شاركت مكتبة قطر الوطنية، العالم العربي، الاحتفال بيوم المخطوط العربي الذي يوافق الرابع من ابريل من كل عام، ويتواصل الاحتفاء به على مدى الشهر، وسط تفاعل لجمهور القراء والمتابعين على صفحاتها بوسائل التواصل الاجتماعي. ومن أهم المخطوطات العربية الموجودة بالمكتبة «حدائق الإنعام في فضائل الشام» لـ عبدالرحمن بن إبراهيم بن عبدالرزاق الدمشقي المتوفى سنة 1138هـ، 1725 م، والذي يعد واحدا من أكثر من أربعة آلاف مخطوط نادر ضمن المجموعة التراثية لدى مكتبة قطر الوطنية. ويوضح المخطوط أهمية الحدائق في بلاد الشام حيث اشتمل المخطوط المكتوب بخط جميل، على 8 أبواب وذلك لما كانت دمشق تشتمل على ثمانية أبواب.
ويتحدث المخطوط في بابه الأول عن حدود الشام وتسميتها به وتقسيمها إلى خمس شامات، مع ذكر دمشق وبيانها وتسمياتها واحتوائها على رياض ومنتزهات، فيما يتناول الباب الثاني الآيات الواردة في فضائلها وفوائدها، ليتنقل في الباب الثالث إلى ما ورد من أحاديث نبوية حول الشام وفضلها، ويأتي الباب الرابع تحت عنوان «من كلام السلف وبدائع التحف»، ثم الباب الخامس حول الجامع وما حواه في البدايع، لينتقل إلى الباب السادس ويذكر فيه من مات في دمشق من الأنبياء والصحابة الأعلام، وفي الباب السابع فيما اشتهر من الصالحين ومات في دمشق ليأتي الباب الثامن والأخير حول ما ذكره الشعراء في محاسن دمشق. وقد جاء الاحتفال بيوم المخطوط العربي حيث اختارت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «ألكسو»، بمبادرة من معهد المخطوطات العربية، الرابع من أبريل من كل عام يوم المخطوط العربي ليكون يوم توعية إقليميا بالمخطوطات العربية وأهميتها، وتستمر فعالياته طوال شهر أبريل حيث تحتفل به الدول العربية الأعضاء، كما تحتفل به أحيانا جهات إسلامية وأجنبية وجاء شعار احتفالية هذا العام تحت عنوان تراثنا المخطوط ومقومات التواصل الحضاري.
يرمي هذا الاحتفال الذي يقام للسنة الثانية عشرة على التوالي هذا العام بهدف نشر الوعي بأهمية التراث العربي والتواصل مع تراثنا المخطوط وتعريف بجهود الحضارة العربية الإسلامية واسهاماتها الفعالة في بناء الحضارة.
ومن هذا المنطلق نسلط الضوء على المخطوطات الموجودة في مكتبة قطر الوطنية والتي يرجع معظمها إلى المجموعة التي كانت مكتبة الشيخ حسن بن محمد آل ثاني التي أصبحت المجموعة التراثية في مكتبة قطر الوطنية وتشتمل على أكثر من أربعة آلاف مخطوط من عيون ونفائس المخطوطات العربية والإسلامية التي تتميز بها مكتبة قطر الوطنية الآن.
نوادر المؤلفات
وتحتوي المكتبة التراثية في مكتبة قطر الوطنية على نفائس ونوادر المؤلفات والمخطوطات ذات الصلة بالحضارة العربية والإسلامية، بالإضافة إلى المصادر المطبوعة باللغة العربية، وتشمل كتباً ودوريات ومجلات وصحفاً يعود تاريخها إلى بدايات دخول الطباعة إلى العالم العربي، وكذلك كتابات الرحالة والمستكشفين ممن حطوا رحالهم في منطقة الخليج العربي، فضلا عن مجموعة هامة من الخرائط ومجسمات الكرة الأرضية وأدوات ومعدات خاصة بالرحالة. إلى جانب ركن خاص بتاريخ دولة قطر.
وقد نجحت المكتبة في الحفاظ على التراث الثقافي في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط منذ اختيارها عام 2015 من قبل الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (الإفلا)، لتكون المركز الإقليمي لصون المواد التراثية في العالم العربي والشرق الأوسط والمحافظة عليها، وذلك قبل افتتاحها رسميًا في مارس عام 2018.
