مطالب بهيئة رقابية مستقلة للإشراف على المشروعات الكبرى

alarab
تحقيقات 05 ديسمبر 2015 , 02:11ص
امير سالم
دعا مواطنون وخبراء لإنشاء هيئة رقابية فنية مستقلة للإشراف على تنفيذ المشروعات الكبرى، لافتين إلى أهمية أن تتمتع تلك الهيئة بصلاحيات واسعة في الرقابة والمتابعة للتأكد من مطابقة كافة مراحل العمل بالمشروعات للمعايير والمواصفات الفنية بداية من التصاميم مروراً بالتنفيذ والإنجاز، وانتهاء بالصيانة الدورية في مرحلة ما بعد التشغيل.

وأكدوا في حديثهم لـ «العرب» أن الأمطار التي بينت أخطاء قد تكون محدودة الضرر ببعض المنشآت مؤخراً إلا أنها كشفت عن حاجة ملحة لإنشاء مثل هذه الهيئة لضمان عدم تكرار وقائع مشابهة مستقبلا، خاصة في ظل الاستعدادات لتنفيذ مشروعات كبيرة واستحقاقات ضخمة مستقبلا.

وشددوا في الوقت نفسه على ضرورة إطلاع الرأي العام على ما سوف تنتهي إليه تحقيقات النيابة العامة مع الشركات المسؤولة عن تنفيذ المنشآت المتضررة من الأمطار. وقد انقسمت آراء المتحدثين حول جدوى أن يكون التشهير رادعاً للشركات المقصرة في تنفيذ أعمالها أو أن تتم المحاسبة ضمن أطر قانونية محددة، وإن اتفقوا على ضرورة توقيع العقوبات على المقصر المخالف للشروط والمعايير، وأن تشمل العقوبات حرمانا من تنفيذ مشروعات كبرى مستقبلاً ولفترة زمنية محددة، وسحب التراخيص من المكاتب الاستشارية حال ثبوت مسؤوليتها عن الوقائع محل التحقيق.

أين المعايير الفنية؟
«كشفت أزمة الأمطار أن هناك خللاً في إنشاءات مختلفة وهي وإن كانت بسيطة إلا أنها مهمة في سير الحياة العامة، ما يستدعي ضرورة إنشاء هيئة رقابية تتولى الإشراف على تنفيذ أعمال الإنشاءات والمشروعات الكبرى، بداية من المخطط العام حتى التسليم النهائي». هذا ما أكده المهندس يوسف الحمادي، موضحاً أن المنشآت التي كشفت عن بعض عيوبها الأمطار مؤخرا دفعت ضريبة ضعف الرقابة في تطبيق المعايير الفنية اللازمة في اختيار الشركات المنفذة، وفي وضع التصاميم اللازمة، وفي تقدير كفاءة الشركة المشرفة على إدارة المشروعات، وقدرة المقاول المكلف بالإنجاز على إنجاز أعمال الإنشاء الموكلة إليه، موضحاً أن المنظومة السابقة بالكامل غير قادرة على العمل بما يتناسب مع المتطلبات الفنية والمادية والمواصفات اللازمة لتنفيذ المشروعات.

وقال الحمادي إن أزمة الأمطار كشفت ضرورة إنشاء جهاز أو هيئة رقابية فنية مستقلة للإشراف على المشروعات، بداية من التصاميم مروراً بالمواصفات وتنفيذ العمل، وانتهاء بالصيانة الدورية في مرحلة ما بعد التشغيل، موضحاً أهمية أن يكون لهذه الهيئة دور رقابي يضمن الالتزام بالمعايير والمواصفات الفنية في كافة مراحل المشروعات الكبرى بالدولة.

دراسة المشكلة من جذورها
وأكد الحمادي ضرورة تفعيل أدوات المحاسبة وردع المتورطين فيما آلت إليه أحوال منشآت حديثة لم تتوافر فيها المعايير الفنية ومواصفات الأمن والسلامة عند التنفيذ، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة دراسة المشكلة من جذورها فيما يتعلق بالمشروع وعمره والتصاميم، وإدارة المشروع، ومدى مطابقة الأعمال المنفذة مع المواصفات والمعايير الموجودة في مستندات المناقصات المؤهلة لتنفيذ المشروع.

وقال إن تحقيقات النيابة العامة مع الجهات المسؤولة عن أزمة الأمطار يجب أن تشمل كافة الجهات المتداخلة في تنفيذ أعمال المنشآت المتضررة، منوهاً بأهمية تشكيل فرق فنية مؤهلة تدعم تحقيقات النيابة العامة بهدف الوصول إلى الحقيقة وكشف الأخطاء المرتكبة لتحديد المتسبب الحقيقي في الأخطاء، موضحاً أن التشهير بهذه الشركات الخاضعة لتحقيقات النيابة العامة حتى وإن ثبت تورطها، لن يكون سلاحاً فعالاً في إنزال العقاب الرادع عليها.

