دعاة ومختصون: الخير في عيالنا باق.. وأجيالنا معطاءة
تحقيقات
05 ديسمبر 2015 , 02:21ص
حامد سليمان
«أجيال معطاءة»، ربما يكون التعبير الأمثل لحملات منظمة لأطفال قطر ليقوموا بالتبرع لإخوانهم في شتى أنحاء العالم، فبعد ما رأيناه من تفاعل قوي من أهل قطر مع كل ملمة تحيق بالمسلمين، سواء في سوريا أو بورما أو اليمن أو فلسطين أو غيرها العشرات من دول العالم، طفت وبقوة مساهمة ملحوظة من الصغار من أبناء قطر لمساندة إخوانهم وبشتى السبل.
وبين طفلتين لم تتجاوزا السنوات العشر تقومان بعمل «كب كيك» وتبيعانه لصالح أطفال سوريا، وطفل يتبرع بكامل مصروفه ويرجع يومياً لمنزله جائعا ليوفره لإخوانه السوريين، وعشرات القصص لأطفال ربما لم يصل لأحد نبأ ما قاموا به لأجل السوريين طمعاً في ثواب الله، تكمن قصة أطفال قطر مع التبرع والتصدق، التي يؤكد دعاة ومختصون في حديثهم لـ «العرب» أنها مثال يحتذى به في أعمال الخير.
وأكدوا أن المؤسسات الخيرية تعمل على دعم قيم التصدق في نفوس الأطفال بالتعاون مع مختلف مدارس قطر، حيث يقوم الكثير من المؤسسات بتوزيع حصالات يضع فيها الطفل تبرعه وتجمع بعد فترة، لترفق برسالة لأخيه المحتاج في أي دولة حول العالم.
وشددوا على أن بعض الرحلات التي يرافق فيها الأطفال المؤسسات الخيرية يكون لها أثر عظيم في نفوسهم، حيث يرون مؤدى تبرعهم، وكيف أسهم في رفع المعاناة عن إخوانهم حول العالم، مطالبين ببذل المزيد من الجهد من أجل استمرارية هذه القيمة العظيمة بين أبناء قطر، الذين عرف عنهم أنهم ملاذ كل محتاج، لتظل قطر اسماً وفعلاً «كعبة المضيوم».
في البداية قال الداعية الدكتور عايش القحطاني: للتصدق شأن عظيم في ديننا، فهو المحقق الأول للتكافل بين المسلمين، لنأخذ من أموال الأغنياء ما يسد حاجة الفقراء، وفي ظل المعاناة التي يعيشها إخواننا حول العالم، زادت أهمية الصدقة في حياة المسلمين، ومن بين الآيات القرآنية التي تحث على التصدق، قول ربنا سبحانه وتعالى: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ) [إبراهيم:31]. وقوله جل وعلا: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) [البقرة:195]، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم) [البقرة:254]، وكذلك قول ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة:267]. وقوله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن:16].
وأضاف: ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة»، (في الصحيحين)، وجاء في صحيح الترغيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ذكر لي أن الأعمال تباهي، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم)، ويتسع المقام لسرد ما جاء في فضل الصدقة سواء من قصص النبي والصحابة والتابعين أو القصص التي نعيشها في عصرنا هذا.
وأكد القحطاني على أن قيمة التصدق من القيم المهمة جداً التي تسعى المؤسسات الخيرية لزرعها في نفوس طلاب المدارس من خلال عدة نشاطات، والتي تتفاعل معها أعداد كبيرة من أبناء قطر، ليقدموا نموذجاً طيباً للتمسك بهذه القيمة.
وأردف: منذ أيام معدودة كنا بالسودان، وقد تكفل أبناؤنا من خلال تبرعاتهم ببناء وترميم بعض المدارس، وقمنا بتصويرها لنعرض عليهم ما قاموا به من إنجاز، من أجل حثهم على المزيد من التصدق لصالح إخوانهم المحتاجين، وقد تكلفت كل مدرسة قرابة 200 ألف ريال قطري، وحضر العمل بعض أطفال قطر.
