أولياء أمور يطالبون بتأهيل معلمي الصفوف الأولى
            
          
 
           
          
            
                 تحقيقات 
                 05  يناير  2016 , 01:33ص  
            
            
           
          
            
              محمد سيد احمد
            
           
            
          
            عندما تفحص أبوعمار الواجبات الموكولة لابنه في الصف الأول الأساسي أصيب بالصدمة؛ فالواجبات كثيرة ومكثفة ومرهقة، ولا تتناسب مع المستوى الذهني للطلبة في الصفوف الأساسية الأولى، أحد الواجبات في اللغة العربية كان حلولا لـ10 صفحات من الكتاب تتضمن نسخا وتوصيلا وجملا وتلوينا وإملاء وتدريبات مختلفة.. أبوعمار وغيره من أولياء الأمور تساءلوا عبر "العرب" عن ماهية التأهيل الذي قدم لهؤلاء المعلمين والمعلمات للصفوف الأساسية الأولى.. يقول والد إحدى الطالبات: إن المعلمة أرعبت الطالبات في الصف الثالث الأساسي بطلب نسخ 30 مرة، فأي أسلوب تربوي هذا الذي يكره الطلبة بالمواد الدراسية؟ معلمة قالت لإحدى الطالبات إنها ضعيفة جدا وأعطتها قصة لتقرأها.. يقول ولي أمر الطفلة حاولت أن أقرأ القصة لابنتي فلم تأبه لي.. وقالت لي إن المعلمة قالت لي إنني ضعيفة ولا يمكنني أن أكون متفوقة.. فانظر إلى الإحباط الذي زرعته تلك المعلمة من حيث لا تشعر.. تعليم الصفوف الأولى يحتاج إلى معلمين مؤهلين ومختصين يزرعون الأمل في نفوس الأبناء.. وهو ما نتمناه لمدارسنا وأبنائنا.
اشتكى عدد من أولياء الأمور من كثرة المواد الدراسية المقدمة لأبنائهم في الصفوف الأولى من التعليم الابتدائي مؤكدين أن قدراتهم الذهنية لا تستطيع استيعاب كل تلك المواد التي تحتاج إلى سن متقدمة لفهمها، مشيرين إلى أن المقررات الدراسية للمستوى الأول والثاني والثالث ابتدائي تقترب من كونها مقررات تعجيزية، نظرا لصعوبة وكثافة المقرر الدراسي وكثرة المواد التي تفوق قدرة الأبناء على الفهم والحفظ، مما يؤدي إلى تراجع تحصيلهم الدراسي، فأولياء الأمور اليوم يجدون صعوبة كبيرة في تدريس هذا الحجم من المواد التي لا يمكن للطلاب استيعابها إلا بجهود مضنية تبذلها الأم أو الأب رغم ما يعانيانه من إرهاق العمل والدوام، وهذا ما جعل سوق المدرس الخصوصي رائجة لهذه الأسباب.
ولفت متحدثون لـ "العرب" إلى أنهم يعانون من صعوبات الحياة الكثيرة والالتزامات المادية التي لا تترك للعائلة فرصة لتوفير أي مبلغ، بسبب ارتفاع الإيجارات وغلاء المعيشة، وبالتالي لا يجد الكثير من أولياء الأمور فرصة لتوفير مبلغ مالي لمدرس خصوصي، كان من الأولى قبل البحث عنه أو اللجوء إلى خدماته تأهيل المعلمين وتنظيم المناهج التعليمية بحيث تراعي القدرات الذهنية لكل مرحلة.