ونتيجة لجهودها في حفظ هذا التراث جاء تجديد الاتفاق بين «الإفلا» ومكتبة قطر الوطنية هذا العام، لفترة جديدة مدتها ثلاث سنوات تعزيزًا لجهودها على مدى ست سنوات في المحافظة على التراث العربي وتراث المنطقة.
واستطاعت المكتبة أن تؤدي دورها في الحفاظ على التراث سواء تراث المكتبة أو المكتبات العربية أو الإقليمية، عبر مجموعة من المختبرات التي تعمل على تحقيق هذه المهام، فهناك مختبر للصيانة والحفظ ومختبر علمي، بالإضافة إلى مختبرين آخرين تستخدم فيهما تقنية حديثة جدًا لإزالة الحموضة من الأوراق والمقتنيات بكميات كبيرة، حيث تعتبر الحموضة من أهم المشاكل التي تؤثر على الحفظ للمقتنيات التراثية، وتعمل هذه المختبرات على صيانة مقتنيات المكتبة الوطنية، كما تقدم عبر موقعها الإلكتروني خدمة باسم «اسأل أخصائي الصيانة» يتم فيها الإجابة بشكل فني عن المشكلات التي يتعرض لها التراث الخاص بالعائلات والمخطوطات والوثائق القديمة، وتقديم المعلومات الفنية التي يمكن من خلالها الحفاظ على التراث.
دور ريادي
وتقوم المكتبة بدور ريادي في تنسيق جهود ومبادرات الحفظ والصيانة بين الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث جاء اختيار المكتبة لهذا الدور بعد منافسة مع عدد من المؤسسات في مختلف الدول وذلك منذ 2015، ثم تم التجديد في 2018، وليتجدد الاتفاق مرة أخرى هذا العام حتى العام الجاري 2024، وذلك بناء على المشاريع التي قدمتها مكتبة قطر.
المخطوطات شاهدة على تطور اللغة العربية.
ويؤكد الدور الذي تقوم به مكتبة قطر الوطنية في الحفاظ على المخطوطات يؤكد أهمية هذه المخطوطات باعتبارها شاهدًا تاريخيًا على تطور اللغة العربية والعلوم والمعرفة في الماضي، فهي تحمل في صفحاتها معرفة الأجداد وتجارب الأجيال السابقة، و تتنوع المخطوطات بين الأدبية والدينية والفلسفية والتاريخية والعلمية وغيرها، وتشمل القرآن الكريم والأحاديث النبوية والشعر والروايات والمؤلفات الفلسفية والعلمية.
ويعد يوم المخطوط العربي فرصة لتسليط الضوء على الحفاظ على هذا الثروة الثقافية وتوثيقها ودراستها ونشرها، فالمخطوطات العربية تتطلب رعاية وحماية خاصة، حيث يتعرض العديد منها للتلف بسبب عوامل طبيعية مثل التعرض للرطوبة والحرارة والحشرات، وبسبب الإهمال أو الحروب والنزاعات التي تدمر الثقافة والتراث.
الجدير بالذكر أن يوم المخطوط العربي يشهد فعاليات ومحاضرات ومعارض للمخطوطات العربية في العديد من الدول العربية والمراكز الثقافية والمكتبات والجامعات، وتشمل هذه الفعاليات جلسات نقاش وورش عمل وعروضا للمخطوطات النادرة، وسوف تقام احتفالية معهد المخطوطات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم « ألكسو» في 19 ابريل الجاري في المكتبة الوطنية المغربية، وقررت اللجنة العلمية لليوم تكريم مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية «ميثاق» ببيت المقدس في فلسطين، بوصفها مؤسسة العام للعمل التراثي بالوطن العربي، وتكريم الدكتور أحمد فؤاد باشا ( مصر) بوصفه شخصية البحث التراثي بالوطن العربي، وكتاب الديوان الكبير لابن عربي الحاتمي من تحقيق الدكتور عبدالإله بن عرفة بوصفه كتاب العام التراثي بالوطن العربي فضلا عن تكريم الدكتور عبدالله محمد بلال ( موريتانيا) على جهوده في صون المخطوط العربي.