف عن التسلسل الجيني لمتحورات فيروس كورونا «كوفيد– 19»، فشاركنا في الجهود العالمية والمحلية على حد سواء.
ونساهم مع مدارس مؤسسة قطر وكذلك وزارة التعليم والتعليم العالي من أجل إثراء محتوى مواد العلوم بمادة غنية عن علم الجينات، لتكون في المناهج المدرسية.
دراسة الطفرات الشائعة
ما أهمية دراسة الجينوم القطري؟
نعمل على دراسة الطفرات الشائعة في المجتمع القطري، للتعرف على الكثير من الأمراض التي تصيب القطريين والعرب ومختلف الجاليات التي تعيش في قطر، ولتشخيص مرض معين على نحو دقيق يتعين أن تتعرف على الطفرات الشائعة في المجتمع، فلا يمكنك أن تشخص مرضا في قطر بناءً على معلومات جينية من أوروبا أو من منطقة أخرى.
والطفرات التي اكتشفناها عن الأمراض الشائعة في قطر ستمكننا من تشخيص أفضل للأمراض، وفي هذا السياق وضعنا كل هذه الطفرات على شريحة تشخيصية تسمى «Q-Chip»، وستستخدم هذه الشريحة في الكشف عن الطفرات المرضية في المستقبل القريب.
وعلى المستوى العلاجي.. بدأنا بدراسات أولية عن مدى ملاءمة العلاج المصروف للمكون الوراثي لشخص ما بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية، والأمثلة تشمل الأدوية التي تستخدم بشكل شائع لتخفيض الكوليسترول، ومن المعروف أن هذه الأدوية تستخدم على نطاق واسع، وهناك نسبة ممن يتلقون هذه العلاجات يصابون بأعراض خطيرة، فإذا أجريت فحصا بسيطا للمكون الوراثي للعلاج، فقد تتجنب الأعراض الخطيرة.
وأود أن أوضح أنه ليس كل الحالات المصابة بمرض ما يمكن أن تحصل على نفس الدواء، فبعض الحالات لا يصلح معها هذا الدواء لما قد يسببه من أعراض جانبية خطيرة، وهذا الأمر يمكن الوصول له عن طريق فحص وراثي بسيط، وهو أول مشروع تجريبي من أجل دمج علم الجينوم في الرعاية الطبية.
هل من أمثلة على ذلك؟
بالطبع.. على سبيل المثال مرضى القلب ممن يحصلون على مميعات الدم، ولكن من يتلقون هذه الأدوية تختلف الجرعات من مريض لآخر، والإجراء الاعتيادي في ذلك، أن يبدأ الطبيب بجرعة بسيطة يزيدها شيئاً فشيئاً بعملية قد تصل لأسابيع أو لأشهر من أجل الوصول للجرعة الملائمة.
البدء بجرعة بسيطة ومن ثم زيادتها لها وجهان للخطورة، فإن كانت الجرعة التي يبدأ بها صغيرة جداً يمكن ألا تكون فعالة فيعرض المريض للتجلطات، وإن وصل الطبيب بالجرعة لمستويات عالية فقد يسبب تميعا في الدم لدى بعض المرضى، وبالتالي أعراض جانبية شديدة على المرضى.
وبدلاً من الخضوع لهذه التجارب، فقد وصلت الدراسات إلى أن المورثات أو الطفرات الجينية يمكن أن تحدد بدقة الجرعات المناسبة، فتتم دراسة المورثات الجينية في المجتمع القطري، وبالتالي قبل البدء في العلاج نعرف من جينات المريض ما هي الجرعة المناسبة له بصورة دقيقة، وهو ما عملنا عليه خلال السنوات الخمسة الماضية وصولاً للتطبيق العملي على الجانب السريري.