وأشار إلى أن أحد القصص المؤثرة التي صادفها خلال جمع التبرعات من المدارس، هي لطالب قرر التبرع بمصروفه كاملا، فيقضي يومه الدراسي بلا طعام ليعود إلى منزله منهكا، من أجل جمع المصروف لإخوانه الأكثر حاجة منه، وهذا ما لاحظه أبوه وأخبر إدارة المدرسة والمسؤولين عن عملية جمع التبرعات من المدارس.
ولفت القحطاني إلى أن الجمعيات الخيرية تقوم بجهد ملموس في تعريف الأطفال بأهمية التصدق من خلال برامج عملية، ومن بينها مشروع «أنفعهم للناس»، الذي ترعاه قطر الخيرية، والذي يمثل تدريبا عمليا على التصدق، من خلال توزيع حصالات فارغة على الأطفال، وجمعها بعد فترة، حيث يقوم الصغار بوضع ما يقدرون عليه من نقود بها، حتى وإن كان ريال من الأهل بصورة يومية، ترفق برسالة إلى أخيه في سوريا أو غيرها من البلدان التي توجه لها المساعدات.
ونوه إلى إحدى سفريات «سفاري الخير» المؤثرة التي شارك فيها، حيث سُئل أحد الأطفال القطريين: ما أمنيتك؟ فقال: أن أصبح مهندساً، أعيد بناء منازل إخواني في سوريا، وبسؤال طفل آخر قال: أود أن أصبح تاجرا ليكون لدي المال الوفير، الذي يمكنني من مساعدة إخواني بسوريا، أما إحدى الأطفال السوريات فقالت: أتمنى أن أصير طبيبة أعالج أهلي السوريين، وأساندهم فيما يتعرضون له من معاناة، فكانت إحدى صور المساندة والتكافل التي جمعت أبناء قطر وسوريا الصغار على هدف واحد.
وأشار القحطاني إلى أن قطر من الدول المعطاءة، التي تقدم مساعداتها للكثير من الدول حول العالم، فعشرات البلدان التي يوجد بها محتاجون نجد أيادي الخير القطرية ممتدة إليها، متوقعاً أن يستمر عطاء أبناء قطر جيلاً بعد جيل، نظراً لما تقوم به المدارس والجمعيات الخيرية من جهد في تعريف الأطفال بهذا العمل النبيل، بل إن الأمر تطور لمشاركة فعالة من الأطفال من خلال سفرهم ضمن رحلات الجمعيات الخيرية ليروا ماهية المشروعات المقدمة لإخوانهم وكيفية مساندتهم، ورؤيتهم لأثر عطائهم حيث يكون له أثر عظيم على نفوسهم مستقبلاً من خلال المزيد من الدعم والمساندة لإخوانهم المسلمين والمحتاجين.
وأكد أن أطفال قطر يقدمون الكثير من الأفكار من أجل دعم إخوانهم المحتاجين حول العالم، فتجد منهم من يقترح عمل مشروع لهم، أو المطالبة بالمزيد من حملات التصدق، ما يؤكد أن دعم إخوانهم أولوية لديهم.
برامج قيمية
وقال عبدالناصر الزهر اليافعي مدير الإدارة التنفيذية للتحصيل والمنافذ بقطر الخيرية: إدارة التنمية المحلية بقطر الخيرية لديها عدد من البرامج التي تستهدف من خلالها الأطفال، ومنها ما هو قيمي كسنافي وهبة ريح، ونسعى من خلالها إلى غرس القيم في الأطفال، وبنهاية البرنامج نُقَيم مدى استفادة الصغار مما قدمناه.
