المتحف الوطني.. سفينة تبحر بتاريخ أمة

alarab
محليات 09 مايو 2025 , 01:26ص
علي حمد المري

حين تقترب من متحف قطر الوطني، لا تقف أمام مبنى عادي، بل أمام تحفة فنية تحكي للعالم بأسره قصة قطر منذ أن كانت رمالها الشاسعة مسرحًا لحكايات البدايات الأولى. بتصميمه المستوحى من «وردة الصحراء”، نجح المعماري العالمي جان نوفيل في أن يحوّل الصحراء إلى قصيدة حجرية خالدة، تبحر عبر الزمن كما لو كانت سفينة من الرمال تتحدى الزمن وتحتفي بالهوية. يقف المتحف وسط الدوحة شامخًا، كأنه شاهد حي على تحولات وطنٍ يعرف كيف يصون ذاكرته وهو يشق طريقه نحو المستقبل.
في كل زاوية من زواياه، وفي كل منحنى من منحنياته، تنبض روح قطر؛ حيث تتقاطع قصص الأسلاف مع ملامح العصر الحديث، في تناغم بديع قل نظيره.
يمتد المتحف على مساحة تفوق الأربعين ألف متر مربع، ليقدّم رحلة سردية بصرية تأخذ الزائر من أعماق ما قبل التاريخ، مرورًا بفترات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، إلى اكتشاف النفط والنهضة الشاملة التي تشهدها البلاد اليوم.
ليس مجرد استعراض للأحداث، بل بناء روحي لذاكرة وطنية حية. وكما يقول جان نوفيل نفسه، و“ليس الهدف من المتحف أن نعرض مقتنيات صامتة، بل أن نبث الحياة في القصص التي شكلت الأمة.”
عبر تقنيات عرض حديثة تجمع بين المؤثرات السمعية والبصرية، تتحول الزيارة إلى تجربة تفاعلية كاملة.
الزائر هنا لا يراقب المشاهد فقط، بل يعيشها، وكأنه يعبر الزمن إلى خيم الأجداد، ويبحر مع البحارة في عمق الخليج، ثم يسير مع القادة وهم يرسمون ملامح النهضة.
ما يميز متحف قطر الوطني أيضًا، أنه لا يكتفي بأن يكون حارسًا للتراث، بل يتبنى دورًا ثقافيًا فاعلًا في الحاضر؛ حيث يحتضن المعارض الفنية، والحوارات الثقافية، والفعاليات العالمية التي تكرّس مكانة قطر كمركز للحوار الحضاري والانفتاح الثقافي.
إنه رسالة بصرية تقول لكل من يطأ أرض الدوحة: “هنا وطن يعرف ماضيه، ويفخر بحاضره، ويؤمن بمستقبل يصنعه بيديه.”
وفي عالم يتسابق نحو الحداثة بلا جذور، تبقى سفينة الرمال القطرية تبحر بثبات، حاملة في قلبها عبق الصحراء، ونبض البحر، وإرادة لا تعرف الانكسار.