الظروف الإقليمية والدولية الحالية تتطلب تكثيف التنسيق والتواصل بين البلدين
قطر ومصر الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان تركزان على استقرار الإقليم
التكامل بين القاهرة والدوحة يظهر بوضوح في الوساطة المشتركة لوقف حرب غزة
الاعتداء على قطر لم يستهدف فقط الوساطة بل استهدف السيادة والأمن العربي
كلمة الرئيس السيسي بالقمة العربية الإسلامية عبَّرت عن إيمان مصر بالتكامل العربي
الاعتذار الإسرائيلي اعتراف بأهمية الدور الدبلوماسي القطري في المنطقة والعالم
في إطار تعزيز العلاقات الأخوية بين دولة قطر وجمهورية مصر العربية، ومع التطورات الإقليمية والدولية التي تشهدها المنطقة، تنفرد «العرب» بإجراء أول حديث صحفي مع سعادة وليد فهمي الفقي، سفير جمهورية مصر العربية الشقيقة لدى الدولة، لتسليط الضوء على العلاقات الثنائية العميقة التي تجمع البلدين الشقيقين، وآفاق التعاون بينهما.
وتتميز العلاقات القطرية المصرية بتاريخ طويل من التعاون والتنسيق في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ودعم التنمية المستدامة في إطار رؤية مشتركة للتقدم والازدهار. في هذا الحوار، نستعرض مع سعادة السفير مسيرته الدبلوماسية المتميزة التي امتدت لأكثر من ربع قرن، والتي شهدت محطات بارزة في العمل الدبلوماسي بكل من واشنطن، الرياض، اليابان، وكوريا الجنوبية، قبل أن يتولى منصبه الحالي كسفير لمصر في قطر.
يتناول الحوار رؤيته لتطوير العلاقات الثنائية، خاصة في ظل التحديات الإقليمية الراهنة، بما في ذلك الوساطة القطرية المصرية المشتركة لوقف العدوان على قطاع غزة، بالإضافة إلى تعزيز الاستثمارات الاقتصادية، والتعاون في مجالات التعليم والثقافة والرياضة.
كما يناقش السفير الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطر، ودور البلدين في دعم الاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى خطط طموحة لتعزيز الشراكات الاقتصادية والثقافية، مثل المشروع الاستثماري الكبير في الساحل الشمالي المصري.
وتأتي هذه المقابلة في وقت تشهد فيه العلاقات القطرية المصرية زخماً متجدداً، مع تكثيف الزيارات الرسمية والتنسيق المشترك على أعلى المستويات.
ومن خلال هذا الحوار، نسلط الضوء على رؤية السفير لتعزيز التكامل بين البلدين، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، مع التركيز على دور الجالية المصرية في قطر والفرص الاستثمارية الواعدة التي تعزز الشراكة الإستراتيجية بين الدوحة والقاهرة. كما يكشف الحوار عن أبعاد جديدة للتعاون بين البلدين، ويبرز الدور المحوري لهما في بناء مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا للمنطقة. وإليكم نص الحوار:
◆ كيف ترى تطور العلاقات القطرية المصرية في السنوات الأخيرة؟
¶ العلاقات القطرية المصرية ليست بحاجة إلى «تطور» بالمعنى التقليدي، لأنها علاقات أخوية قوية منذ استقلال دولة قطر. هناك تنسيق مستمر ومتزايد على كافة المستويات، بما في ذلك تبادل الزيارات الرسمية التي تعتبر على أعلى المستويات، بالإضافة إلى الزيارات الاقتصادية والمتعلقة بالاستثمارات بين البلدين، والتعاون الاقتصادي والسياسي.
الظروف الإقليمية الحالية تتطلب تكثيف التنسيق والتواصل بين البلدين، خاصة أن قطر ومصر هما الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان تركزان على استقرار الإقليم وتنمية مجتمعاتهما.
