البروفيسور خالد فخرو مدير «الطب الدقيق» بسدرة.. في حوار مع «العرب»: فحص 200 جين متعلق بأمراض نادرة قابلة للتصدي المبكر

alarab
المزيد 08 أبريل 2025 , 01:23ص
حامد سليمان

كوادرنا عالية الكفاءة.. ويمكن لباحثينا اكتشاف جين لم يكن له علاقة واضحة بالمرض
«سدرة» وجهة رئيسية لعلاج بعض الأمراض كضمور العضلات.. ونسعى لعلاجات بالخلايا والجينات
لدينا إمكانية تصنيع الأدوية المتقدمة في معاملنا.. وتعامل أكبر مع شركات لديها أدوية لم تُطرح بالسوق

 

أكد البروفيسور خالد فخرو- رئيس قسم الأبحاث ومدير برنامج الطب الدقيق في سدرة للطب، أن دولة قطر من الرواد في العالم العربي في علم الجينوم، وأن سدرة للطب من خلال علم الجينوم يساهم بتشخيص ما يقارب 40% من الأطفال الذين يعانون من أمراض نادرة، وهو ما يمثل ضعف النسبة في المراكز المتخصصة حول العالم. وأشار البروفيسور فخرو في حوار مع «العرب» إلى أن الكوادر العاملة في سدرة للطب تمتاز بدرجة عالية من الكفاءة، وكشف أنه خلال العشر سنوات الماضية بنينا بنية تحتية لدراسة التسلسل الجيني لنحو 1500 طفل كل سنة، وأن إجمالي الأطفال الذين تم دراسة تسلسلهم الجينومي يبلغ نحو 10 آلاف طفل حتي اليوم.
ونوه إلى أن سدرة للطب لديه 6 برامج بحثية في الأمراض العصبية، والأمراض الأيضية المندية، والأورام والسرطانات، وأمراض المناعة، والتشوهات الخلقية، والسادس يرتبط بالأمراض والصعوبات خلال رحلة الولادة من الإنجاب وحتى سنة من عمر الجنين. ولفت إلى أن سدرة للطب تحول إلى وجهة رئيسية لعلاج بعض الأمراض كضمور العضلات، وإلى السعي لفتح باب لإمكانية الوصول للأدوية الجديدة والعلاج بالخلايا والجينات، مع ما يتمتع به سدرة للطب من إمكانية لتصنيع الأدوية المتقدمة في المعامل وتوفيرها للمرضى.. وإلى نص الحوار..