وأضاف «يمكن اللجوء إلى خيارات عقابية أخرى في حالة الانتهاء من تحديد المسؤولية وتوجيه الاتهام لجهة بعينها سواء كانت الاستشاري أو المقاول أو المنفذ، وساعتها يمكن اتخاذ قرار بالحرمان من المشاركة في أية مشاريع تابعة للدولة مستقبلا ولفترة معينة، بالإضافة إلى سحب الترخيص من الاستشاري كإجراء إضافي لمنع تكرار التجاوز مستقبلاً».

أخطاء
«ما شهدناه مؤخراً من بعض الأخطاء في الإنشاءات مؤسف خاصة أن شركات كبرى قامت على تنفيذ مشروعات هذه المنشآت، وقد بينت الأمطار أخطاء في التنفيذ ولم تصمد هذه المنشآت في مواجهتها».. هذا ما ذهب إليه الدكتور خليفة الجابر المسؤول السابق بوزارة الصحة، موضحاً أن الشركات المنفذة للمنشآت المتضررة من الأمطار تعاملت بنوع من الإهمال وسوء التقدير، ولم تلفت إلى تزويد المباني المتضررة بكافة وسائل الأمان اللازمة ومنها تصريف الأمطار انطلاقاً من أن قطر ليست غزيرة الأمطار، وأنها بلد مشمس، لافتاً إلى أن هذا الاعتقاد كان خطأً فادحاً انتهى إلى ما شاهدناه مؤخرا.

وقال الجابر: «إن المسؤولية جماعية عن أزمة الأمطار، ولا تقتصر على منفذي ومخططي مشروعات بناء وتجهيز المنشآت المتضررة، وإنما تمتد لتشمل الجهات الرقابية المسؤولة عن مطابقة الأعمال الإنشائية للمواصفات، وكذلك الجهة التي تسلمت المشروعات دون التأكد من قدرتها وما تم من تجهيزات لمواجهة حالات الطوارئ ومنها الأمطار بطبيعة الحال»، موضحاً أن هذه المسؤولية تشمل المسؤول الحكومي الذي أقر بصلاحية هذه المنشآت، وأن المساءلة والمحاسبة لا بد أن تشمل الجميع من كافة الأطراف المشاركة والفاعلة.

وأكد الجابر ضرورة تشديد الرقابة على المشروعات المقرر تنفيذها أو قيد التنفيذ حتى لا تتكرر أزمة الأمطار التي كشفت عيوباً في تنفيذ أو في طريقة التعامل مع مشروعات بناء منشآت مختلفة. وقال «قد تكون أزمة الأمطار «ضارة نافعة» إذا ما تم تغيير المفاهيم والسياسات القديمة في تنفيذ المشروعات الحيوية وغيرها»، موضحاً أنه كان يمكن تفادي هذه الأزمة باتخاذ إجراءات احترازية قبل موسم الشتاء، تشمل صيانة شبكات المجاري، وأن تبادر الأجهزة المسؤولة بخطوات استباقية لتفادي ما حدث من غرق للشوارع والمنشآت والمصالح الحكومية والمنازل.

عقوبات رادعة
ودعا الجابر إلى ضرورة إنشاء هيئة رقابية مستقلة تتسلح بصلاحيات واسعة وتتولى الإشراف على المشروعات الكبرى ومراقبة مدى مطابقتها للمواصفات والقياسات الفنية ومعايير الأمن والسلامة، موضحاً أن دور هذه الهيئة يجب ألا يقتصر على مراقبة مؤقتة في مراحل ما قبل تسليم هذه المشروعات، وأن يمتد ليشمل كافة ما يتعلق بمنشآت هذه المشروعات من أعمال صيانة.

وعن مدى إمكانية إنشاء هذا الجهاز الرقابي وأن يتولى مهامه في الرقابة ومنع التجاوزات والحيلولة دون تكرار الأخطاء التي وقعت مؤخراً، أوضح الجابر أن الأمر ليس صعباً على أرض الواقع لأن دور الهيئة سوف يكون بديلاً عن الاستشاري الهندسي، وسوف يعمل بضوابط صارمة تضمن قياس مدى مطابقة المشروعات للمعايير الفنية المعتمدة.

وقال الجابر إنه ليس من الداعين للتشهير بالشركات المتورطة في أخطاء أو تجاوزات في أعمال بناء وتجهيز المنشآت المتضررة من الأمطار، وإن كان يرى ضرورة أن يكون عقاب هذه الشركات فاعلاً ومؤثراً، مؤكداً أن الردع المعنوي لهذه الشركات يمكن تحقيقه بإجراء بسيط تقوم به الجهات الحكومية وثيقة الصلة، ويتجسد في وضع هذه الشركات في قائمة سوداء وحرمانها من المشاركة في المشروعات الحكومية لمدة 5 سنوات قادمة.

وتابع: إن خطوة من هذا النوع سوف تشمل العقوبة المالية أيضاً وهي غير محددة القيمة، وقد تكون ضخمة ومؤلمة لكل متورط في فساد أو تلاعب في المواصفات الفنية مستقبلاً.