دراسة الطفرات الجينية
هل من إسهام لدراسة الجينوم في الوقاية؟
بالطبع.. بعد دراسة الطفرات الجينية المسببة للأمراض في قطر، نطمح بأن يصبح لدى الطبيب المعالج فكرة كاملة عن المشكلات الصحية التي قد تصيب بعض الأشخاص دون غيرهم، وأنهم أكثر عرضة للإصابة بمرض ما، فيستطيع الطبيب أن يحذر المراجع، فيأخذ الإجراءات الوقائية قبل حدوث ذلك، فبعضنا معرض وراثياً للإصابة بالأمراض أكثر من غيره، لذا فالوقاية من الأهداف التي يعمل عليها الطب الدقيق بجانب التشخيص والعلاج.
كم تسلسل جيني «جينوم» تخططون لإضافتها خلال السنوات المقبلة؟
نخطط خلال السنوات الخمسة المقبلة لرسم الخريطة الجينية لـ 100 ألف مواطن قطري، وهذا العدد يمثل ما يقرب من 30% من القطريين، وهذه النسبة ستكون من الأعلى في العالم.
2500 جينوم لمواطنين عرب
وكم عدد عينات الجينوم التي تم جمعها من المقيمين العرب؟
أنهينا تقريباً 2500 جينوم لمواطنين عرب من مختلف أنحاء الوطن العربي، ونحن بصدد تحليل هذه البيانات، وبالتالي التوسع فيما اكتشفناه بالنسبة للجينوم القطري في المحيط العربي، وسيكون ذلك مفيداً ويصل صداه وأثره الإيجابي للدول المحيطة التي لم تجر هذه الدراسات، لتساهم قطر في البحث العلمي وتحسين الرعاية الطبية في الوطن العربي ككل.
حدثنا عن تعاون قطر جينوم مع مؤسسات الدولة؟
لدينا شراكات قوية مع موفري الرعاية الطبية، كمؤسسة حمد الطبية ومع سدرة للطب، ومؤخراً وقعنا اتفاقية مع مؤسسة الرعاية الصحية الأولية، وفي المجال البحثي الأكاديمي لدينا علاقات قوية مع جامعة حمد بن خليفة ومراكزها البحثية وكذلك مع الجناح البحثي في سدرة للطب ومع جامعة قطر، وكذلك كلية طب وايل كورنيل.
زواج الأقارب
هل يمكن لقطر جينوم أن يسهم في تفادي الأمراض التي تنتشر بسبب زواج الأقارب؟
بالطبع.. زواج الأقارب منتشر في كافة الدول العربية، ومنها قطر، والكثير من هذه البلدان تحرص على إجراء فحوصات ما قبل الزواج للمقبلين على الزواج، وهذه الفحوصات تركز على بضعة أمراض في الوقت الحالي، ودراسة الجينوم القطري يجعلنا قادرين على رسم خريطة جينية كاملة للقطريين، الأمر الذي يمكننا من تجنب الأمراض الوراثية عن طريق إضافة فحوصات أخرى نجد ضرورة لإضافتها على الفحوصات الحالية.
ماذا عن جهد قطر جينوم خلال جائحة كورونا؟
استجابة قطر كانت من الأفضل في المنطقة، بل من بين الأفضل في العالم، وكان اهتمام الدولة ليس فقط بالجانب العلاجي، بل بالبحث العلمي أيضاً، بالتالي كنا جزءا بالتعاون مع المؤسسات البحثية في الدولة في هذا الجهد الوطني منذ بداية الجائحة.
وشاركنا في توفير التكنولوجيا القادرة على اكتشاف المتحورات في تعاون بين قطر جينوم وجامعة قطر ووايل كورنيل قطر.
كما بحثنا في الجينوم القطري وشاركنا في التجمع البحثي العالمي الأكبر الذي يعمل على كشف ما هي الطفرات والمتغيرات الجينية التي تؤدي إلى ظهور أعراض شديدة وبالتالي يكون هناك حاجة لرعاية طبية مشددة، وهذا البحث تطلب مشاركة العديد من الدول، وكانت من بينها دولة قطر، في دراسة ضخمة صدرت خلال الأيام القليلة الماضية، واسم قطر فيها هو الوحيد من المنطقة العربية، وقد اكتشفنا 13 جينا مختلفا يكون سبباً في شدة المرض عند الشخص المصاب.
