مقاهٍ تتلاعب بالتسعيرة.. وتدفع الزبائن لتدخين «الشيشة»
تحقيقات
07 نوفمبر 2015 , 01:58ص
أمير سالم
دعا مواطنون إلى اتخاذ عقوبات رادعة ضد مقاه تفرض حداً أدنى لتسعيرة المشروبات خاصة لغير المدخنين من الزبائن، وأكدوا أن هذه الطريقة تعد ابتزازا مكشوفا للزبائن من أجل تحصيل مزيد من الأموال، متسترة خلف «بند فتح الحساب».
وبين مواطنون في حديثهم لـ «العرب» أن إدارات مقاه بعينها، ومعها فنادق ومنشآت سياحية أخرى، تفرض حداً أدنى للفاتورة وسعر المشروبات، يتوجب على الزبون سداده دون اعتبار للسعر الحقيقي، ونوهوا إلى أن المقاهي وضعت الزبائن بين خيارين لا ثالث لهما: إما تدخين الشيشة أو سداد الحد الأدنى للفاتورة.
وشددوا على ضرورة مراجعة مدى التزام المقاهي بالتسعيرة المعتمدة، وتوقيع عقوبات رادعة على المخالفين تصل إلى حد الإغلاق لفترة محددة، كما طالبوا بالاستفادة من تجارب دول أخرى نجحت في الحد من انتشار المقاهي، وتنفيذ حملات توعية بمخاطر التدخين، وحقوق الزبائن من رواد المقاهي.
وأكدوا في حديثهم لـ «العرب» ضرورة تنفيذ حملات لمقاطعة «الشيشة» عبر وسائل التواصل الاجتماعي للحد من مخاطر التدخين، كما انتقدوا في الوقت نفسه تورط فنادق في الترويج لتدخين الشيشة عبر توجيه رسائل نصية للمواطنين بطريقة عشوائية.
رسالة «النادل» لغير المدخن
بالمثال يتضح المقال حسبما يقول المثل الشعبي. «إذا كنت من هواة الجلوس في المقهى وأنت لا تدخن، معك صديق «مدخن» فإنك سوف تجد تعاملاً مختلفاً من «نادل» المقهى، فهو لن يلتفت كثيراً إلى صديقك، وسوف يوجه إليك رسالة مفادها أنك مطالب -حال كان المقهى شعبياً- بسداد 10 ريالات حداً أدنى للفاتورة «طالما أنك لن تدخن»، سواء طلبت شيئاً أم لم تطلب، بينما وبالمقابل لن يوجه هذه الرسالة لصديقك المدخن، الذي يبادره بطلب النوع المفضل لديه من «الدخان»، فهو معفي من الرسالة التي وجهها إليك النادل، لأنه سوف يدفع تلقائياً 15 ريالاً عن كل «حجر شيشة»، أعلى من قيمة الـ10 ريالات المحددة لك.
البعض قد يضطر حسبما أكد مواطنون في حديثهم مع «العرب» إلى الاستسلام للأمر الواقع والسقوط في فخ التدخين، طالما أنه سوف يدفع قيمة الفاتورة المحددة سلفاً، الأخطر أن إدارات الفنادق بدأت محاكاة المقاهي الشعبية، بفرض حد أدنى مقابل تدخين الشيشة، وهو يعادل 10 أضعاف المقاهي.
تدخل حاسم
«الأمر يستدعي تدخلاً حاسماً من المسؤولين في جهاز حماية المستهلك لمواجهة المقاهي والفنادق التي تفرض أسعارا غير مقبولة على ما تقدمه من مشروبات وغيرها من الخدمات وفي مقدمتها «الحد الأدنى للفاتورة» دون اعتبار لحق الزبائن وحريتهم في تناول الشيشة من عدمه، وفي اختيار ما شاؤوا من مشروبات بالسعر المعتمد بعيداً عن «الحد الأدنى». هذا ما أكده السيد فهد المري موضحاً أن هذه المقاهي تفرض أسعارا غير مقبولة على المشروبات وهي أضعاف السعر الحقيقي.