على سبيل المثال، حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى وفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يعملان على تعزيز التنمية الداخلية في بلديهما مع الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي.
هذا التكامل يظهر بوضوح في الوساطة القطرية المصرية المشتركة لوقف الحرب في غزة والإفراج عن الرهائن والمعتقلين.
الاعتداء الغادر
◆ كيف تقيم الاعتداء الإسرائيلي الأخير على قطر وردود الفعل تجاهه؟
¶ الاعتداء الإسرائيلي على قطر ليس مفاجئاً، نظراً لطبيعة السياسة الإسرائيلية العدوانية التي لا تحترم العهود والمواثيق.
هذا الاعتداء لم يستهدف فقط الوساطة القطرية وقيادات حماس التي تستضيفها قطر، بل استهدف السيادة القطرية والأمن العربي.
كلمة الرئيس السيسي في القمة العربية الإسلامية كانت قوية ومعبرة عن إيمان مصر بالتكامل العربي ورفضها لهذا العدوان.
الاعتذار الإسرائيلي جاء نتيجة ضغط أمريكي، وهو اعتراف بأهمية الدور الدبلوماسي القطري في المنطقة والعالم، سواء في الوساطة بين إسرائيل وفلسطين، أو في قضايا أخرى مثل الوساطة بين الكونغو ورواندا.
فرص استثمارية
◆ ما هي خططك كسفير لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين قطر ومصر؟
¶ لديَّ تكليفات من القيادة المصرية بتكثيف التعاون الاقتصادي مع قطر. من أولوياتي زيادة عدد المصريين العاملين في قطر في مختلف التخصصات، حيث تتمتع مصر بقاعدة تعليمية قوية يمكن أن تستفيد منها قطر.
كما نسعى لتعزيز الاستثمارات القطرية في مصر، خاصة في مشاريع كبرى مثل مشروع استثماري ضخم في الساحل الشمالي سيتم الإعلان عنه قريباً بالتعاون مع شركة الديار القطرية، هذا المشروع يبرز التكامل الاقتصادي بين البلدين. بالإضافة إلى ذلك، هناك فرص للتعاون في قطاعات الطاقة، مثل الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية، حيث تمتلك كل من قطر ومصر خبرات كبيرة في هذه المجالات.
فلدى قطر باع كبير في الطاقة الشمسية وكذلك مصر تنفذ مشروعات حيوية في هذا المجال مثل الموجود في أسوان.
المشروعات القطرية تولد حوالي 2000 ميجاوات، ونحن في مصر وصلنا إلى ما بين 1400 إلى 1600 ونستهدف زيادة تلك الأرقام، ونستطيع تحقيق ذلك في المستقبل بالتعاون مع الإخوة في قطر، حيث إن المجال مفتوح للاستثمارات المصرية في الدوحة، خاصة أن مصر لديها خبرات كبيرة في هذا المجال، فعلى سبيل المثال توجد شراكات مع الصين حالياً حيث نقوم بتصنيع الألواح الشمسية وهي ذات تكنولوجيا عالية.
إن قطر مليئة بالفرص الاستثمارية وتوفر تسهيلات متنوعة للمستثمرين وهذه نقطة مهمة جداً، وأنا دوري في هذه المرحلة شرح وتوضيح هذه التسهيلات والفرص الاستثمارية المتاحة في الدوحة، للشركات المصرية الكبيرة التي تعمل في الإقليم، والعمل على تشجيعها للاستثمار في قطر.
التعاون في التعليم
◆ هل هناك خطط لتطوير التعاون في مجال التعليم بين البلدين؟
¶ التعليم مجال حيوي للتعاون بين البلدين، هناك طلاب مصريون يدرسون في جامعات دولية تابعة لمؤسسة قطر، مثل جورج تاون وكورنيل، مما يعكس ثقة العائلات المصرية في النظام التعليمي القطري. كما أن هناك مباحثات بين وزيري التعليم في البلدين لتبادل الخبرات، خاصة في إدارة الجامعات الدولية وضمان جودة التعليم بعيدًا عن المنطق التجاري.
