ثمرة رؤية وطنية طموحة .. سعد عبد الله الخرجي في حوار مع «العرب»: تطور متواصل في مساهمة المرأة القطرية بسوق العمل

alarab
المزيد 07 أكتوبر 2025 , 01:22ص
حامد سليمان

القطريات يشغلن مناصب قيادية في القطاعات الحكومية والخاصة 

مشاركة فعالة بالتعليم والصحة والمال وريادة الأعمال والقطاعات التقنية 

الدولة تولي قضايا التعليم والتمكين المهني للمرأة اهتمامًا كبيرًا

خلق بيئة عمل جاذبة وداعمة للمرأة القطرية

الكادر النسائي بالأعلى للقضاء 48%.. وبالمناصب العليا بإدارة القضاء 69%

 

أكد السيد سعد عبد الله الخرجي - المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني – أن التطور المتواصل في مساهمة المرأة القطرية بسوق العمل يعكس تحوّلات اقتصادية واجتماعية إيجابية، وأن هذا التطور يأتي نتاج نجاح السياسات الوطنية الداعمة لتمكين المرأة، لافتاً إلى أن القطريات بتن يشغلن مناصب قيادية في القطاعات الحكومية والخاصة، وأنهن يشاركن بفعالية في مجالات التعليم  والصحة والمال وريادة الأعمال والقطاعات التقنية والهندسية، وأن هذا الحضور المتنامي للمرأة القطرية في سوق العمل ثمرة لرؤية وطنية واضحة.
وأشار الخرجي في حوار مع «العرب» إلى أن القيادة الرشيدة تولي قضايا التعليم والتمكين المهني للمرأة اهتمامًا كبيرًا، وأن هذا الاهتمام انعكس في التشريعات وسياسات العمل والبرامج التنموية التي تقدمها وزارة العمل، موضحاً أن قطر أسهمت في خلق بيئة عمل جاذبة وداعمة للمرأة القطرية، وأن الدستور القطري كفل مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، كما أن القوانين العمالية ضمنت للمرأة حماية خاصة فيما يتعلق بإجازات الأمومة وساعات الرعاية.
ولفت إلى توجه قطري واضح في دمج المرأة ضمن استراتيجيات التنمية البشرية وفق رؤية قطر الوطنية 2030، وتشجيع الفتيات على دراسة مختلف التخصصات العلمية والمهنية مثل الهندسة والتكنولوجيا وريادة الأعمال، وأن ذلك انعكس على نسبة الفتيات في بعض التخصصات الجامعية والتي فاقت 70%، مشيراً إلى أن إحصائيات نشرتها منظمة العمل الدولية عن سوق العمل القطري عام 2024 أظهرت أن نسبة المشاركة في سوق العمل من الإناث بلغت 63,3% من إجمالي عددهن، وأن تلك النسبة لتمثيل النساء في سوق العمل هي الأعلى تاريخيًا.. وإلى نص الحوار..
◆ حدثنا عن مدى مساهمة المرأة القطرية في سوق العمل..
¶ تشهد مساهمة المرأة القطرية في سوق العمل تطورًا متواصلًا يعكس تحوّلات اقتصادية واجتماعية إيجابية، ويؤكد على نجاح السياسات الوطنية الداعمة لتمكين المرأة. اليوم، أصبحت القطريات يشغلن مناصب قيادية في القطاعات الحكومية والخاصة، ويشاركن بفعالية في مجالات التعليم، والصحة، والمال، وريادة الأعمال، وحتى القطاعات التقنية والهندسية، التي كانت في الماضي حكراً على الذكور.
هذا الحضور المتنامي ليس وليد اللحظة، بل هو ثمرة لرؤية وطنية واضحة، تدعمها القيادة الرشيدة التي أولت قضايا التعليم والتمكين المهني للمرأة اهتمامًا كبيرًا، وهو ما انعكس في التشريعات، وسياسات العمل، والبرامج التنموية التي تقدمها وزارة العمل مشكورةً، وغيرها من الجهات المعنية التي تؤمن أن تمكين المرأة مكوّن أساسي في بناء اقتصاد المعرفة، ودعم مشاركتها المهنية يُعدّ استثمارًا في مستقبل أكثر توازنًا وازدهارًا لدولة قطر.
ومن جانبنا في مركز قطر للتطوير المهني، نحرص على توفير بيئة محفزة للطالبات القطريات لاكتشاف ميولهنّ المهنية، واتخاذ قرارات واعية بشأن مساراتهنّ المستقبلية. وقد خصصنا العدد الخامس عشر من مجلة «دليلك المهني» لتسليط الضوء على نماذج لسيدات قطريات أبدعن بسوق العمل في مجالات مهمة عدة، تأكيدًا لدورهنّ المحوري في تحقيق التنمية المستدامة، وليكنّ قدوةً للشباب والشابات في الدولة بقصصهن الملهمة.

