الفنانة العالمية مونيكا بولاندا لـ «العرب»: رحلتي إلى «الفن الإسلامي».. تجربة ملهمة

alarab
المزيد 06 مارس 2025 , 01:24ص
محمد عابد

التعددية الثقافية والتواصل بين الحضارات أهم ما يميز أعمالي
الفنان الحقيقي يجب أن يحمل قصة وليس مجرد لوحة زينة

 

احتضنت المؤسسة العامة للحي الثقافي كتارا مؤخرا معرض «توازن» للفنانة العالمية مونيكا بولاندا، وهي من بولندا، وقدمت فيه مجموعة من أعمالها التي تستلهم فيها الفن بالثقافة والتاريخ، وتحاول الفنانة البولندية مونيكا رسم ملامح تجربتها الفريدة، التي تستقي إلهامها من تفاعلها مع ثقافات متعددة، بدءًا من بولندا وتركيا، مرورًا بالصين، ووصولًا إلى قطر. التقت «العرب» الفنانة للتعرف على تجربتها وتأثرها بالفن الإسلامي وتجربتها في تجميع صور نادرة من تاريخ قطر لتضمينها في أعمالها. كما تناولت مفهومها للفن، ورحلتها نحو إيجاد التوازن بين التقليد والحداثة.

◆ بدايةً.. من هي مونيكا بولاندا؟
¶ أولًا وقبل كل شيء، أنا فنانة وموسيقية، أعمل في الفن متعددة التخصصات، مما يعني أنني أدمج بين الفن التشكيلي والموسيقى والفيديو، وأحاول الربط بين أشكال فنية مختلفة في عمل واحد. أنا في الأصل من بولندا، لكنني أعيش في تركيا منذ عام 2008، أي منذ 17 عامًا تقريبًا، ومهتمة جدا بالتعرف على الثقافات المختلفة، ولهذا السبب أتحدث عدة لغات، وهو جزء كبير من هويتي كفنانة. أرى أن اللغة هي مفتاح التواصل مع الثقافات المختلفة، وهذا يمثل جوهر عملي الفني وهناك كتاب يصدر عن دار الشرق قريبا أقدم فيه قصتي وتجربتي الفنية.

◆ عند رؤية أعمالك يبدو أنها تعتمد على الفسيفساء أو السيراميك والخشب... كيف نشأت هذه التقنية لديك؟
¶ في هذا الفن، تعبر كل صورة عن ثقافة مختلفة، أو قصة فريدة، أو فكرة تأتي من أشخاص يأتون من أماكن مختلفة ويضيفون لمساتهم الخاصة إلى المدينة، مما يجعلها أكثر تنوعًا وحيوية. جاءتني فكرة هذه التقنية عندما كنت أنظر إلى مشهد إسطنبول من مكان مرتفع، حيث يمكنني رؤية الأشخاص المختلفين وقصصهم. ثم عندما زرت نيويورك ونظرت من شرفة هناك، شعرت بنفس الشعور عندما رأيت الأضواء تنبعث من نوافذ المباني، مما ألهمني لإنشاء عمل يربط بين هذه القصص المتنوعة.
◆ هل يمكن القول إن الفن الإسلامي أثر على أعمالك؟
¶ بالتأكيد، الفن الإسلامي يتميز بالتفاصيل الدقيقة، خاصة في العمارة. لطالما أبهرتني هذه التفاصيل منذ طفولتي، وعندما زرت متحف الفسيفساء في شرق تركيا، تأثرت جدًا بمدى قوة وتأثير القطع الفنية القديمة حتى في الوقت الحاضر.
أعيش في تركيا وأتفاعل يوميًا مع الفنون المعمارية التركية، وليس فقط التركية بل أيضًا تلك الفنون القادمة من الشرق، الأقرب إلى الطابع العربي. كما أنني عشت في الصين لفترة، وتأثرت بتفاصيل فنونها المعمارية أيضًا، وكل هذا يمتزج في ذهني ويظهر في أعمالي.

◆ هل زرت متحف الفن الإسلامي في قطر؟ وما رأيك فيه؟
¶ نعم، بالطبع! كان من أوائل الأماكن التي زرتها، ففيه قطع فنية غنية ورائعة، وعرضها يتم بطريقة احترافية تجعلك تشعر بجمال القطعة داخل فضاء المعرض، مما يعكس أسلوبًا فريدًا في تقديم الفن الإسلامي. إنه أحد أكثر المتاحف التي أذهلتني، حيث يمزج بين التفاصيل الدقيقة والحداثة في التصميم.