وأضاف: القيمة التي قدمناها هذا العام كانت بعنوان «أنفعهم للناس»، من حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس»، فعملنا على تعليمهم كيفية مساعدة إخوانهم المتضررين في شتى أنحاء العالم، سواء داخل قطر أو خارجها، واستغرق البرنامج خمسة أشهر.
وأردف اليافعي: الطلاب تبرعوا لمشاريع بناء مدارس أو ترميمها، واجتهدوا في جمع هذه التبرعات من ذويهم، وتنظم قطر الخيرية رحلة لهم للمشاهدة والمشاركة في هذا العمل، ولدينا برنامج آخر يعنى بالمخترع الصغير بالتعاون مع النادي العلمي، حول كيفية ابتكار فكرة تنفع الناس، ووصلنا إلى مرحلة كيفية تسويق الفكرة، ومن ثم توجيه ما يحصل عليه المخترع للتبرعات الخيرية.
وأشار إلى أن قطر الخيرية لديها قرابة 160 محصلا موزعين في المجمعات التجارية والمستشفيات وغيرها من الأماكن العامة يستقبلون المتبرعين ومنهم أطفال صغار، وثمة مشاركة واسعة من الصغار خاصةً في شهر رمضان الفضيل.
وأكد مدير الإدارة التنفيذية للتحصيل والمنافذ بقطر الخيرية على أن مشاركة الأطفال في عمليات التبرع ما زالت دون المستوى المأمول، وأغلبها من باب التعلم، حيث يحرص ولي الأمر على أن يكون لابنه مشاركة يتعلم من خلالها قيم التصدق، لذا حرصت قطر الخيرية على أن تغرس هذه القيمة في الطفل بصورة عملية، بأن يقدم للطفل ما يثبت أين ذهبت النقود التي تبرع بها، فتقوم الجمعية بتصوير الأشياء التي تم شراؤها، والأماكن التي أنفق فيها المال، ومن ثم تقدم للطفل، ما يعلمه أن الأموال التي تبرع بها وإن قلت لها أثر في حياة الآخرين، فيشجعه هذه الأمر على الاستمرار.
ونوه إلى أن قطر الخيرية قامت بتوزيع حصالات على عدد من الأطفال، ليقوموا بوضع تبرعهم فيها، ومن ثم تجمع الحصالات بعد أربعة إلى ستة أشهر، فتختلف من طفل لآخر، وتسجل الحصالة باسم الطفل، وترسل إلى مناطق الأزمات الموجهة لها هذه التبرعات، فيرى الطفل ثمرة تصدقه، ما يحببه في التبرع، فيرى كيف ساعد الآخرين بعمله وإن كان بسيطا.
وشدد اليافعي على أن قطر الخيرية تضع من بين مهامها ودورها الأساسي أن تغرس قيم التبرع والتصدق في الصغار، لما لهذا الأمر من أثر مستقبلي ينشده الجميع، وهذه التبرعات وإن قلت فلها أثر كبير على إخواننا في دول أخرى، ولن يتعلم الأطفال هذا الأمر إلا من خلال ممارسة عملية حقيقية.
ولفت مدير الإدارة التنفيذية للتحصيل والمنافذ بقطر الخيرية إلى أن أهل قطر يتميزون بحبهم لمساعدة الغير، ومشاركتهم الواسعة في العطاء بكل الحملات الموجهة لإخوانهم، معرباً عن خشيته من أن تفقد الأجيال القادمة هذه القيم العظيمة، مرجعاً ذلك إلى التقدم التكنولوجي الأخاذ، الذي أثر بصورة مباشرة على الكثير من أمور حياتنا اليومية، والأطفال في مقدمة المتأثرين.
وأوصى أولياء الأمور أن يعلموا أبناءهم قيم التصدق، فهي البركة التي تحفظ البيوت، مشدداً على أهمية دور المؤسسات على اختلافها، وفي مقدمتها المدارس والجهات الحكومية، بأن يساهموا في هذه الحملات، فلا بد أن يتربى الجيل القادم على هذه القيم العظيمة.