وأوضح خبراء تربويون أن المشكلة تكمن في أن العديد من المدارس لا تعتبر التعليم بيئة متكاملة، وإنما بيئة صارمة رتيبة تفرض على الطلاب هضم واستيعاب العديد من المواد الأساسية، لا بل إنهم حولوا المواد الفرعية إلى أساسية، وبات الطفل لا يعرف ما يركز عليه منها، ونصحوا بجعل التعليم بيئة متكاملة يتم التركيز فيها على الوسائل الأكثر نجاعة في العملية التعليمية، بحيث نقلل من المواد العلمية الأساسية، ونهتم بجانب الفهم، لأن العديد من المدارس تركز على جانب الحفظ، على حساب الفهم وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف إلى رسوب الطالب أو الطالبة في أول اختبار.
دفتر التزامات صعب
أبوعمار يقول إن المدرسة التي يدرس فيها ابنه أعطته دفتر التزامات صعبا لا يتناسب مع قدراته الذهنية ولا مستواه العمري، وأضاف: ابني في الصف الأول الابتدائي ولديه دفتر التزامات دراسي لا يتناسب مع قدراته الذهنية، فمع أنه في الصف الأول ابتدائي وما زال يتعلم أبجدية الحروف، أعطاه المدرس واجبا عبارة عن صورة يطلب منه التعبير عنها بجملة مفيدة، ومن غير المعقول ولا التربوي أن يكون لدى هذا الطفل من الوعي ما يدرك به عبارة "جملة مفيدة" نظرا لصغر سنه ولأنه ما زال يتعلم الحروف، لذا أعتقد أن المنهجية المتبعة في المدارس المستقلة، وبعض المدارس الخاصة بحاجة إلى مراجعة شاملة تقوم بها لجنة من خبراء التربية تستطيع إعطاء كل مرحلة عمرية ما يناسبها من الدروس، فالأنشطة المدرسية لبعض المستويات لا شك أنها تتعدى قدرات الطلبة الذين يعودون للمنازل في حدود الثالثة عصرا مرهقين يحتاجون لساعة أو ساعتين لتناول وجبة الغداء وأخذ قسط من الراحة، وبعد هذا اليوم الشاق يتهيؤون لكتابة واجباتهم المدرسية ومراجعة الدروس الكثيرة التي يعودون بها يوميا من مدارسهم، ناهيك عن الاستعداد أثناء فترة الاختبارات أو الامتحانات، وعلينا أن نعي أن كثافة المواد لهذه المستويات العمرية في هذه المراحل الدراسية تجعل الطلاب غير قادرين على الاستفادة من العملية التعليمية، فكل مرحلة عمرية لديها طاقة استيعاب لا يمكن لها أن تتجاوزها، وفي اعتقادي أن إضافة جدول مزدحم بالواجبات في المقرر لطلاب الصف الأول والثاني والثالث يضاعف الإرهاق على الطلاب ويجعلهم دائما في أمس الحاجة إلى ساعات عمل طويلة تتعدى قدراتهم، مما يساهم في العزوف عن المدرسة والشعور بأن التعليم عبء كبير عليهم، وليس بيئة وعملية شيقة طالما حلم أحدهم بالالتحاق بها أسوة بإخوته الأكبر منه سنا.
ضغط على الطفل وذويه
أم زبيدة هي الأخرى لا تبتعد كثيرا وتشكو من الضغوط التي تعاني منها بسبب قيامها بحل معظم واجبات ابنتها التي لا تستطيع حل واجباتها الصعبة الكثيرة، نظرا لأن عقل الطفلة لا يمكن أن يستوعب بعض المصطلحات والعبارات، وإذا استوعبها فإن تعدد المواد الأساسية يجعلها تواجه معضلة حقيقية لفهم كل المطلوب، وأكملت حديثها قائلة: أواجه ضغطاً كبيراً -وأنا خريجة الجامعة- من حجم وتعدد الأنشطة التي تطلب من ابنتي خلال العام الدراسي، خصوصا أنها تستهلك مني وقتاً وجهداً كبيرين لاستحالة فهم البنت واستيعابها للعدد الكبير من الواجبات المدرسية، لذا أطلب من الإدارات المدرسية تخفيف هذه الأنشطة على مدار العام ما أمكن، والتركيز على المواد الأساسية حتى تتفتح ذهنية الأطفال ويتدرجون في التعليم حتى يصلوا إلى مرحلة عمرية ومستوى عقلي