رحلة في قلب الصين.. «ورشة العالم»

alarab
اقتصاد 08 نوفمبر 2024 , 01:21ص
يوسف بوزية

في رحلة الطائرة من أورومتشي إلى بكين، كنت أستذكر ما أعرفه عن هذه المدينة المستلقية في أحضان الحزب الشيوعي، العاصمة الوطنية الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم، «مملكة الدراجات» الهوائية المتاحة في قارعة الطريق، وأتصفح دراسة أجنبية مترجمة عن هوس الصينيين بالثقافة والصينيات بالنحافة.
الناس في مطار داشينغ الدولي أكثر لطافة وأقل نحافة مما تزعمه الدراسة، والبسمة تعلو شفاه العاملين في أنحاء المطار كافة، باستثناء موظفي الأمن الذين يعتمدون نظام «الهيئة الصارمة» بدلاً من «الابتسامة العريضة» أثناء تأدية مهامهم، مع تحلّيهم بإظهار الجد أكثر من الود، ربما خشية أن يوحي توزيع الابتسامات بوجود «ثغرات» في ثاني أكبر مطار في الصين.
بعد اجراءات روتينية سريعة في المطار، شملت الوقوف أمام جهاز التفتيش اليدوي، أشار لي الموظف الأخير مُرحّباً بالمرور، ابتسمت له مع انحناءة شكر وتعبير عن عدم وجود أي نوايا عدائية مسبقة تجاه الصين.
كان صوت المطر يطرق بلطف على نوافذ الحافلة التي أقلتنا إلى فندق «راديغاست» في الحي التجاري المزدحم شرق المدينة، وكأنه يعزف أنشودة ترحيبية أخرى بالوفد الإعلامي المكون من 20 صحفياً، ما خلق جواً أريحياً ومريحاً للتغلب على «مرمطة» السفر.

العاصمة المشجرة
في صباح اليوم التالي، يطالعني مشهد تدفق الناس بانتظام في شوارع العاصمة المشجرة والمقسمة في معظمها الى ثلاثة مسارات متفاوتة: مسار السيارات الصغيرة والحافلات، مسار الدراجات الهوائية، ومسار المشاة. وأي تجاوز بين هذه المسارات يمثل خرقاً فاضحاً للقانون، يستدعي حصولك على نقطة سوداء في سجلات «المواطنة الصالحة»، ما يعني، عملياً، تقليص امتيازات المواطنة التي تحظى بها، بما فيها «احتمال» منعك من ركوب الرحلات الجوية والمواصلات العامة، بسبب «عدم الجدارة بالثقة».
أثناء تجولنا بالحافلة في شوارع المدينة، أثار انتباهي كمية وجودة الغطاء الأخضر على جانبي الطرق والمناطق السكنية، ما يعكس حرص حكومة بكين على تعزيز بيئتها الطبيعية من خلال زراعة العديد من الأنواع الخضراء، بما فيها «ملكة أشجار التظليل» المعروفة بـ «الصفيراء» وهي شجرة دائمة الخضرة تضفي لمسة جمالية على الشوارع والأحياء والحدائق.
وعلى رغم أن الصين لم تكن على قائمة أولوياتي للسفر، لأسباب لوجستية وجغرافية وجيهة، ومعها أسباب لغوية لا تقل وجاهة، فقد كنت في أتم الرغبة والحماس لكسر الحواجز والتعرف عن قرب على هذا الشعب الذي كان «يعيش في التقشُّف، لكنه يستعد للوثوب إلى قمة الهرم الاقتصادي الدولي».

التنين العملاق
ومن أراد أن يتيقن – من بدء استفاقة هذا التنين الآسيوي العملاق، من سباته الحضاري الطويل، يتفضل.. «الصين ترحب بالجميع».
هذا مع العلم أن الزيارات السريعة لا تليق ببلد المليار ونصف المليار نسمة، خمس البشرية، ويستحوذ على 50% من ناطحات السحاب قيد الإنشاء في العالم بأسره «مع خطط للمزيد من البنايات الشاهقة».
بلد ينتشل 850 مليون مواطن من براثن الفقر في غضون حملة وطنية، ويواصل كساء المدن الرئيسية والعاصمة بالأخضر، بحيث يمكن لأكثر من 90% من سكانها الوصول إلى الحدائق والمساحات الخضراء ضمن مسافة 500 متر.
بلد ينتقل من «النسخ» إلى الإبداع ومن التقليد إلى الإبتكار، ويتجه لسحب البساط من أوروبا وأمريكا في التجارة والصناعة، والتكنولوجيا، والعلوم، والذكاء الصناعي، والبحث العلمي، وهلم جرا.
وبينما أكتب هذا، ترن في أذني العبارة التنبؤية الشهيرة الجديرة بوضع «خطين» تحتها:
«عندما تستيقظ الصين سيرتجف العالم».