◆ في البداية.. لماذا نحن في حاجة إلى البحث العلمي في الرعاية الطبية؟
¶ في حال حدوث مشكلة صحية لطفل، فإن أول وجهة بالنسبة لوالديه هي الرعاية الأولية التي توفرها المراكز الصحية في الدولة وفي حال استعصاء المرض، يتحول المريض الي سدرة للطب حيث نتخصص في مجال الرعاية المعقدة ونسبة التخصص بالنسبة لنا تكون عالية جداً، فالكوادر الطبية والعلمية على أعلى المستويات ومنتقاة بصورة دقيقة.
من ناحية التخصص، فلدينا كافة التخصصات في مجال رعاية الأطفال، فسدرة للطب هو المركز الوحيد في الدولة الشامل للرعاية المعقدة للأطفال، وبحكم تواجد جميع التخصصات فيه يكون لدينا نسبة كبيرة من مراجعينا من الأطفال الذين يعانون من الأمراض المعقدة أو النادرة، وهي التي تحدث لواحد من كل 100 ألف طفل، وتصل إلى واحد من كل 200 ألف مريض في العالم، فنسبتها على حدة ضئيلة جداً ولذلك سميت امراض نادرة.
بالإجمال، هناك ما يقارب الـ 8 آلاف مرض نادر، وتشير الاحصائيات الى ان 5% من الأطفال، أي واحد من كل 20 طفلا يمكن أن يكون مصابا بمرض نادر.
مشكلة الأمراض النادرة تبدأ مع التشخيص، فإذا كان لديك مرض نادر يصعب أن يكون لديك الكادر البحثي القادر على تشخيص المرض، فينتقل الطفل من مستشفى لآخر طلباً للتشخيص، والدراسات الحديثة حول رحلة التشخيص تقدرها بالوصول إلى ما بين 5 إلى 7 سنوات، فلك أن تتخيل أن طفلا يقضي من عمره كل هذه السنوات بحثاً عن تشخيص لما يعانيه من مرض فحسب، وتزور الأسرة الواحدة حوالي 10 متخصصين في المتوسط، ومن بين هؤلاء المتخصصين من يكون تشخيصه خاطئا. وهذه الرحلة تتسبب في عبء نفسي واجتماعي واقتصادي على العائلة، فقط للبحث عن التشخيص.
وعلم الجينوم مكننا من الوصول لنقطة تقلب هذه المعادلة، فبعلم الجينوم الحديث يمكننا قراءة جينوم الشخص في خلال بضعة أيام، فنقرأ التسلسل الجينومي كاملا للطفل، ما يعطينا جميع العوامل الوراثية في الطفل. وهذا يفيدنا بصورة كبيرة، لأن أغلب الأمراض النادرة التي تصيب الطفل لها أثر وراثي، لأن الطفل ما زال صغيرا، ويصعب أن يكون قد تعرض لعوامل بيئية سببت المرض على سبيل المثال.
وبهذه الطريقة، قد نصل إلى الجين المسبب للمرض في خلال أيام وأسابيع قليلة، فهذا يعني انهاء رحلة تتطلب سنوات من السعي والمشقة على العائلة، ونحن في سدرة للطب نسعد بأن نوفر مثل هذه التقنيات لمرضانا ونفخر بأن علم الجينوم وضع لنا ضمن رؤية وطنية من قبل 11 سنة، بنينا من خلاله مركز جينوم وطني، وأصبح لدينا اكتفاء ذاتي في هذا المجال من حيث توفير البنية التحتية التي نحتاجها لخدمة هذا العلم.

◆ خطوات متميزة طوال هذه السنوات.. ما هي الثمار التي عادت على سدرة للطب من هذه الجهود؟
¶ أصبحت قطر من الرواد في العالم العربي في علم الجينوم، فعلى المستوى الشخصي، يساهم علم الجينوم بتشخيص ما يقارب لـ 40% من الأطفال الذين يعانون من أمراض نادرة وهذه نسبة كبيرة إن قارناها بباقي دول العالم، فالعرف العام في المجتمعات العلمية أن النسبة من 20% إلى 25%، وهذا يعني أننا نحقق ضعف ما تحققه المراكز المتخصصة حول العالم من نجاح في التشخيص.
وهناك نسبة من الأطفال كانت تسافر للخارج بحثاً عن التشخيص فلم يجدوا اجابة، فعادوا الى قطر واستطعنا بفضل الله تشخيصهم في سدرة للطب.

◆ ولماذا النسبة أعلى في قطر مقارنةً بغيرها من الدول؟
¶ من أهم الأسباب هو التركيبة السكانية بالدولة، نظراً لزيادة معدلات زواج الأقارب، ومع وجود مشترك جيني ينتج عن ذلك تركيبة وراثية معينة قد تزيد من نسبة الامراض الجينية المتنحية، ففي حال زواج الشاب من فتاة غريبة عنه يصعب أن يجد نفس الطفرة الوراثية لديها، ولكن إن كانت من الأقارب فالنسبة تزيد، ومن هذا المنطلق نجد عددا أكبر من المرضى المصابين بالأمراض الوراثية النادرة لدينا في قطر، ومن العالم العربي، الذين يتلقون العلاج في سدرة للطب.
كما أن الكوادر العاملة في سدرة للطب تمتاز بدرجة عالية من الكفاءة، وفي رحلة التشخيص يمكن لباحثينا اكتشاف جين لم يكن له علاقة واضحة بالمرض، وبمراجعة الفريق الاكلينيكي ذي الاختصاصات المختلفة، يصل المريض إلى التشخيص الصحيح.