◆ كيف أسهمت خطوات الدولة في التيسير على المرأة العاملة في استقطاب المزيد من النساء لقطاعات العمل المختلفة؟
¶ تولي دولة قطر اهتمامًا خاصًا بتمكين المرأة وإدماجها في سوق العمل من خلال إطار قانوني واستراتيجي متكامل يعكس رؤيتها الوطنية الطموحة. وأسهمت دولة قطر في خلق بيئة عمل جاذبة وداعمة للمرأة القطرية، ما عزّز من إقبالها على الانخراط في مختلف القطاعات الاقتصادية والمهنية. فالدستور القطري كفل مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، والقوانين العمالية ضمنت للمرأة حماية خاصة فيما يتعلق بإجازات الأمومة وساعات الرعاية، فضلًا عن نظام العمل الجزئي في بعض الجهات، وهو ما يسمح لهن بمتابعة مسيراتهن المهنية دون الحاجة للمفاضلة بين التقدم المهني ودورهنّ كأمهات ومربّيات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت دولة قطر الأولى في دول مجلس التعاون الخليجي التي منحت المرأة فرصة للعمل كقاضية. وتتجاوز نسبة الكادر النسائي في المجلس الأعلى للقضاء 48%، في حين بلغت نسبة شغل النساء للمناصب العليا في إدارة القضاء 69%. كما أن دولة قطر كانت صاحبة مشروع القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2021 بجعل يوم العاشر من مارس يومًا عالميًا للقاضي المرأة.
إلى جانب ذلك، تبنّت الدولة توجهًا واضحًا في دمج المرأة ضمن استراتيجيات التنمية البشرية، وفق رؤية قطر الوطنية 2030، ما انعكس في التوسّع في البرامج التعليمية المتقدمة، وتشجيع الفتيات على دراسة مختلف التخصصات العلمية والمهنية، مثل الهندسة والتكنولوجيا وريادة الأعمال، حتى فاقت نسبة الخريجات في جامعات دولة 72% من عدد الخريجين القطريين الكلي عام 2024، وهي نسبة أعلى من المعدل العالمي للنساء في الجامعات. وذلك ناهيكم عن تشكيل لجنة وطنية لمتابعة شؤون المرأة والطفل وكبار السن وذوي الإعاقة بموجب قرار مجلس الوزارة رقم (26) لسنة 2019، والتي تشمل اختصاصاتها رصد أوضاع حقوق المرأة ودراسة التشريعات المتعلقة بتمكينها.
كل هذه الأمثلة تشكّل دلالة واضحة على وجود دعم منهجي ومتكامل لتمكين المرأة القطرية، وقد انعكس هذا التمكين المؤسسي في تزايد مشاركتها الفاعلة في سوق العمل، ضمن مسارات مهنية متنوعة، تواكب طموحات التنمية، وتُثري الاقتصاد الوطني بكفاءة واقتدار.

◆ نسبة الفتيات في المراحل الدراسية المختلفة كبيرة، فهل النسبة مماثلة في سوق العمل؟
¶ صحيح أن الفتيات يشكّلن نسبة مرتفعة في المراحل الدراسية، لا سيّما في التعليم الجامعي، حيث تفوق نسبتهن في بعض التخصصات 70%، وهو مؤشر إيجابي على إقبالهنّ على التحصيل العلمي. إلا أن هذه النسبة لا تنعكس بشكل موازٍ في سوق العمل، إذ لا تزال هناك فجوة نسبية بين مخرجات التعليم ومعدلات المشاركة الفعلية للمرأة في بعض القطاعات.
فوفق إحصائيات نشرتها منظمة العمل الدولية عن سوق العمل القطري عام 2024، والتي يمكن الاطلاع عليها عبر موقع البنك الدولي، بلغت نسبة المشاركة في سوق العمل من الذكور نسبة 95.6% من إجمالي عددهم، بينما وصلت لدى الإناث إلى 63,3% من إجمالي عددهن. ويجب الانتباه هنا إلى أن تلك النسبة لتمثيل النساء في سوق العمل هي الأعلى تاريخيًا، ما يشير إلى الاتجاه الإيجابي لهذه الأرقام، وأن السنين القادمة إن شاء الله ستشهد توازنًا أكبر في التمثيل مع استمرار جهود التمكين والتدريب والتعليم.
ويُعزى هذا التفاوت إلى عدة عوامل، منها محدودية الفرص في مجالات معينة، أو التحديات الاجتماعية المرتبطة بالتوفيق بين الأدوار الأسرية والمهنية، أو ضعف التوجيه المهني المبكر الذي يربط التعليم باحتياجات سوق العمل. وهنا تبرز أهمية الإرشاد المهني كأداة استراتيجية لتقليص هذه الفجوة، وهو ما يسعى إليه مركز قطر للتطوير المهني من خلال برامجه التي تستهدف الشباب والشابات على حدّ سواء منذ المراحل الدراسية المبكرة، لمساعدتهم على فهم السوق، وتحديد المسارات المهنية التي تتوافق مع قدراتهم وطموحاتهم.
كما تُسهم الحملات التوعوية والمحتوى الإعلامي، مثل ما نُشر في عددنا الأخير من مجلة «دليل الإرشاد المهني»، في تسليط الضوء على قصص نجاح نسائية تُلهم الطالبات، وتدفعهنّ للتمسك بطموحاتهن، وتحقيق حضور مهني وازن ومتوازن في سوق العمل.