التصدي للسرطان
كيف سيسهم قطر جينوم في التصدي لأمراض السرطان في قطر؟
ضمن الخطة المستقبلية لدينا في قطر جينوم التركيز على الأمراض الأكثر شيوعاً في قطر، ومنها السرطان، إضافة إلى السكري وأمراض القلب والأمراض الوراثية المختلفة، والسرطان هو واحد من الأمراض التي تلقى اهتماما بالغا، وخلال الخمس سنوات المقبلة سنبحث في السرطانات الأكثر شيوعاً، وقد بدأنا في الكشف عن الطفرات المسببة لسرطان الثدي، وهو الأكثر شيوعاً في قطر.
وضمن شراكتنا مع مؤسسة حمد الطبية، ننتقل من مجال البحث للتطبيق لإدخال الطفرات التي اكتشفها قطر جينوم في نظام الرعاية الصحية، وبالتالي الكشف المبكر لسرطان الثدي، ما يمثل أكثر من نصف العلاج.
ونخطط خلال المراحل المقبلة للعمل على اكتشاف أنواع السرطانات الأخرى المنتشرة في قطر.
تعاون مع مؤسسات عربية
هل من تعاون بين قطر جينوم ومؤسسات دولية وعربية؟
على المستوى الدولي لنا شراكات مع البرامج الأكبر حول العالم، منها برنامج الجينوم في بريطانيا، وهو البرنامج الأكبر في العالم، والتواصل بيننا وبينهم وثيق، وفي المنطقة العربية، كان لدولة قطر الريادة في هذا البرنامج، ونحن منفتحون على أي تعاون مع ببرامج أخرى بكل الطرق الممكن التي قد تفيد الطرفين.
حدثنا عن الخطط المستقبلية لبرنامج قطر جينوم؟
في الخمس سنوات الأولى من البرنامج ركزنا على تأسيس قاعدة بيانات عن الجينوم القطري تمكننا من اكتشاف الطفرات المسببة للأمراض الشائعة في قطر على المستوى البحثي، وخلال الفترة المقبلة سننتقل من البحث للتطبيق السريري بمحاولة نقل هذه المعلومات لنظام الرعاية الصحية في قطر لصياغتها على شكل خدمات بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية وسدرة للطب.
د. سعيد إسماعيل.. في سطور
الدكتور سعيد إسماعيل، يشغل حالياً منصب مدير برنامج قطر جينوم، تكمن خبرته وأبحاثه في مجالات البيولوجيا الجزئية وعلم الوراثة، مع التركيز على علم الوراثة السرطانية والطب الدقيق وفحص وتوصيف الطفرات المرتبطة بالأمراض للسكان العرب.
يتمتع الدكتور إسماعيل بخبرة عملية في مختلف المجالات بما في ذلك البحث والتعليم والاستشارات. عمل كمستشار للعديد من شركات الأدوية والتكنولوجيا الحيوية الإقليمية والدولية. كما ترأس الدكتور إسماعيل المختبر المرجعي للتشخيص الجزيئي في مستشفى الجامعة الأردنية، وكان عضوًا في مجلس إدارة الاستشارات المحلية، مجلس الاتحاد الدولي للجمعية الأمريكية لعلم الأمراض السريرية. وهو أول رئيس ومؤسس مشارك للجمعية الدولية لأبحاث الأبتمرات (سلسلة الحمض النووي)، وهو أيضًا عضو هيئة تحرير في العديد من المجلات الدولية.
للدكتور إسماعيل اهتمام خاص بتشجيع البحث بين الطلاب الشباب. أطلق مبادرة «بالعربى»، أحد أكبر الجهود لتعزيز المحتوى الطبي العربي على الإنترنت، وهو أيضًا عضو مجلس إدارة مؤسسة فاي للعلوم، الذي يهدف إلى تشجيع الطلاب الصغار على متابعة مسارهم التعليمي في البحوث.
فاز الدكتور إسماعيل بجائزة مؤسسة سعيد للباحثين العرب الشباب في المملكة المتحدة. وحصل على جائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب في العلوم الطبية الحيوية في عام 2013. وهو يحمل الدكتوراه من جامعة أكسفورد البريطانية.