◆ هل يمكن أن يشكل زواج الأقارب عبئا على الأبناء؟
¶ الأمر يعتمد على نوع المرض، فلدينا نوعان من الأمراض هما السائدة والمتنحية. بالنسبة للسائدة فزواج الأقارب لا يهم، فيكفي أن يكون أحد الابوين مصابا بها لتزيد احتمالية إصابة الابناء، أما في الأمراض المتنحية، فلابد من اجتماع نسختين تالفتين من الجين لأن هذه النسخة يرثها الطفل من أهله، إذا اجتمع بين الشاب والفتاة المقبلين على الزواج أحد الأجداد، يزيد احتمالية كون كليهما حامل لنفس النسخة التالفة التي بدورها تورث للطفل فيكون مصاباً بالمرض، وكلما ابتعدت القرابة تنقص نسبة احتمالية الإصابة بالمرض.

◆ هل هناك زيادة في الإصابة بالأمراض الوراثية في قطر؟
¶ في الأمراض المتنحية، نستطيع القول نعم.. وهذا لا يقتصر على قطر فحسب، بل في كل المجتمعات التي يزيد فيها زواج الأقارب، وللتصدي لهذه الظاهرة، نعمل على اكتشاف الطفرة الجينية المرتبطة بالمرض في المريض من خلال تقنية الجينوم كما فضلنا، وهذا يعني أن وجود الأطفال المصابين بهذا المرض يساعد على اكتشاف الطفرة، وأن هذا الجين بسبب هذه الطفرة تسبب في هذا المرض، واكتشاف الطفرات يمكن أن يقودنا لإجراء مسح في السكان.
وقد بات لدينا في قطر فحص ما قبل الزواج وفحص حديثي الولادة، ومن خلال ادراج علوم الجينوم، يمكن ألا نعمل على فحص مجموعة محددة من الأشياء، بل يمكن أن نفحص الجينوم كاملا، وفي دراسة جديدة لحديثي الولادة، سوف نقوم بفحص الجينوم و النظر في ٢٠٠ جين متعلق بأمراض نادرة قابلة للتصدي المبكر. وهذا يصب في صالح الصحة العامة.