مصر لديها إجراءات صارمة لضمان جودة التعليم، وهناك إمكانية للتعاون مع قطر في هذا المجال، خاصة مع خبرتها في إدارة جامعات عالمية.
احتفالية مشتركة
◆ كيف يمكن تعزيز التعاون الثقافي والسياحي بين قطر ومصر؟
¶ قطر ومصر تتمتعان بتراث ثقافي غني، وقطر أصبحت رائدة في مجال المتاحف، بينما تمتلك مصر إرثاً حضارياً عالمياً.
نعمل حالياً مع متاحف قطر لتنظيم احتفالية مشتركة بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير في مصر في نوفمبر المقبل.
كما ننسق مع قطر للسياحة لإطلاق برامج سياحية مشتركة تتيح للسائحين زيارة قطر ومصر في رحلة واحدة، مستفيدين من شبكة الخطوط الجوية القطرية.
بالإضافة إلى ذلك، نخطط لتنظيم معارض في قطر لعرض الحضارة الإسلامية والفرعونية المصرية، مما يعزز التبادل الثقافي.
مرشح العرب
◆ مصر قامت بترشيح مدير عام لليونيسكو وهو الدكتور خالد العناني.. هل هناك تنسيق مع قطر أو مع الدول العربية في هذا المجال؟
¶ الدكتور خالد العناني هو مرشح مصر والعرب، وقطر دعمت ترشيحه بشكل مباشر وقوي وأعلنت عن هذا في أكثر من مناسبة.
قطر تقف مع خالد العناني في انتخابات اليونيسكو وعندما يكون هناك تنسيق عربي سيحقق الفوز إن شاء الله، وفي الواقع هو ليس تنسيقا بل هو تكامل، فالدوحة تعتبر أن ترشيح العناني هو ترشيح قطري وتقف معنا قلباً وقالباً في هذا الأمر.
◆ ما هي رؤيتك للتعاون في المجال الرياضي؟
¶ قطر أصبحت عاصمة الفعاليات الرياضية العالمية، وهذا يعكس قدرتها على تنظيم أحداث كبرى مثل كأس العالم وكأس العرب. مصر، بجمهورها الرياضي الكبير، ستشارك في هذه الفعاليات، ونتطلع إلى مشاركة نجوم مثل محمد صلاح في بطولات مثل كأس العرب.
أتوقع أن تكون هذه الأحداث مبهرة، خاصة مع المنشآت الرياضية الرائعة في قطر مثل استاد لوسيل واستاد 974، هذا التعاون يعزز العلاقات الشعبية بين البلدين.
◆ ما هي رسالتك للجالية المصرية في قطر وللمواطنين القطريين؟
¶ أرحب بالجالية المصرية في قطر، وأؤكد أنني هنا لخدمتهم ودعم تواجدهم ومساهماتهم في بناء قطر. كما أشكر الشعب القطري على ترحيبه وحسن ضيافته، وأتطلع إلى تعزيز التعاون بين الشعبين الشقيقين في كافة المجالات.
خبرات دبلوماسية ممتدة على مدار نصف قرن
- بدأ سعادة وليد فهمي الفقي، سفير جمهورية مصر العربية الشقيقة لدى الدولة، حياته الدبلوماسية منذ أكثر من 25 عاماً
- عمل في البداية في القطاع الأمريكي بوزارة الخارجية المصرية، وكان مسؤولاً عن ملف الولايات المتحدة الأمريكية.
- ثم عمل في السفارة المصرية بواشنطن لمدة أربع سنوات، حيث ركز على قضايا عملية السلام في الشرق الأوسط.
- انتقل إلى جنيف لإجراء دراسات عليا في الأمن الدولي والأوروبي بجامعة جنيف.