الصين بالأرقام في 2024
= واصلت الصين احتلالَها المركز الثاني في الاقتصاد العالمي بناتج قومي خام فاق 19.370 مليار دولار.
= منذ العام 1980 ضاعفت الصين ناتجَها الخام من 40 مليار دولار إلى 12. 725 مليار. أي بنمو فاق 11 بالمائة. وهي حاليًّا تواصل نموّها السنوي بنحو 5 %.

= وزن الصين الاقتصادي انتقل من 1،7 بالمائة من مجمل الاقتصاد العالمي قبلَ 38 عامًا، إلى 15 بالمائة اليوم، أي أّنه نما بما يُقارب 15 مرة.
= الصين هي الأولى عالمًّا بين الدول المصدّرة، بحجمٍ فاق 491 مليار دولار، أي أنّها منذ العام 1980، ضاعفت تصديرَها 119 مرّة.
= في النصف الأول من العام الماضي 2023، بلغ إجمالي صادرات الصين حوالي 6 تريليونات دولار أمريكي، مسجلة زيادة سنويّة بنسبة 3.7٪
من بين هذه الصادرات، كانت المنتجات الإلكترونية التّي شكلت 58.2٪ من إجمالي الصادرات، بزيادة قدرها 1.4 نقطة مئوية عن الفترة نفسها من العام الماضي. وصل إجمالي صادرات الإلكترونيات إلى نحو 927.56 مليار دولار أمريكي، بزيادة نسبتها 6.3٪ عن عام 2022.
= شهدت صادرات السيارات زيادة كبيرة بنسبة 104.4٪ سنويًّا.
= لم يكن في الصين قبل 40 عامًا أي استثمارات أجنبيّة، بينما اليوم فيها أكثر من 200 مليار دولار استثمارات أجنبيّة.
= نسبة البطالة تراجعت إلى أقل من 4،1 % وهي الأدنى منذ جائحة كورونا، بينما ترتفع في بعض الدول الغربيّة إلى أكثر من 12 %.
= الاستهلال المنزلي في الصين تضاعف 90 مرّة عمّا كان عليه في العام 1980.
= تحسّن الأحوال المعيشيّة في الصين، زاد متوسط الأعمار عمّا كان عليه قبل 40 عامًا، بحيث زاد الأمل بالحياة عشرَ سنواتٍ إضافية وصار يقارب الثمانين عامًا، بينما كان في العام 1979 يقتصر على 66 عامًا.
= تراجعت نسبة الأمية من 22 % إلى أقل من 4 % في عموم الصين.
= في عام 2023، طوّرت الصين كثيرًا تقنيات اتصالات الجيل الخامس 5G لتصل إلى 560 مليون مشترك في نهاية العام.
= شيّدت الصين حوالي 916,000 محطة أساسية لشبكات الجيل الخامس، وهو ما يمثل 70٪ من إجمالي محطات الجيل الخامس في العالم. ويُتوقّع أن تنشر 2.9 مليون محطة أساسية لشبكات الجيل الخامس بحلول نهاية العام.
= استثمرت الشركات الصينية الرئيسية في مجال الاتصالات حوالي 181.7 مليار دولار أمريكي بينها 2 مليار دولار أمريكي للجيل الخامس.
= يتكون الحزب الشيوعي من قرابة 92 مليون عضو، وهو منظم بشكل هرمي على قمته الرئيس شي جينبينغ، وفي القاعدة المكتب السياسي، قاد أطول وأكبر حركة سياسية شهدها العالم على الإطلاق.
= يضم جيش التحرير الشعبي الآن في صفوفه مليونين و35 ألف رجل وامرأة، بحسب مركز الأبحاث البريطاني المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
= تمتلك الصين حوالي 350 رأسا نوويا، وفقا لأرقام تعود لعام 2022 أوردها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
= تتصدر الصين قائمة الدول التي تمتلك أكبر عدد من ناطحات السحاب في العالم بـ 2946 ناطحة، تلتها الولايات المتحدة بـ 857، ثم كوريا الجنوبية في المرتبة الرابعة بـ 276. وجاءت الهند بالمرتبة الخامسة، بـ 273، واليابان سادسة بـ 271، وسابعة ماليزيا بـ 266، وأستراليا ثامنة بـ140، وإندونيسيا تاسعة بـ 130، وتايلاند عاشرة بـ124.‏
= أطلقت الصين في عام 2015 خطة «صنع في الصين 2025″، وهي إستراتيجية تهدف إلى تحقيق السيطرة على 10 قطاعات حيوية في الاقتصاد العالمي.