الشيخة موزا: منطقتنا ليست مصابة بالشلل فقط.. لكنها تسير إلى الوراء «بسرعة الضوء»

alarab
محليات 05 نوفمبر 2015 , 02:23ص
محمد الفكي
افتتحت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، أمس النسخة السابعة لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز» بمركز قطر الوطني للمؤتمرات، والذي يأتي هذا العام تحت عنوان «الاستثمار من أجل التطوير: تعليم ذو جودة عالية من أجل تحقيق نمو شامل ومستدام»، والذي يستمر لمدة يومين بمشاركة 1250 خبيراً إضافة إلى ممثلين عن الحكومات والمنظمات غير الحكومية وقادة الأعمال ورواد الأعمال الاجتماعيين يمثلون 120 دولة.

ورافقت سموها أثناء الافتتاح السيدة ميشيل أوباما سيدة الولايات المتحدة الأميركية الأولى والسيدة سيلفيا بونغو أوندمبا سيدة جمهورية الجابون.

كما تفضلت صاحبة السمو بمنح الدكتورة سكينة يعقوبي من أفغانستان جائزة وايز للتعليم للعام الجاري والتي تقدم لفرد أو فريق تقديراً للإسهامات الاستثنائية في مجال التعليم وتبلغ قيمتها 500 ألف دولار أميركي.

ورحبت صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، في بداية كلمتها، بالحضور لمؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم «وايز» والذي بات منبراً عالمياً لتطوير آليات الابتكار في التعليم وبذل جهدا مثمرا لتطوير عدد من السياسات ذات الصلة بالتقارير البحثية.

وأوضحت سموها أن «وايز» هذا العام يشهد نقاشا معمقا بشأن كيفية الاستثمار من أجل التأثير نحو تحقيق تنمية مستدامة وشاملة من خلال التعليم.

وقالت سموها: «اسمحوا لي أن أقر بأننا في هذه المنطقة لسنا مصابين بالشلل فقط ولكننا نسير إلى الوراء بسرعة الضوء، ولعل من سخرية القدر أننا لو تراجعنا إلى الوراء لأصبحنا أفضل حالا، فعلى سبيل المثال لا الحصر وقبيل حرب الخليج الأولى عام 1991 بلغت نسبة الالتحاق بالمدرسة الابتدائية في العراق %100، وقبلها فاز العراق عام 1982 بجائزة اليونسكو الدولية لمحو الأمية».

وتساءلت سموها «ماذا عن حالنا اليوم؟» وأجابت «لقد أفادت تقديرات حديثة لمنظمة اليونسكو عن وجود ثلاثة ملايين طفل غير ملتحقين بالمدارس على الأقل ممن هم في عمر المرحلة الابتدائية في العراق وسوريا وحدهما.

وأضافت : «إن شعورا كبيرا بالحزن والمرارة يستبد بوجداني وأنا أتذكر وجوه العلماء والأساتذة العراقيين الذين لجؤوا إلينا بعد احتلال العراق لتأمين الحماية لهم من الاغتيال في ظل فترة عانى فيها عدد من الأساتذة العراقيين استهدافا متعمدا في محاولة نشطة لزعزعة استقرار البلاد وتخريب البنية التحتية التعليمية، وقد شكلنا لجنة لحماية العلماء العراقيين وفعلنا كل ما بوسعنا بما في ذلك تزويدهم بملابس واقية من الرصاص لكن ما حصل بعد ذلك أننا فقدنا إمكانية التواصل معهم حيث طالتهم الاغتيالات واحدا تلو الآخر وهذا ما شجعنا لبذل أقصى جهد ممكن ففي عام 2010 قدم تحالف دولي ضم قطر قرارا بشأن حق التعليم في حالات الطوارئ خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة ويأتي القرار المذكور تأكيدا على حق الإنسان في التعليم والوصول إليه خلال الأزمات والصراعات كما يحث الدول على الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق باحترام المدنيين وعدم الهجوم على الأساتذة والطلاب والمنشآت التعليمية».

