حملة شعبية من أجل الحفاظ على أقدم دور عرض سينمائي في روما

alarab
ثقافة وفنون 06 نوفمبر 2014 , 12:00م
روما - د ب أ
نجح المخرج الإيطالي العبقري جيوزيبي تورناتوري في أسر عقول وقلوب المشاهدين على مستوى العالم منذ حوالي ثلاثة عقود بفيلمه (سينما باراديزو)، الذي يتناول قصة مجد وانهيار دار عرض تحمل هذا الاسم في قرية صغيرة بصقلية.

الآن وبعد كل هذه السنوات تحدث تجربة واقعية مشابهة بعض الشيء مع دار عرض (سينما أميركا) في العاصمة روما، وأبطالها مجموعة من شباب المدينة، الذين حصلوا على دعم عدد من كبار الممثلين والمخرجين الإيطاليين بل وحتى الرئيس لإنقاذ هذه الدار.

وكانت (سينما أميركا) فتحت أبوابها للجمهور منذ 50 عاما في تراستيفيري، والذي كان حينها أحد أحياء العمال وأصبح حاليا من أهم مناطق الموضة في روما، ثم أغلقت أبوابها في التسعينيات واستحوذ عليها ملاك جدد يخططون لهدمها لإنشاء بناية راقية مكانها.

كان لمجموعة من الطلاب رأي آخر، حيث قرروا في 2012 دخول منشآت دار العرض المهجورة لينشئوا (سينما أميركا أوكوباتو)، وهو عبارة عن مركز ثقافي يقدم عروضا للأفلام ودروسا في المسرح ومكان لتحليل مباريات فريق روما لكرة القدم. 

يقول الناشط فرانشيسكو لوموناكو لـ(د. ب. أ)، وهو طالب في العشرين من عمره، متأسفا على الوضع "حينما يكون سنك 16 أو 18 أو 20 عاما، تدرك أنك اذا أردت قضاء وقت ممتع في أي مكان كما نفعل نحن، فإنك غالبا تكون مجبرا على دفع النقود.. في تراستيفيري، يحاولون تحويل أي ركن إلى مبنى سكني، في الوقت الذي اختفت فيه المتاجر التقليدية واستبدلت بحانات تحمل أسماء ماركات شهيرة".

وأشار لوموناكو إلى أن قرار احتلال السينما كان لتغيير الوضع حيث تابع "لم يكن بيننا أى مدمن على السينما، ما كنا نهتم به هو وجود مساحة للاستخدام العام".

بهذه الصورة وخلال ما يقرب من عامين تطورت الفكرة لينضم للقضية أسماء كبيرة في السينما الإيطالية.. أساتذة مثل فرانشيسكو روسي وإيتوري سكولا وممثلين ومخرجين مثل ناني موريتي ودانييلي لوكيتي وباولو سورينتينو، الفائز بأخر جوائز الأوسكار للأفلام غير الناطقة بالإنجليزية عن (الجمال العظيم)، وذلك بالموافقة على عرض أفلامهم بهذه الدار مجانا بل والمشاركة في ندوات ولقاءات للحديث عنها.

وأضاف الطالب "سعة السينما 700 مقعد ولكن حينما تنعقد ندوات أو أحداث بحضور المخرجين، دائما ما يحضر ألف شخص على الأقل، مشاهدة الفيلم معا وإمكانية التعليق حول مشاهد معينة يعد أمرا رائعا".

كانت الأمور تسير بشكل جيد حتى انتهى السحر في أيلول/ سبتمبر الماضي حينما قررت الشرطة إنهاء سيطرة الطلاب على منشآت دار العرض. يتذكر الناشط هذا الأمر بقوله "ظهر جيش مكون من ثمان مدرعات شرطية ويضم دورية لمكافحة الإرهاب الساعة السابعة وعشرين دقيقة صباحا، حيث اقتحموا المكان في ظل وجود شخص واحد ينام بالداخل، والذي بالطبع لم يقاوم وخرجت بعض السيدات الكبيرات في السن وهن يصرخن في وجه أفراد الأمن".