نماذج مؤثرة
ومن جانبها قالت غادة بو جسوم مديرة الإدارة النسائية بمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية «راف»: لا شك أن «راف» تستهدف بصورة مباشرة تنمية الوعي لدى الأطفال بقضايا المسلمين من الفئات المستهدفة حول العالم، فمنذ قرابة عامين، وفي خضم الاحتفال باليوم الوطني، قمنا بتنظيم قسم أسميناه «افرح وفرحهم»، وكان عبارة عن معرض به صور تجسد معاناة إخوانهم في شتى أنحاء العالم وفي مقدمتها سوريا، ولكن بصورة تناسب الأطفال، بعيداً عن المشاهد الدموية، فكان عبارة عن خيط معلق عليه مختلف الصور، وشهد تفاعلا واسعا من الصغار.
وأضافت: قمنا بتوزيع كتيبات تحت اسم «المتصدق الصغير»، فيدخل الأطفال يشاهدون الصور، ومن خلال رصدنا وجدنا تأثرا من الأطفال بإخوانهم السوريين، فكان هناك إقبال كبير، وتبرع ملموس من الصغار لصالح إخوانهم، فتضمن الأمر شقين: أحدهما الرسالة التي نأملها من التعريف بآلام إخوانهم حول العالم، إضافة إلى تعليمهم وتعويدهم على قيم التبرع بصورة عملية.
وأردفت: وشاركت «راف» أيضاً في فعالية قامت خلالها بتوزيع بعض العلب على أطفال المدارس بمختلف الأعمار، وطلبنا منهم أن يضعوا تبرعهم بها، وأن يقوموا بكتابة ما يريدون من عبارات كرسالة لإخوانهم في سوريا، كإهداء من أطفال قطر لأطفال سوريا جاء فيها: «نحبكم ولن ننساكم»، وشعرنا بحماس كبير من الأطفال في تعبئتهم للعلب.
وأكدت بو جسوم أن ثمة تواصلا مستمرا بين مؤسسة «راف» ومختلف مدارس الدولة، والتي تضم نسبة كبيرة جداً من أطفال قطر، ومن بينها مجمع البيان الذي يضم طلاب المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، والذي جُمع منه قرابة 400 ألف ريال قطري، حيث قامت المدرسة بجمع التبرعات وسلمتها لراف.
ولفتت إلى أنه مع بدء التحضير لقوافل إزدان الموجهة لإخواننا السوريين في مختلف المخيمات بالدول المحيطة بسوريا، قامت «راف» بتوزيع علب فارغة على الأطفال، حيث يقوم الطفل بتعبئتها لتقدم إلى أخيه السوري، ناهيك عن الكثير من النشاطات المشتركة بين المؤسسة والمدارس والتي يتم من خلالها التعريف بمعاناة إخوانهم وحثهم على المشاركة في رفع المعاناة عنهم.
وأشارت مديرة الإدارة النسائية بمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية «راف»، إلى أن ثمة بعض الحالات الفردية المتميزة بين أطفال قطر، ومنها طفلتان في الصف الثالث الابتدائي قامتا بعمل «كب كيك»، وبيعها لصالح أطفال سوريا، وهي من الحالات المتميزة المؤثرة، فأطفال لم تتجاوز أعمارهم السنوات العشر قرروا أن يشاركوا بهذه الصورة التي رأوا فيها أنهم قادرون على مساعدة إخوانهم ولو بالقليل.
وأضافت: ومن بين الحالات أيضاً قيام بعض الأسر في أحد الفرجان بعمل معرض بحديقة الفريج، وطلبوا من الأطفال أن يحضروا ما يقومون بصنعه من أجل إخوانهم، ليقوم أولياء الأمور بشرائه، فمنهم من قام بعمل كيك ومنهم من وظف موهبته في الرسم، وغيرها من الحالات التي انصبت كلها حول مساعدة الإخوة في سوريا.