وقال «إن المقاهي على وجه التحديد استغلت غياب الرقابة من جانب وزارة البلدية، وجهاز حماية المستهلك»، موضحاً ضرورة تطبيق القانون بحظر التدخين في الأماكن العامة، ومنع وجود مقاه بجوار الكتلة السكنية، وأن تكون قائمة الأسعار بالمقاهي والفنادق غير مرتبطة بحد أدنى، وأن تلتزم بالتسعيرة. وتابع أن «فرض «الشيشة» على الزبائن بدأ ينتشر بالفعل في المقاهي البعيدة عن الرقابة، وهو أمر يمكن قبوله في الفنادق الكبرى والمنشآت ذات الطبيعة السياحية التي تدفع رسوماً للدولة مقابل تقديم الخدمات بأسعار سياحية، وليس في الأماكن العامة.
مخالفة قانونية
هذه التصرفات غير مقبولة، ولا يمكن استمرارها على هذا النحو الذي يحمل نوعاً من الاستغلال المبالغ فيه لرواد المقاهي والفنادق». هذا ما أشار إليه السيد سعيد الهاجري عضو المجلس البلدي والخبير السياحي، مشدداً على ضرورة تحقيق التنافسية المطلوبة في تقديم الخدمة والتصدي للاستغلال بكافة المنشآت من مقاه ومنتجعات وفنادق، منوها بأن إلزام الزبائن بـ «حد أدنى للفاتورة» حال كونهم من غير المدخنين، لا يشجع الرواج السياحي وتحقيق التنافسية المطلوبة.
وأكد أن هذا النوع من التعامل باطل ومخالف للقانون، ويستدعي ضرورة تدخل «حماية المستهلك» لردع المقاهي المخالفة. ودعا «الهاجري» وزارة البلدية وجهاز حماية المستهلك إلى توعية رواد المقاهي والمنشآت السياحية بحقوقهم، ومنها عدم مشروعية «الحد الأدنى للفاتورة» والتصدي لمحاولات المقاهي فرض الشيشة على الزبائن من خلال تخييرهم بين تعاطيها أو دفع حد أدنى للخدمة.
كما شدد على أهمية أن تتدرج العقوبات في الشدة حال تكرارها، موضحاً أن القضية ليست في شرب «الشيشة» بالمقاهي، ولا في طريقة الحساب على المشروبات، أو ربطها بحد أدنى، لأن المشكلة تتسع لتشمل مطاعم وفنادق دون النظر إلى السعر الحقيقي للمشروبات والخدمات المقدمة.
ودعا «الهاجري» مسؤولي البلدية وحماية المستهلك إلى تكثيف الحملات وتوقيع عقوبات رادعة ضد المقاهي المخالفة على وجه التحديد لأنها تقدم الخدمة لأعداد كبيرة من الزبائن الذين يجدون أنفسهم عرضة لعملية «ابتزاز» من جانب هذه المقاهي.
ابتزاز الزبائن
«القضية لا تقتصر على المقاهي ولا ما تقوم به من إجبار الزبائن على سداد التسعيرة المخالفة للقانون، ولا في تخييرهم بين الحد الأدنى للفاتورة أو شرب الشيشة، لأن هذا السلوك لم يعد عشوائياً من جانب المقاهي وحدها». هذا ما أكده السيد عمر عبدالعزيز آل إسحاق، موضحاً أن فاتورة «سلطة فواكه» بأحد الفنادق وصلت إلى 100 ريال.
وقال «يوجد كثيرون لا يدخنون، ويرغبون في لقاء أصدقائهم في المقاهي، ولكنهم يفاجؤون بأنهم أمام عملية «ابتزاز» مكشوفة، لافتاً إلى خطورة وضع الزبائن بين خياري «الحد الأدنى للتسعيرة»، أو تدخين الشيشة، لأن ذلك قد يدفع غير المدخنين خاصة الشباب صغار السن للاستسلام للأمر الواقع والسقوط في فخ التدخين.
وأضاف «آل إسحاق» أن الأمر لا يقف عند حد الابتزاز المادي، وإنما يطال ما هو أكتر خصوصية، وهو الاعتداء على حرية الزبون، وحقه في اختيار ما يريده وما لا يريده من مشروبات، وهو إجراء مخالف للقانون.