ويرى لوموناكو أن سلطات العاصمة يجب عليها إقناع الملاك بضرورة تحويل منشآت السينما إلى بناية محمية لكي لا يتم تحويلها إلى مبنى للسكن الراقي، إلا أنه حتى الآن لا يوجد تقدم في الموضوع.

يسعى النشطاء لشراء السينما على أساس حملة يشارك فيها سكان الحي وعدد من نجوم السينما، حيث يدعم الفكرة عدد من النجوم مثل توني سيرفيو واليوم جيرمان ومخرجين مثل سورنتينو، وفقا لما قاله الطالب.

وبحسب ما قاله مؤخرا متحدث رسمي باسم الحكومة المحلية، فإن عمدة روما إجنازيو مارينو يسعى للاجتماع بالملاك الحاليين للدار لمحاولة اقناعهم ولكنه حذر "السينما ملكية خاصة، واذا كانت لديهم رغبة في عدم البيع، فلا يمكننا القيام بشيء".

من ناحيته يقول مالك الدار ماسيمو بانيني لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب .أ) إن "عملية البيع ستتوقف على ما إذا كان النجوم الكبار الذين عرضوا المساعدة مستعدين بالفعل للمشاركة في الدفع أم لا، لأنه يرى أن طلاب عمرهم 20 عاما لا يمكن التعامل بجدية مع تطلعاتهم للشراء.

وأكد بانيني حبه للسينما رافضا أن يتم اعتباره مجرما أو "قاتلا للثقافة"، في الوقت الذي أغلقت فيه الكثير من دور العرض أبوابها أو خضعت للتجديدات دون هذا القدر من الجدل"، موضحا أن السينما في الوقت الحالي لا تشهد إقبالا كبيرا من الجمهور حيث ضرب مثالا بأنه ذهب مؤخرا لمشاهدة أحد الأفلام الكبيرة ولم يجد في السينما سوى 30 شخصا فقط.

وأكد مالك الدار أنه تلقى اخطارا للاجتماع مع العمدة، دون إيضاح موعد انعقاد اللقاء بين الطرفين. قرر لوموناكو وباقي رفاقه الانتقال بعد ما فعلته الشرطة إلى (ليتل سينما أميركا) التي تقع بالقرب من مخبز أغلق أبوابه منذ عدة سنوات، حيث منح ملاكه حق استخدام المكان مجانا لهذه المجموعة من الطلبة لحين النجاح في بيعه.

وكتب النشطاء في صفحتهم على (فيس بوك) "نشعر بالحنين إلى (سينما أميركا)، ولكننا في نفس الوقت نشعر بالسعادة لنجاحنا في إنشاء هذه السينما الصغيرة في الوقت الذي تنعدم فيه الخدمات الثقافية في روما".

ويقول النشطاء إن روما عانت خلال السنوات الأخيرة من تكرر حالات إغلاق دور العرض لتشمل 42 سينما وهو الأمر الذي يفسر تزايد شعبية مشاهدة الأفلام على الإنترنت.

هذا وتعاني العاصمة الإيطالية من أزمة في الميزانية انعكست من خلال استقطاعات في مجال الثقافة، إلا أن كل هذا لم يؤثر في عزيمة الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و 22 عاما ويزداد الدعم الموجه لهم بمرور الأيام.

ولم يخف الرئيس الإيطالي جورجيو نابوليتانو دعمه لهذه المجموعة في رسالة قال فيها "جهود من يعملون للإبقاء على وجود موسع للمراكز الثقافية ودور السينما في الأحياء التاريخية بالمدن الإيطالية يجب أن يتم تقديرها بشكل ايجابي للغاية".

الدعم الموجه لهذه المجموعة يحمل أيضا أوجه معنوية، حيث يقول لوموناكو إن هنالك سيدة كبيرة في السن تزورهم يوميا وهي تحمل معها صينية من المعكرونة تعدها بيديها لتشجيعهم على الاستمرار.