ونوهت سموها بأنه في يوليو 2011 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 1998 وبموجبه أصبح الهجوم على المدارس والمستشفيات بمثابة «خرق فاضح» لآلية الأمم المتحدة للرصد والإبلاغ عن الأطفال والصراعات المسلحة وقد يؤدي مثل هذا الانتهاك إلى إضافة القوات أو الجماعات المسلحة إلى «قائمة العار» الخاصة بالأمين العام للأمم المتحدة ومعاقبتها وفقا لذلك.

وتساءلت سموها: «ما الذي نقوم به لتعزيز هذه القرارات ولماذا يفلت الجناة دون أدنى عقاب؟» مشيرة إلى أنه ليس العراق أو سوريا أو فلسطين فقط ما تعاني هجوما على التعليم فقد تضرر بشدة نحو 30 بلدا على الأقل جراء الهجوم على المدارس بين عامي 2009 و2012 وعقبت سموها بالقول: «إنها مشكلة كونية حقا».

وتابعت: «إذا ما أردنا أن نخطو خطوة نحو حل هذه المشكلة ينبغي علينا ضمان الحصول على بيانات حديثة وموثوقة يمكن الاعتماد عليها واستخدامها للتخطيط الجيد لبرامج تدخلنا لدعم الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاعات ومساعدتهم على متابعة دراستهم ولذلك يجب أن تتم مساءلة جميع الجناة سواء أكانوا جهات حكومية أو غير حكومية وإجبارهم على تحمل كامل المسؤولية عن أفعالهم وهو ما من شأنه أن يكون رادعا لمثل هذه الأفعال وبالتالي ينبغي النظر بجدية في آليات تعزيز هذه المساءلة إما من خلال التعويضات المالية أو معاقبة المجتمع الدولي الأممي للجناة».

وأكدت سموها أن التعليم يتعرض للهجوم ولا مناص من النظر في مساءلة ومعاقبة الهجوم على التعليم من خلال تنفيذ الهدف الرابع «هدف التعليم» ضمن إطار عمل أهداف التنمية المستدامة الجديدة التي تم الاتفاق عليها في سبتمبر الماضي مشيرة إلى أنه بالتزامن مع اجتماع ينعقد في باريس اجتماع آخر لإقرار خطة العمل هذه ويجب أن يؤدي هذا الإقرار إلى بلورة فرص واقعية لتعزيز التزامنا وجهودنا فيما يتعلق بإيجاد أساليب عملية قادرة على تحقيق أولوياتنا وإننا على يقين من أن أهداف التنمية المستدامة ستكون بمثابة حلم في منطقة الشرق الأوسط لاسيَّما أننا مررنا بتجربة «الكابوس المرعب» للرجوع للخلف وقد تحولت مدارسنا إلى مقابر وطلابنا ومعلمونا إلى لاجئين والجثث صارت ملقاة على الشواطئ الأوروبية.

وأردفت سموها: «لقد خذلنا الأطفال الضعفاء المعوزين الذين يتوجه إليهم الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة وفي الحقيقة عندما يتعلق الأمر بأهداف التعليم فإننا لا نزال عاجزين عن الوفاء بوعودنا لجميع الأطفال والشباب في العالم، إننا أمام أجندة غير مكتملة بعد ويجب مساءلتنا على ذلك.

فمنظمة اليونسكو قدرت في آخر إحصاء لها وجود أكثر من 124 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس تتراوح أعمارهم بين المرحلتين الابتدائية والثانوية منهم 58 مليونا في عمر الابتدائية غير أن هذه البيانات صدرت في الأعوام الثلاثة الماضية قبل بروز أزمة اللاجئين ومن ثم فإننا نعتقد بأن الأرقام الحقيقية تفوق ذلك بكثير.