◆ شاركتِ في معرض أقيم بمناسبة كأس آسيا في الدوحة.. كيف كانت هذه التجربة؟
¶ نعم، كان هذا أول معرض لي في الدوحة، وكان معرضًا جماعيًا شارك فيه حوالي 50 فنانًا آخرين. كنت أعمل في أحد الاستوديوهات الفنية في قطر، وكان الجميع هناك يشجعونني على تقديم عمل مرتبط بالثقافة القطرية. ومن هنا جاءت الفكرة بأن أستخدم صورًا قديمة من تاريخ قطر داخل أعمالي الفنية، والتي حصلت عليها من مكتبة قطر الوطنية، وقد تطلّب الأمر جهدًا كبيرًا لأن هذه الصور ليست متاحة بسهولة، لكن بمساعدة بعض الأشخاص في المكتبة، تمكنت من العثور على كتاب يحتوي على الصور التي احتجتها، وبدأت في استخدامها ضمن تقنية الكولاج داخل أعمالي.

◆ كيف تجدين المشهد الفني في قطر؟ وهل تتابعين الفنانين القطريين؟
¶ أتابع بعض الفنانين القطريين، لكن الأسماء صعبة بعض الشيء بالنسبة لي! بشكل عام، أرى أن المشهد الفني في قطر يميل إلى الكلاسيكية، حيث يركز على الرسم الزيتي والتقنيات التقليدية، لكنني أعتقد أنه مع مرور الوقت، ستتطور الساحة الفنية لتشمل المزيد من الفن المعاصر. هناك بالفعل بعض المساحات التي تعرض أعمالًا حديثة، ولكن بشكل عام، يغلب الطابع الكلاسيكي على الأعمال الفنية هنا، وأرى أن هذا سيتغير بمرور الوقت، خاصة مع تعرض الفنانين القطريين لأشكال جديدة من الفن العالمي.

◆ كيف تقيِّمين تجربة الاستوديوهات الفنية في قطر مثل كتارا ومطافئ مقر الفنانين؟
¶ لديَّ خبرة مع كتارا فقط، حيث استخدمت الاستوديو هناك، ولم أتعامل مع أماكن أخرى حتى الآن. تجربتي في كتارا كانت إيجابية جدًا، فقد تلقيت دعمًا كبيرًا وتم الترحيب بي بشكل رائع. بالطبع، استغرق الأمر بعض الوقت لأتأقلم مع طريقة العمل هنا، فالثقافة مختلفة عن التي اعتدت عليها، ويتطلب الأمر صبرًا لفهم كيفية سير الأمور.

◆ تتنقلين بين قطر وتركيا والسويد بشكل دائم.. فما انعكاس هذا على أعمالك؟
¶ نعم، أحب التنقل بين عدة أماكن، فهذا يسمح لي بالاطلاع على ثقافات متنوعة ولقاء أشخاص من خلفيات مختلفة، مما يغذي تجربتي الفنية ويجعلها أكثر عمقًا.

◆ ما هي رسالة الفن بالنسبة لك وخاصة معرضك الأخير توازن؟
¶ الفن هو أحد أهم الأشياء في حياتنا، وهو يحمل رسالة قوية عندما أتيت إلى قطر لأول مرة، لاحظت أن التقاليد هنا قوية جدًا، لكن في نفس الوقت هناك نهضة معمارية وحداثة مذهلة، وهذا التباين بين التقليدي والحديث خلق نوعًا من التوازن الفريد، وهو ما ألهمني لاختيار كلمة «التوازن» كعنوان لمعرضي هنا. كل مكان له طابعه الخاص، فعلى سبيل المثال، إذا سألتني عن إسطنبول، سأقول إنها «فوضوية»، بينما قطر أكثر «توازنًا.

◆ كيف ترين تقييم الفنانين؟ وهل يمكن اعتبار البعض مقلدين؟
¶ بالنسبة لي، الفن يجب أن يكون له قصة وجذور واضحة، وأحب الأعمال التي تحمل بُعدًا عميقًا وقيمة فكرية، وليس مجرد قطع للزينة. لا أرى أن الفنان الحقيقي يمكن أن يكون «مزيفًا»، فالفن ينبع من الداخل، ولكن بعض الفنانين يقومون بالنسخ وهذا ليس سيئًا، لأنهم يظلون في النهاية منشغلين بالفن وليس بشيء آخر. المهم أن يكون لديهم رسالة واضحة.

◆ ما هو جوهر قصتك الفنية؟
¶ قصتي معقدة، ولكن إذا كان هناك شيء واحد يميز أعمالي، فهو اهتمامي بالتعددية الثقافية. أحب مقارنة الثقافات المختلفة وإيجاد الروابط بينها، وأحاول أن أخلق جسرًا بين التقاليد المتنوعة في أعمالي. هذا الاهتمام بدأ منذ طفولتي، حيث كنت شغوفة بالتعرف على الأشخاص من خلفيات مختلفة ومحاولة فهم طرق تفكيرهم، ومن هنا جاءت فلسفتي الفنية.