يستطيعون معه استيعاب كل ما يقدم لهم، وفي اعتقادي أن جمع مواد مدرسية أساسية كثيرة في وقت واحد يشتت انتباه الطالب ويبعث فيه كره التعليم، فقبل أن تدخل ابنتي المدرسة كانت تطالبني يوميا بإلحاقها بالمدرسة وهي لم تتجاوز سن الرابعة من عمرها، لكنها اليوم وبسبب حجم وكثافة الدروس والواجبات بدأت تشعر بالضغط والتعب، وبت أعاني من حثها على المراجعة، علما أنها تعود للمنزل من يوم دراسي شاق وطويل في حدود الثالثة عصرا، والوقت المتبقي قبل خلودها للنوم بعد صلاة العشاء لا يمكنها فيه مراجعة كل الواجبات التي تعطى لها من طرف المعلمين.
وعبرت أم زبيدة عن استيائها من كثافة البرنامج المدرسي في السنة الثالثة، وما يشكله من أعباء كبيرة على الطلاب، وأولياء أمورهم، مشيرة إلى أن جل الأنشطة تقع على عاتق ولي الأمر كونه يقوم بالعبء الأكبر من حل الأسئلة لاستحالة امتلاك من هم في عمر ابنتها للقدرات والوقت الكافي لحل تلك التمارين والإجابة عن تلك الأسئلة، نظرا لكثافة المقررات المدرسية وضغط الواجبات والامتحانات، وهذا ما يعيق قدرة الطلاب في مثل هذه السن على العمل الفردي وبذل الجهد المطلوب للتعامل مع دروسهم بعيدا عن الاستعانة بأولياء أمورهم، وذلك ما يرسخ في ذهنية الطلاب مبدأ الاعتماد على الغير، لهذا نتمنى على الجهات المعنية إعادة النظر في حجم المواد العلمية وعددها، ووضع معايير تتناسب وقدرات الطالب وتلائم مرحلته الدراسية والعمرية.
المدرس الخصوصي
بدوره يرى علي الشمري أن سوق المدرس الخصوصي قائمة ورائجة بسبب صعوبة المناهج الدراسية المعتمدة في المدارس المستقلة والمدارس الخاصة، حيث تعمد بعض المدارس الخاصة إلى الإعلان مبكرا كل عام عن بدء دروس التقوية كل يوم سبت للراغبين في إلحاق أبنائهم بهذه الدروس التي يدفع مقابلها مبالغ إضافية، مما يؤكد أن أكبر خطر يتهدد التعليم هو تداخله مع عالم البزنس الذي لا يهتم إلا بالمكاسب المادية وتحقيق أكبر قدر من الربح، ولن يتم ذلك إلا على حساب العملية التربوية، من هنا أدعو إلى تشديد الرقابة على المدارس الخاصة في قطر، وإعادة النظر في المناهج التعليمية لدى المدارس المستقلة، خصوصا المراحل الأولى من التعليم الابتدائي، نظرا لاستحالة هضم الطلبة ما يقدم لهم من مواد وكتب كثيرة لا تتناسب مع مرحلتهم العمرية، فالكتب المقررة كثيرة، والمدرسون يطلبون من الطلاب شراء كمية كبيرة من الكتب والقصص التعليمية، والأغرب أن بعض هذه الكتب والقصص لا تتوفر في المكتبات، علما أن العديد منها لا ينمي عند الطلبة ملكة التفوق، فطبيعة المقرر، أو جزء كبير منه لا يتناسب مع القدرات الذهنية لمن هم في المستويات الأولى من التعليم.
وما أود أن أشير إليه هو أن أولياء الأمور يعانون معاناة حقيقية من متطلبات الدراسة في المدارس، فهم يقتطعون جزءا كبيرا من رواتبهم لتأمين رسوم الدراسة، وشراء الكتب والأدوات المدرسية، وبعد هذا كله يجد أحدهم نفسه مرغما على البحث عن مدرس خصوصي يستطيع مراجعة العدد الهائل من المواد للأطفال الذين لا يمكنهم فهم بعض ما يعطى لهم من دروس يومية، بالتالي لا بد من التفكير كثيرا وإعادة النظر في هذا المجال حتى لا يضيع الطلاب وأولياء أمورهم بين مشاق رسوم المدارس، ورواتب المدرس الخصوصي.
