

 
                            اختتمت إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الموسم الثقافي الثاني لندوة «الأمة» في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، بالندوة الرابعة للموسم تحت عنوان: «في مواجهة الإلحاد المعاصر» لمناقشة ظاهرة «الإلحاد» في المجتمع الغربي، ومحاولات تصديرها للمجتمع المسلم، والنظر إليها كأداة من أدوات الحرب الحديثة على الإسلام، والبحث في سبل مواجهتها والوقاية منها وعلاج آثارها وإصاباتها من خلال قيمنا الإسلامية.
ناقشت الندوة، موضوعها من خلال ثلاثة محاور رئيسة، فتبحث في المحور الأول: ظاهرة «الإلحاد في المجتمع الغربي» من خلال ثلاثة فروع: «الإلحاد إفراز سالب للصراع بين العلم والكنيسة»؛ «التفكك الأسري: انهيار القيم وانتشار الظاهرة»؛ «انعكاس الظاهرة على المجتمعات المسلمة».
شارك في الندوة نخبة من الأكاديميين من كلية الشريعة في جامعة قطر: الدكتور حمد صالح القمرا، أستاذ الفقه وأصوله؛ والدكتور مطلق الجاسر، عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الكويت؛ والدكتور يوسف بلمهدي، رئيس قسم العقيدة والدعوة.
وقال سعادة الدكتور إبراهيم بن صالح النعيمي - وكيل وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي: نحتاج مثل هذه الندوات وأن نكثف منها، خاصة الموجهة إلى الأجيال الصغيرة بصورة مبسطة، وأن نعمل على نقل مثل ما تضمنته الندوة من معلومات إلى مجتمعاتنا، خاصة الجيل الجديد، مع التأثير الكبير لمنصات التواصل الاجتماعي، لذا فنحن بحاجة لمثل هذه الأنشطة والدورات على مستوى المدارس والجامعات، ما يعزز التوجه الديني الإسلامي عند الأبناء، ويجب على أسئلتهم التي تقلقهم.
وأضاف: مناهج وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي تؤكد على القيم التي تواجه الالحاد، ونعمل باستمرار على تعزيزها في المناهج.
د. أحمد بن محمد: دراسة الأسباب تحمي المجتمع من المخاطر
قال الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني، مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: إن موسم «ندوة الأمة» تناول موضوع القيم، تحت عنوان «قيمنا عماد الحضارة وسبيل النهوض»، فموضوع القيم من المواضيع المهمة، ونرى أنها أساس لبناء الحضارة وتعزيز الثقافة الإسلامية ونهوض الأمة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ»العرب»: الندوة الرابعة تناولت موضوع الإلحاد، وهو ظاهرة أصبحت منتشرة، ويظهر بصورة التبني للعلم والمعرفة، وفي الواقع أنه بتحليل عناصر الالحاد والحجج الالحادية نجد أنها غير مبنية على أسس علمية حقيقية ومصادر معرفة حقيقية.
وأشار إلى أن الندوة سلطت الضوء على تاريخ الالحاد وكيف نشأ، وأسباب تطوره إلى أن وصل إلى مرحلة الالحاد المعاصر، إضافة إلى تسليط الضوء على الطرق التي ينشر بها الملحد أفكاره في المجتمع، وطرح بعض الأفكار لحماية الأمة من هذه الظاهرة.
وأشار إلى أن الإلحاد يعد ظاهرة سلبية تؤثر في المجتمعات وثقافتها وهويتها، وهو أداة موجهة للحرب ضد المجتمع المسلم؛ لذا يجدر بنا دراسة أسبابه، ومعرفة أدواته، ووسائله؛ حماية للفرد والمجتمع والأمة.

د. حمد صالح القمرا: شبكات التواصل والأفلام أدوات الحرب الحديثة على الإسلام
تناولت الورقة التي قدمها الدكتور حمد صالح القمرا، مفهوم الإلحاد ونشأته، متطرقاً إلى مفهوم الإلحاد، وأصل الفطرة في البشرية، ولمحة موجزة عن تاريخه، كما تناول بعض سمات الإلحاد ومنافذ ترويجه، وأدوات الحرب الحديثة على الإسلام، وبعض السمات العامة الإلحاد المعاصر، وبعض سمات الخاصة في المجتمع المسلم للإلحاد المعاصر، كما أشار إلى أهم منافذ الإغراء ومعابر الترويج، سواء الخارجية، أو الداخلية، وكذلك مرتكزات المواجهة والعلاج.