من قصّر يجب أن يحاسب
«من قصر يجب أن يحاسب على قدر تقصيره، ولا بد أن يكون الحساب شاملاً لكل الجهات المشاركة في العمل والتقصير، وإن اختلفت نسبة المشاركة».. هذا ما أكدته السيدة إيمان صالح ناجي، لافتة إلى أن الأمطار كشفت عيوباً وأخطاء ما كان يجب أن تقع في تنفيذ مشروعات مهمة للغاية، وتمس صورة قطر أمام العالم.

وقالت «إن ما حدث مؤخراً يجب أن يكون جرس إنذار للجميع خاصة أن قطر مقبلة على أحداث عالمية كبرى تتسارع وتيرة الاستعدادات لها، موضحة أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيدا من المشروعات الكبرى، ما يستدعي ضرورة أن تكون مطابقة للمواصفات وقادرة على مواجهة التقلبات والظروف الحيوية، وأن تتطابق مع معايير الأمن والسلامة.

ونوهت بأن هذه المشروعات لا تحتمل المجاملة، ولا يمكن السماح بتكرار ما وقع من أخطاء، حتى وإن كانت بسيطة، موضحة ضرورة أن يكون ردع الجهات المسؤولة عن أعمال المشروعات المتضررة من الأمطار –حال ثبوت تورطها في تجاوزات أو تقصير– هو بداية الطريق الصحيح للتعامل بعقلية أكثر احترافية في تنفيذ المشروعات الكبرى.

إنفاذ القانون
وأكدت صالح أن إنفاذ القانون يجب أن يطال المتورطين في تجاوزات تنفيذ المشروعات المتضررة من الأمطار، لافتة إلى أن نشر أسماء الشركات المسؤولة عن التقصير يعد نوعاً من العقاب الشعبي على غياب الاحترافية، وما قامت به الشركات التي يثبت تقصيرها من تلاعبات بالمعايير الفنية، وقالت «كان القدر رحيما ولم تزهق أرواح أبرياء ولكن لا يجب الانتظار حتى تقع كارثة أسوأ من أزمة الأمطار التي صدمت الجميع، وكشفت أوجه خلل في تنفيذ منشآت كلفت ميزانية الدولة أموالاً ضخمة ولم تصمد في مواجهة الأمطار».

إعلان أسماء المتورطين
«من الواجب أن تقوم الجهات المختصة سواء كانت النيابة العامة أو الحكومة بإعلان أسماء الشركات المسؤولة عن تنفيذ المنشآت المتضررة من الأمطار، لأن الضرر أصاب الجميع، ومن حق المجتمع معرفة الشركات حتى تكون عبرة لمن يعتبر».. هذا ما قاله السيد ناصر الشهراني، موضحاً أن إعلان أسماء الشركات المنفذة ووثيقة الصلة بالمنشآت المتضررة من الأمطار –حال ثبوت مسؤوليتها– سوف يوجه لطمة قوية لها في السوق، وبالتالي يكبدها خسارة سمعتها، وقال «إن الشركات المنفذة للمشروعات الكبرى في أي مكان لديها سمعة كبيرة تؤهلها للفوز بعقود المشروعات، وقد بنت هذه السمعة بعد جهود سنوات طويلة من العمل». وتابع: «حال خسارة هذه السمعة لن تكون هناك فرصة للعمل بالسوق بسهولة، ولا بالطريقة التي كانت عليها في السابق وبالتالي تخسر الشركات أموالاً إلى جانب خسارة السمعة»، موضحاً أن عقاباً من هذا النوع سوف يجبر كافة الشركات الأخرى على الالتزام بكافة المعايير، وإن غابت الرقابة، لأن الردع سيكون قوياً وفوق قدرتها على الاحتمال.

جانب إيجابي
وأعرب الشهراني مجدداً عن تأييده لإنشاء جهاز أو هيئة رقابية تتولى المسؤولية عن المشروعات الحيوية من الألف إلى الياء، وأن يكون مخولاً بمراقبة أعمال الصيانة الدورية للمنشآت في فترة ما بعد تشغيلها لضمان عدم وقوع أخطاء أو تجاوزات، وتابع: إن عدة منشآت تعليمية وخدمية وبعضها ذو أهمية كبرى غرقت في مياه الأمطار التي تسربت إلى داخلها لوجود أخطاء، وقال «يجب أن يكون الحادث نقطة نظام للكافة سواء جهات حكومية أو الشركات العاملة بقطاع الإنشاءات، حتى لا يتكرر مستقبلاً»، موضحاً أن أزمة الأمطار لم تكن سلبية في مجملها، لأنها كشفت جانباً إيجابيا مهماً، ويتمثل في سرعة مبادرة أجهزة الدولة للتعامل مع المشكلة وسحب مياه الأمطار من الشوارع والمنشآت المتضررة في وقت قياسي، وإعادة الحياة إلى طبيعتها، ولم يقع حادث مروري واحد.