◆ كم عدد الأطفال الذين دُرس تسلسلهم الجينوم في قطر؟
¶ هناك دراسات عديدة يقوم عليها المجتمع العلمي في قطر غير أن معظمها مهتم أكثر بدراسة التسلسل الجيني للبالغين، أو الذين يحضرون متطوعين من الأصحاء مثلا الى مشروع جينوم قطر تحت اشراف معهد قطر للرعاية الصحية الدقيقة.
وأما نحن في سدرة للطب لدينا تركيز على الأطفال المرضى، بحكم كوننا مستشفى متخصصا للأطفال، وخلال العشر سنوات الماضية بنينا بنية تحتية لدراسة التسلسل الجيني لنحو 1500 طفل كل سنة ضمن دراسات مختلفة، وهذا العدد قد يتفاوت من سنة الى سنة.
فإن قل مثلاً عدد الأطفال الذين درسنا تسلسلهم الجينومي فترة كوفيد – 19، والتي توقف فيها هذا الجهد، وكذلك أول عامين عملنا فيه على بناء البرامج، نجد أن إجمالي الأطفال الذين تم دراسة تسلسلهم الجينومي يبلغ نحو 10 آلاف طفل الى اليوم.
وفي سدرة للطب لدينا 6 برامج بحثية، الأول في الأمراض العصبية، والثاني هو للأمراض الأيضية المندية، والثالث للأورام والسرطانات، والبرنامج الرابع لأمراض المناعة، سواء نقص المناعة أو زيادتها، أما البرنامج الخامس فهو للتشوهات الخلقية، والسادس والأخير يرتبط بالأمراض والصعوبات خلال رحلة الولادة من الإنجاب وحتى سنة من عمر الجنين.
◆ ما أهمية العمل البحثي من وجهة نظركم؟
أؤمن بأهمية بناء الاكتفاء الذاتي في مجالات معينة، كالطاقة والغذاء وغيرها، ومن وجهة نظري أن الصحة من أهم هذه المجالات، فإن لم تكن قادرا على توفير الاهتمام اللازم بصحة السكان، فستظل رهينا لغيرك طوال الوقت، وهذا ما حدث خلال جائحة كورونا «كوفيد – 19»، فالدول التي لم تول اهتماما للصحة دفعت أضعاف ما كانت ستدفعه للنهوض بالبحث العلمي في القطاع الصحي. وخلال الجائحة انتفعنا بشكل هائل بالبنية التحتية البحثية التي توفرت لدينا من مراكز وطنية وتقنيات متطورة وكوادر متميزة في الدولة.
وفي بعض البرامج الاكلينيكية والبحثية لدينا، تحول سدرة للطب إلى وجهة رئيسية لعلاج بعض الأمراض، كضمور العضلات، والذي عالجنا فيه 65 طفلا، في حين أن بعض المراكز لا تعالج 10 حالات فقط.
واليوم نسعى لفتح باب في سدرة للطب لإمكانية الوصول للأدوية الجديدة، وكذلك العلاج بالخلايا والجينات، وبات لدينا إمكانية تصنيع الأدوية المتقدمة في معاملنا وتوفيرها لمرضانا، وخلال السنوات الخمسة المقبلة ستزيد الدراسات السريرية بصورة كبيرة في سدرة للطب، وسيكون لنا تعامل أكبر مع شركات الأدوية التي لها أدوية لم تُطرح في السوق، ما يتيح الفرصة للمرضى للوصول لهذه الأدوية، ليكونوا من أوائل المرضى الذين يحصلون على هذه الأدوية في قطر بدل السفر لحصولها في الخارج.

◆ ماذا عن الخطط المستقبلية لسدرة للطب؟
¶ الكثير من الأبحاث لدينا رائدة على مستوى العالم، خاصةً في مجال التشخيص الدقيق، وخلال الخمس سنوات المقبلة، سنعمل على الخطط العلاجية بالطب الدقيق، ومنها الكثير من الدراسات السريرية والعلاجات المتقدمة التي لم تصل إلى السوق حتى الآن، لنكون ضمن أول الدراسات العالمية بالنسبة لهذه الأدوية.
كما أن جزءا من خططنا المستقبلية يتمحور حول الابتكار والانتقال بسدرة للطب كمركز ابتكار في التكنولوجيا الطبية، وسنتعامل في ذلك مع القطاع الخاص العالمي، من خلال استقطاب الشركات العالمية الى سدرة للطب، ما يعود بالنفع على المرضى والمستشفى والدولة.
وأريد أن أؤكد على أن سدرة للطب لا يعمل بمفرده، فنحن جزء من نسيج المجتمع العلمي والصحي في دولة قطر، ولنا تعاون مع جميع الجهات، فكل ما نعمل عليه ينصب في الصالح العام، ونهدف جميعاً إلى الارتقاء بمستوى الرعاية الصحية في الدولة، ورفع القدرات والزخم العلمي في الدولة لنتمكن من المنافسة دائماً على المستوى العالمي.
وأخيراً، فإننا نعمل بجهد على دفع التوعية العامة حول أهمية الاستثمار المستمر في البحث العلمي في دولة قطر. هناك عدة منصات، منها المؤتمرات والورش التدريبية المتاحة لطالبي العلم والمتخصصين من حول العالم، حيث أصبحت فعالياتنا تجلب الكثير من الانتباه الى التقدم القطري في هذه المجالات، وأيضاً مبادرتنا الجديدة؛ مقهى العلوم؛ التي تتيح للمجتمع والعامة التعرف على أحدث نتائج الأبحاث في مجالات طبية مختلفة. ونسعى أيضاً لتشكيل لجان مشتركة لمرضانا لإبداء آرائهم ومقترحاتهم للبحث العلمي.