وأعربت سموها عن اعتقادها بأن الاستثمار في التعليم يعني الاستثمار في نتائجه على المدى المتوسط والبعيد فقد نشأت العلاقة بين التعليم والتنمية الاقتصادية منذ مدة بعيدة وكما هو معلوم تقدر اليونسكو أن كل يوم يستثمر في التعليم الابتدائي ينتج عنه عائد اقتصادي من 10 إلى 15 دولارا أميركيا، ونعلم أيضا أن كل سنة إضافية من التعليم يمكن أن تضيف %37 إلى الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما و%10 إلى متوسط عائد الفرد، مشددة على أنه ما أحوجنا إلى سياسيين يفهمون قوة التعليم بالنسبة لبلدانهم واقتصاداتها، فالإرادة السياسية مطلوبة باعتبارها إحساسا مشتركا بالمسؤولية التاريخية والأخلاقية تجاه حماية التعليم والاستثمار فيه».

وأضافت: «بعد هذه الإطلالة على حاضرنا القاتم والمظلم دعونا نلقي شعاع أمل على فرص مستقبل الشباب في العالم»، وإذا كنا جادين فإن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة الجديدة التي تم اعتمادها مؤخرا يمنحنا فرصة تاريخية لضمان التعليم الشامل والنوعي للجميع وتشجيع التعلم مدى الحياة، مبينة أن غايات هذا الهدف تركز على جميع مستويات التعليم بما في ذلك التعليم الابتدائي والثانوي مما يتيح لنا إيلاء اهتمام خاص للاستمرارية بين مختلف مراحل العملية التعليمة.

ونوهت بتولي برنامج «علم طفلا» منذ إطلاقه عام 2012 إقامة الشراكات الدولية للتصدي لمشكلة انعدام الفرص التعليمية النوعية للأطفال غير الملتحقين بالمدارس ممن هم في عمر مرحلة التعليم الابتدائي كما عمل البرنامج على إقامة الشراكات والتأكيد على الابتكار والاستدامة وتوسيع نطاق عمله لتيسير حصول الأطفال على حقهم في التعليم.

وقالت سموها إنني على أتم الإدراك بأن المرحلة الابتدائية ليست نهاية رحلة التعليم ولا ينبغي لها أن تكون كذلك وقد حدث انخفاض هائل في معدل انتقال الأطفال من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي كما نعلم أن عدد المراهقين الذين يكملون المرحلة الإعدادية يبلغ 1 من مجموع 3 مراهقين في البلدان ذات الدخل المنخفض مقارنة بـ5 من مجموع 6 مراهقين في البلدان ذات الدخل فوق المتوسط، ولذلك من الضروري حشد وبناء آليات فعالة لضمان الانتقال السلس من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي باعتباره شرطا أساسيا لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة مشيرة إلى أن برنامج علم طفلا يحرص على تبادل البحوث والتجارب والخبرات مع الشركاء المحتملين المستعدين لإكمال عملنا في توفير التعليم النوعي لما بعد المرحلة الابتدائية لفائدة الأطفال الذين يكملون برامجنا وإننا نشجع الشركاء الجدد للعمل معنا لضمان أن أطفال العالم الذين يكملون تعليمهم الابتدائي سيتاح لهم التعليم الثانوي النوعي».

وتابعت سموها: «بالرغم من اعترافي بخيبة الأمل والحزن والغضب أحيانا، لا أزال على أمل بقدرتنا على بناء مستقبل أفضل، ولعل هذا ما جعل برنامج الشباب المبدعين يحتل مكانة مميزة في قلبي، فمن خلال هذا البرنامج يمكننا جذب الشباب العرب المميزين ومنحهم الموارد والبيئة اللازمة لتجسيد إمكاناتهم في مختلف مجالات الإبداع، وهي فرصة ضاعت مرات عديدة في الماضي، وإننا محظوظون بوجود بعض هؤلاء الشباب معنا في فعاليات مؤتمر وايز وهذا يضعني أمام لحظة أتطلع فيها كل عام إلى الإعلان عن جائزة وايز للتعليم فمنذ أن أنشئت عام 2011 جسدت هذه الجائزة تطلعات وايز، إنهم مدافعون مثابرون عن حق التعليم».


س.ص