ودعا إلى ضرورة التحرك من الجهات المسؤولة لإعادة الأمور إلى نصابها، ودفع المقاهي إلى الالتزام بالتسعيرة المحددة، تزامناً مع تحرك إيجابي، على غرار حملة مقاطعة «الشيشة» التي راجت مؤخرا للتحذير من مخاطر هذه العادة السيئة المدمرة للصحة.
وعن رؤيته لفرض حد أدنى للتسعيرة بالمقاهي جدد آل إسحاق رفضه الكامل لهذا الأسلوب، لافتاً إلى أن التسعيرة لا بد أن تكون مقتصرة على السعر الحقيقي مضافاً إليه هامش ربح مقبول.
وأعرب «آل إسحاق» عن اندهاشه من ممارسات المقاهي التي وصلت إلى حد «مستهجن» وغير مبرر.. وقال «إن سعر حجر الشيشة الواحد تجاوز 100 ريال بالفنادق فكيف نصمت حيال عمليات استنزاف أموال أصحاب المزاج المتعكر دوماً دون رقابة؟».
وأضاف: «علينا الاستفادة من تجارب الدول التي تعاملت مع مشكلة التدخين بأن فصلت بين المدخنين وغيرهم، ووفرت أماكن بالمقاهي لكل فريق بهدف الحد من التدخين وترشيده بالأساس»، موضحاً أن المقاهي في قطر تطارد غير المدخنين حتى يقعوا في الفخ!
تطور خطير
«لا بد من إخضاع المقاهي لمزيد من الرقابة لأنها باتت تدفع الزبائن بشكل صريح إلى التدخين، وبدلا من إلزامها بتخصيص أماكن لغير المدخنين نجدها تسعى –الغالبية منها– لتحقيق مكاسب من فرض»الشيشة» على الزبون.. ورسوم أخرى تحت بند «فتح الحساب». هذا ما أشار إليه السيد خليفة المحاسنة، موضحاً أنه ليس مقبولاً أن يسدد شخص ما 100 ريال مقابل كوب من الشاي وتناول «الشيشة» بمقهى سياحي لا يقدم أي خدمات تختلف عن الموجودة بالمقاهي الشعبية، كاشفاً عن أن هناك فنادق بدأت منافسة المقاهي في تشجيع الزبائن على تدخين الشيشة ولكن بطريقة الإغراء وليس فرض سياسة الأمر الواقع، موضحاً أن هذه الفنادق أرسلت رسائل نصية ترويجية بطريقة عشوائية عبر شبكات «الجوال» لاستقطاب مدخني الشيشة، محذراً من أن مثل هذه الخطوة الترويجية سوف تمهد الطريق أمام الشباب الصغار لمحاولة التجربة والسقوط في فخ التدخين.
وأوضح «المحاسنة» ضرورة أن يقوم جهاز حماية المستهلك بمراجعة وضبط أداء المقاهي بصورة أكثر إيجابية، وفرض تسعيرة إجبارية وأن توضع في مكان بارز يراه الزبائن مع تكثيف حملات التفتيش لضمان عدم التلاعب.
استغلال زيادة أسعار العقارات
وأوضح «المحاسنة» أن هناك جانبا اقتصاديا وثيق الصلة بممارسات المقاهي.. موضحاً أن الأسعار ارتفعت خاصة في السلع والخدمات وإيجار العقارات، ومن بينها إيجارات المقاهي التي قررت زيادة سعر «تعميرة» أو «حجر الشيشة» من 5 ريالات إلى 15 ريالاً دفعة واحدة.. لكنه استدرك قائلاً «إن زيادة أسعار السلع والعقارات لا تعني زيادتها بالمقاهي إلى 3 أضعاف لتحرق أموال وصحة مدخني الشيشة».