مشكلة حقيقية
حول هذا الموضوع يتحدث الخبير التربوي الدكتور عيسى الحر ويقول: إن هذه مشكلة حقيقية يعيشها الطلبة بشكل يومي، نتيجة للتركيز على المواد الأساسية والفرعية وتحويلها إلى مواد أساسية لا بد للطالب من حفظها والتعامل معها بغض النظر عن طاقته الاستيعابية وقدرته على التعامل مع هذا الكم الهائل من المواد، وعلى القائمين على العملية التعليمية وأولياء الأمور أن يدركوا أن أي إنسان لا يستطيع التركيز أكثر من 20 دقيقة بحسب الخبراء، لذا لا بد من مراعاة ظروف الطالب الذهنية، لأنه لن يستطيع التركيز مع المدرس، أو مع ولي الأمر أثناء المراجعة لأكثر من هذا التوقيت، وإذا أردنا أن يستفيد طلاب هذه المستويات العمرية علينا أن ننوع لهم مادة التعليم أو المراجعة، بحيث نخصص لهم دقائق للعب، وحل بعض الألغاز والتسالي، ثم نعود به دون أن يشعر إلى مراجعة المادة العلمية أو تدريسها، فالعلم الحديث يفرض أن التعليم ليس فقط مادة علمية، بل هو تربية وممارسة وأنشطة، حتى إن وجبتي الفطور والغداء يستحسن أن يتناولهما داخل المدرسة، ويمارس هوايته في اللعب داخلها حتى لا يشعر بالكآبة من الجو الرتيب، لأن المعلم الناجح هو الذي يمكن أن يعلم الطلاب بكل الأساليب، فمثلا يمكن أن أعلم التلميذ الصدق بآية، أو حديث، ويمكنني أيضا تعليمه بنشاط أو ممارسة إذا كان استيعابه لها أكثر وتجاوب ذهنه أعلى، من هنا يتضح لنا أن المشكلة ليست في الطفل أو في مستواه العمري، بل المشكلة في المناهج المستخدمة التي يجب أن تكون مادتها متنوعة حتى نصنع طالبا قادرا على فهم المواد، وقد لاحظت المناهج تركز أكثر على الحفظ على حساب الفهم، بحيث تجد العديد من الطلاب يحفظون كثيرا من الدروس المقدمة لهم، لكنهم لا يفهمون إلا قليلا، لذا يسقطون في أول اختبار أو امتحان، من هنا أنصح القائمين على التعليم بتنوع وسائل التعليم، والتركيز على أن يكون التعليم بيئة مدرسية وليس كمواد، ودفاتر وواجبات كثيرة تسبب مشقة ذهنية للطلاب، خصوصا في الفئات العمرية الصغيرة التي تتابع في الصفوف الأول والثاني والثالث ابتدائي.
وأضاف الدكتور الحر أن أولياء الأمور يبالغون هم الآخرون في إرهاق أبنائهم وبناتهم من الأطفال أثناء المراجعة بحيث تجد ولي الأمر الأب أو الأم يجبرون الطفل على ابتلاع كم كبير من المواد العلمية، ولا يعطونه مجالا للراحة والتقاط الأنفاس بعد يوم دراسي طويل، وهذا سيعطي نتائج عكسية، وبدلا من ذلك يجب أن نعطي للطفل عندما يعود من المدرسة يجب أن نعطيه فرصة لكي يشعر أنه خرج من المدرسة وعاد إلى المنزل، وبعد أن يأخذ حاجته من الراحة، نبدأ معه برنامج المراجعة ببعض التسالي الهادفة التي تقربه من المواد العلمية، ثم ندخل به إلى صلب المادة، وعندما نلاحظ شعوره بالتعب نتوقف مباشرة عن المراجعة لدقائق، وهكذا حتى يتعود الطفل على المراجعة، وإلا فإننا سنجعل منه شخصا يكره التعليم والبيئة المدرسية.