◆ ثمة تركيز من النساء على الالتحاق ببعض القطاعات، مثل التعليم، فما هي العوامل التي تحدد توجهات المرأة الوظيفية؟
¶ تتأثر توجهات المرأة القطرية الوظيفية بعدة عوامل متداخلة، من أبرزها البيئة الاجتماعية والتوقعات الثقافية، إذ تميل كثير من الأسر إلى تفضيل قطاعات مثل التعليم والرعاية الصحية والإدارة، لِما توفره من بيئات عمل مستقرة، وساعات دوام مرنة، تتماشى مع التزامات المرأة الأسرية.
كما تلعب القدوة النسائية دورًا محوريًا، فكلما زاد تمثيل المرأة في قطاع معين، أصبح أكثر جذبًا للفتيات، وهذا ما نلاحظه في التعليم والطب، مقابل ضعف التمثيل في القطاعات الصناعية أو التقنية، ما يقلل من جاذبيتها.
ولا يمكن إغفال أثر التوجيه المهني في هذا السياق، إذ تشير الدراسات إلى أن ضعف التوعية المهنية في المراحل الدراسية المبكرة قد يحصر تصوّر الطالبات في مسارات مهنية تقليدية، بدلًا من استكشاف مجالات جديدة وواعدة، كالهندسة، والأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، التي قد تكون أقرب وأنسب للطموحات الفردية لكل منهن. ومن هذا المنطلق، يعمل مركز قطر للتطوير المهني على زيادة اطلاع الشابات على الفرص المهنية المتاحة لهنّ، من خلال تنظيم برامج معايشة مهنية وتدريب عملي مثل «القرية المهنية»، و»مهنتي – مستقبلي»، وغيرها. كما نقدّم عبر منصاتنا المختلفة وعبر «دليلك المهني» محتوى ملهمًا يبرز قصص نساء قطريات اخترن مسارات غير تقليدية، ما يُسهم في توسيع الأفق المهني للفتيات وتشجيعهن على خوض تجارب مختلفة.

◆ ما هي اقتراحاتكم لزيادة مشاركة النساء في القطاعات المختلفة؟ 
¶ لزيادة مشاركة النساء القطريات في مختلف القطاعات، لا بد من اعتماد مقاربة شاملة تجمع بين السياسات الوطنية، والتمكين المؤسسي، والتوجيه المهني المبكر. أولاً، من المهم متابعة تعزيز مرونة بيئة العمل للسيدات، وهو ما تدأب عليه مؤسسات الدولة وصناع سياساتها مشكورين، بما يعزز استمرارية المرأة في سوق العمل، لا مجرد دخولها إليه.
ثانيًا، يجب الاستثمار في بناء القدرات النسائية في التخصصات الواعدة، مثل التكنولوجيا، والطاقة، والابتكار، عبر برامج تدريبية متخصصة، وتشجيعهن على الالتحاق بالجامعات والمؤسسات التعليمية التي تقدم هذه المسارات.
وثالثًا، نؤكد على أهمية التوجيه المهني المتكامل، الذي يرافق الطالبة منذ مراحل التعليم المبكرة وحتى الانتقال إلى سوق العمل، وهو ما يحرص عليه مركز قطر للتطوير المهني، وسائر شركاء التوجيه والتطوير المهني في الدولة، والمؤسسات المعنية بالاستثمار في مستقبل شبابنا وشاباتنا وتهيئتهم جميعًا للمساهمة في مستقبل التنمية في الدولة. 

◆ كيف يمكن أن تسهم الأسرة في الاختيار المناسب للوظيفة المناسبة للمرأة؟
¶ تلعب الأسرة دورًا جوهريًا في تشكيل التوجهات المهنية للذكور والإناث، لا سيما في المجتمعات ذات الطابع الأسري الداعم والمترابط والمتين، مثل المجتمع القطري. فالدعم الأسري لا يقتصر على الجانب العاطفي، بل يشمل التشجيع على استكشاف المهارات والطموحات الذاتية، وتوفير مساحة للحوار المفتوح والعقلاني حول الخيارات المهنية المناسبة والمُنتجة.
وحين تؤمن الأسرة بقدرات بناتها، وتُسهم في توجيه تلك القدرات، وتمنحها الثقة في اتخاذ قراراتها المهنية، فإنها تضع الأساس لمستقبل مهني ناجح ومتوازن. كما يمكن أن تكون الأسرة شريكًا فاعلًا في العملية الإرشادية، عبر الاطلاع على التخصصات الحديثة، وحاجات سوق العمل، ومواكبة التغيّرات التي تطرأ على البيئة المهنية، بالاعتماد طبعًا على المصادر الموثوقة والمعلومات المستقاة من المختصين، سواء في مركز قطر للتطوير المهني أو غيره من الجهات الداعمة، وهو ما يعزّز من جودة الاختيار للشبان والشابات.