وتابع: أنهيت علاقتي بالشيشة قبل 8 شهور بقرار شخصي وحفاظاً على صحتي، خاصة أن سلوكيات المقاهي والفنادق تتصادم مع ما تقوم به الحكومة من إجراءات لمواجهة مخاطر التدخين من خلال تخصيص ميزانية ضخمة للعلاج والرعاية الصحية، مشدداً على ضرورة مواجهة هذه الظاهرة المهددة للصحة العامة، والمخالفة لتوجهات الحكومة.
واتفاقاً مع الرأي السابق دعا المحاسنة إلى تطبيق تجارب دول حاربت التدخين باعتباره مشكلة كبرى ومنها المملكة العربية السعودية التي نقلت المقاهي خارج المدن بعيداً عن الكتلة السكنية، وقال «إن المقاهي تنتشر في أنحاء قطر سواء في الفرجان أو داخل الكتلة السكنية ما يؤدي إلى زيادة نسبة قاصديها من الزبائن لشرب الشيشة.
وأكد أهمية نقل المقاهي خارج الدوحة تزامناً مع تنفيذ حملات دورية لضبط المخالفين للتسعيرة المعتمدة للسلع والمشروبات، لافتاً إلى أن «وضع حد أدنى للفاتورة» إحياء للضريبة التي كانت مفروضة على الخدمات وتم إلغاؤها.
المقاطعة سلاح فعال
«يجب أن يكون التدخين مرفوضاً من المجتمع الذي يعرف مساوئه جيداً، ولكن تلاعبات المقاهي في الأسعار بوضع حد أدنى 10 ريالات لفاتورة الخدمة قد تدفع غير المدخنين للقبول بالأمر الواقع، طالما أنهم سيدفعون الفاتورة المحددة، فما المانع لديهم من التدخين».. هذا ما ذهب إليه الخبير الإعلامي محمد صفري، موضحاً أن المشكلة امتدت إلى الفنادق التي وضعت حداً أدنى لفاتورة المدخنين أيضاً تختلف عن غيرهم، وهذا نوع من الاستغلال غير المقبول.
وانتقد «صفري» ترويج الفنادق لتدخين الشيشة عبر الرسائل النصية، واصفاً هذه الخطوة بالتطور الخطير في الدعاية للتدخين، لافتاً إلى أن دولاً كثيرة منعت إعلانات التدخين، ودعا إلى تنفيذ حملات مقاطعة للشيشة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وأن تتسم بالذكاء والقدرة على التأثير اعتماداً على الشركات المتخصصة في الحملات الإعلامية بوسائل التواصل الاجتماعي حتى تصل أكبر عدد من الجمهور لدفعه إلى التفاعل معها بصورة إيجابية.
عقوبة رادعة بسوق واقف
الوضع في المقاهي السياحية يبدو مختلفاً حسبما رأى فوزي سمير (مدير مقهى في سوق واقف)، موضحاً أن إدارة السوق حددت سعراً للشيشة تلتزم به جميع المقاهي، ولا توجد أي توجهات لفرض الشيشة، ولا تتدخل في اختيارات «الزبائن»، كما أن سعر «الحجر» الواحد لا يتجاوز 25 ريالاً.. وأضاف قائلاً «في إحدى المناسبات قامت إدارة مقهى شهير بالسوق بفرض 500 ريال رسماً على «الطاولة» الواحدة، فقررت إدارة السوق وقفه عن العمل وسحب الترخيص عقاباً على مخالفة التسعيرة. وأوضح أن غياب جهاز حماية المستهلك فتح الطريق للتلاعب في أسعار المشروبات وجعل الزبائن فريسة سهلة لأنهم من أصحاب «المزاج»، ولن يجدوا حلاً آخر أمامهم إلا شرب الشيشة وبالتالي يستسلمون للأمر الواقع.
ابتزاز المقاهي للزبائن لم يعد يثير اهتمام مصعب زكريا، موضحاً أنه لم يعد يدخن منذ عام تقريباً إثر أزمة صحية عنيفة، لكنه أوضح أن إرغام الزبائن على الاختيار بين شرب «الشيشة» أو الحد الأدنى للخدمة غير مقبول من جانب المقاهي التي تحاول تحقيق مكاسب على طريقتها الخاصة.
س.ص