إحياء ليالي رمضان بالطبول والأغاني الدينية و«زفة المسحراتي» لإيقاظ الناس
عقد تجمعات في المدن لختم القرآن الكريم في المساجد والمنازل والمدارس الدينية
الأغنياء يساعدون الفقراء بالطعام والمال ويستغلون الشهر لإخراج الصدقات
الإفطار في المدن يبدأ بالتمر والماء ثم أطباق غانية شعبية مثل «الكينكي» و«الفوفو»
«ساحل الذهب» هو اللقب الذي تشتهر به دولة غانا منذ زمن بعيد، هذا البلد، الذي استقبل الإسلام منذ القرن الثامن الميلادي، ويتميز رمضان فيه بطابع يمزج بين الروحانيات الإسلامية والنكهة الثقافية المحلية، مع لمسة من التعايش السلمي والمحبة بين الأديان.
«ساحل الذهب» متعدد الديانات - حيث المسيحية هي الديانة الأكثر انتشارًا - وغالبًا ما يشارك غير المسلمين في تقديم التهاني أو دعوة جيرانهم المسلمين للإفطار، مما يعزز الأجواء الاحتفالية.
والإسلام في غانا هو ثاني أكبر ديانة، إذ يشكل المسلمون حوالي 19.9% من السكان وفق إحصاءات 2021، ومعظمهم من أهل السنة والجماعة يتبعون المذهب المالكي.
مظاهر الاحتفالات
يبدأ المسلمون في غانا الاستعداد للشهر الفضيل قبل حلوله بأيام بتنظيف المنازل والمساجد وشراء المواد الغذائية الأساسية مثل التمر والأرز والذرة.
وتشهد الأسواق في المدن الكبرى، مثل أكرا وكوماسي، حركة نشطة للتزود بالمؤن. وفي بعض المناطق، خاصة الأحياء ذات الغالبية المسلمة مثل زونغو، تُحيى ليالي رمضان بطقوس تشبه المسحراتي في الدول العربية، حيث يتجول الشباب قبل الفجر بالطبول والأغاني الدينية لإيقاظ الناس للسحور، في تقليد يُعرف أحيانًا بـ»زفة المسحراتية».
ويحرص المسلمون على أداء الصلوات الخمس في المساجد، خاصة في رمضان، وتُقام صلاة التراويح في المساجد الكبرى بمدن مثل أكرا وتامالي، حيث يتجمع الناس للصلاة وقراءة القرآن.
أما في المناطق الريفية، فتكون المساجد أبسط، مع استمرار الالتزام بالتراويح، ويجتمع البعض لختم القرآن خلال الشهر في المساجد أو الحلقات المنزلية، وهو نشاط أكثر شيوعًا في المدن بسبب وجود المدارس الدينية.
ويحرص الأغنياء على مساعدة الفقراء بتقديم الطعام أو المال، خاصة في الأيام الأخيرة من رمضان، حيث يُعد الشهر الفضيل فرصة لإخراج الصدقات وزكاة الفطر.
الإفطار والسحور
لا يستخدم الغانيون الخبز أو منتجات الألبان بشكل واسع في مطبخهم التقليدي، خاصة في الريف، بسبب الحرارة وصعوبة التخزين، بينما يُذبح اللحم الطازج يوميًا لضمان جودته.
ويلتزم المسلمون بالسنة النبوية الشريفة في الإفطار بتناول التمر والماء عقب أذان المغرب، ثم تتبعه أطباق غانية شعبية مثل «كينكي» (سمك مخمر ومقلي) مع صلصة الفلفل الحارة، أو «فوفو» (عجينة من اليام أو المانيوك) مع حساء خفيف من الخضراوات أو السمك.
وفي أكرا، قد يُضاف الأرز المتبل (مثل الأرز الجollof) كطبق رئيسي، مع مشروبات شائعة مثل عصير الزنجبيل أو «زوبيا» (مشروب محلي من الحبوب).
وفي المناطق الريفية، تعتمد وجبة الإفطار على المكونات المحلية؛ ففي الشمال الجاف تكثر الحبوب مثل الذرة والدخن، ويُفضل «تو زافي» (عجينة الذرة مع صلصة الخضار)، بينما يشيع استخدام الأسماك الطازجة أو المجففة في الحساء قرب الساحل أو بحيرة فولتا.
أما السحور في المدن الكبرى، فيفضل فيه وجبات خفيفة مثل عصيدة الذرة («كوكو» أو «هاوسا كوكو») مع الحليب أو السكر، إلى جانب الخبز المحلي أو بقايا الإفطار.
ويعتمدون في الريف، على وجبات بسيطة كعصيدة الذرة أو الأرز المسلوق مع الفول السوداني، والتمر أقل شيوعًا بسبب تكلفته، لكن قد تُستخدم فواكه محلية مثل الموز.
الأغذية المستوردة
تنتشر المواد الغذائية المستوردة مثل الحليب المجفف والتمر في المدن بفضل الأسواق الكبرى والسوبرماركت، حيث تكون الاحتفالات برمضان أكثر تنظيمًا مع فعاليات دينية واجتماعية في المساجد والمراكز الإسلامية.
وفي المناطق ذات الكثافة المسلمة العالية، مثل شمال غانا، تظهر الطقوس الدينية بوضوح أكبر مقارنة بالجنوب. أما في القرى والريف، فتكون الاحتفالات أبسط، وتركز على العبادة الفردية أو العائلية، وتقل الفعاليات الجماعية بسبب تباعد القرى ومحدودية الموارد، مع الاعتماد على المنتجات المحلية في الطقوس والوجبات.
دخول الإسلام
وصل الإسلام إلى المناطق التي تشكل غانا الحديثة عبر التجارة والتبادل الثقافي، وليس بالفتوحات كما في شمال إفريقيا.
وبدأ الانتشار في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين عبر التجارة الصحراوية التي ربطت إمبراطورية غانا القديمة (التي لا تتطابق حدودها تمامًا مع غانا الحديثة) بالمغرب والمشرق الإسلامي، حيث جلبها التجار العرب والبربر. ووصف المؤرخ البكري في كتابه «المسالك والممالك» وجود تجار مسلمين في عاصمة الإمبراطورية يمارسون شعائرهم في أحياء منفصلة، بينما ظل الحكام والشعب على دياناتهم التقليدية.
وزاد تأثير الإسلام مع الدولة المرابطية (1040-1147 م) التي نشرت المذهب المالكي، ثم عززته إمبراطورية مالي في القرن الرابع عشر عبر مانسا موسى، فاستقر الإسلام في شمال غانا بين الداغومبا والمامبروسي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بفضل تجار الماندي والهاوسا.
وفي القرن التاسع عشر، عززت هجرة الهاوسا والفولاني وجود الإسلام في أحياء الزونغو بمدن مثل أكرا وكوماسي.