- عاد بعدها إلى القاهرة وعمل في مكتب وكيل أول وزارة الخارجية، ثم انتقل إلى السفارة المصرية في الرياض من 2012 إلى 2016.
- عمل مستشارا لوزير الخارجية في القاهرة، مع التركيز على قضايا الشرق الأوسط وعملية السلام.
- خدم في السفارتين المصريتين في اليابان وكوريا الجنوبية، قبل أن يعود إلى القاهرة لتولي مناصب متعددة، وصولا إلى ترشيحه كسفير لمصر في دولة قطر.
آفاق واعدة من الشراكة والاستثمار
تشهد العلاقات بين قطر ومصر تطورا كبيرا بفضل الإرادة المشتركة لقيادتي البلدين للمضي قدما في تطوير وتنويع التعاون الثنائي، والارتقاء به نحو آفاق واعدة من الشراكة والاستثمار لتكون نموذجا يحتذى به للعلاقات التكاملية بين الأشقاء.
وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين ليصل إلى حوالي 1.2 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ 890 مليون دولار في عام 2022، ويعود هذا النمو إلى عدة أسباب، من بينها تسهيل إجراءات الاستثمار، وإزالة العوائق الجمركية، وتعزيز التعاون في المشروعات المشتركة.
وهناك حركة نشطة في الزيارات المتبادلة على مستوى الوفود التجارية والاقتصادية بين الدولتين، حيث جرى دراسة تعزيز التعاون الاستثماري بين البلدين، خاصة في مجالات السياحة والرعاية الصحية، والعقارات، والنفط، والغاز، وأطلعت الوفود المصرية المتعددة التي استقبلتها الدوحة، قطاع الأعمال القطري على النهضة الاقتصادية التي تشهدها مصر، والمشاريع العملاقة فيها كالعاصمة الإدارية الجديدة والموانئ وشبكات الطرق والتسهيلات التي تقدمها للمستثمرين الأجانب، كما استعرضت الفرص الاستثمارية المتاحة في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والصحة والتعليم والضيافة والطاقة الخضراء والتصنيع الغذائي وصناعة السيارات والأدوية والموانئ وغيرها، ونوهت إلى وجود بنية تحتية متطورة وتشريعات مميزة وسهولة في الإجراءات والتصدير للخارج، بالإضافة إلى التوسع في إنشاء المناطق الحرة، حيث يوجد في مصر 9 مناطق حرة ويجري العمل على إضافة المزيد لها.
وفي المقابل دعا قطاع الأعمال القطري الشركات المصرية والمستثمرين المصريين للاستثمار في دولة قطر التي باتت تحتل مكانة رائدة كواحدة من الوجهات الاستثمارية الجاذبة في المنطقة والعالم، معتمدة في ذلك على منظومة تشريعية وإدارية متطورة تتيح للمستثمرين الأجانب التملك بنسبة 100 % في مختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، فضلا عن توفير بنى تحتية قوية من شأنها أن تلبي كافة احتياجات المستثمرين، ومنها المقومات اللوجستية كالنافذة الواحدة، المناطق الحرة، ومطار حمد الدولي وميناء حمد.
وتعمل في مصر حوالي 261 شركة قطرية بنسبة مساهمة قطرية تصل إلى 2 مليار و165 مليون دولار، منها 249 مليون دولار في قطاع السياحة، وحوالي 208 ملايين دولار في قطاع الإنشاءات، وحوالي 36 مليون دولار في القطاع الصناعي، وفي مارس 2022، أعلنت قطر ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار على هامش زيارة معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، إلى القاهرة.
كما يعمل بالسوق القطرية عدد من الشركات المصرية، وهناك العديد من الاستثمارات القطرية بالسوق المصرية ومنها على سبيل المثال، استثمارات لجهاز قطر للاستثمار تقدر بحوالي 3.317 مليار دولار في منتجعات ومشاريع سياحية.