وتطرق د. القمرا إلى بعض سمات الخاصة في المجتمع المسلم للإلحاد المعاصر، منوهاً إلى أن الموجة الإلحادية المعاصرة في المجتمع المسلم اتصفت بسمات خاصة يلحظها الناظر في رموز الإلحاد في المجتمع العربي؛ ومن بينها الانبهار بالثقافة الغربية، والتقليد الأعمى لكل ما قالوه بغير وعي ولا إضافة، وسطحية فهم الإلحاد من قِبَل أغلب الملاحدة، فهم يتبنون أقوالاً ونتائج لم يختبروا أسسها ولا مقدماتها، وإنما دافعهم لذلك التقليد والانبهار بثقافة القائل تارة، ولعوامل نفسية واجتماعية تارة أخرى، والإغراق في الشهوات إلى حد مبالغ فيه، لا تكاد ترى نصفه علناً عند دعاة الإلحاد الغربيين، والتدثر بالشعارات البراقة، ومحاولة جذب العامة بعناوين دعائية من نحو (الحرية)، و(المساواة)، و(نقد الموروث)، و(رفض الوصاية)، و(تحرير العقل)، التركيز على الهدم وطرح الشبهة، دون تقديم جواب أو بناء علمي يُفسر ما يتبناه.
وفي فصل أهم منافذ الإغراء ومعابر الترويج، ذكر د. القمرا عدداً من المنافذ من بينها، شبكات التواصل الاجتماعي، الأفلام والروايات، البعثات المنظمة للدراسة في بيئة الملاحدة مع ضعف التأصيل، ونشر الشهوات المحرمة، الانبهار بالأفكار الغربية عموما حسنها وسيئها.
د. يوسف بنلمهدي: التدين المنافس الأنجح للمنظومة الإلحادية المعاصرة
قال د. يوسف بنلمهدي - أستاذ مشارك في الأديان وحوار الحضارات بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة قطر: يثير الإلحاد المعاصر «زوبعة» من التحديات الفكرية والأخلاقية في المجتمع الغربي الذي أفرزه وأنتج أسبابه، وأخذ خطوات جريئة في التطبيع مع مظاهره المختلفة، بدأ من تصور الإنسان لنفسه وأصله ورسالته، إلى تمثل علاقته بالآخرين من أفراد الأسرة والمجتمع والأمم المجاورة.وأضاف: كما يثير تحديات حقيقية أمام المجتمعات التي لا تشاطر الغرب تحولاته الثقافية وعقده الحضارية، ومنها المجتمع المسلم الذي يوجد في طليعة المجتمعات المستهدفة؛ بسبب قوة الدين والتدين بين أبنائه، ولكونه المنافس الأنجح للمنظومة الإلحادية المعاصرة، فضلا عما يمثله القرب الجغرافي من الغرب والانفتاح على موارده الإعلامية ووجود نخب متغربة تابعة ثقافيا للغرب.
د. مطلق الجاسر: واجبنا أن نصنع الوقاية من الغواية
وقال الدكتور مطلق الجاسر، عضو هيئة التدريس في كلية الشريعة بجامعة الكويت: لا يخفى ما تموج به الساحة الفكرية اليوم من أمواج الشبهات والشهوات، وما تعصف به أعاصير الانحرافات الفكرية بعقول الناس صغارا وكبارا، وهذا شأن قديم ليس بجديد، فلا يخلو زمان من عدو مُبغض يسعى لهدم الإسلام وتشكيك المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم، ولكن تأثيرهم في القرون السالفة كان محدودًا، وذلك نتيجة لمحدودية وسائل التشكيك، وندرة القنوات الإعلامية، فلم يكن يقع في دائرة التأثير التشكيكي إلا فئة قليلة من الناس، وهم قُرّاء الكتب، ومن يجالس الزنادقة هنا وهناك، أما عامة الناس فكانوا بمنأى عن هذا التأثير، مطمئنين بعقيدتهم، سعيدين بيقينهم، يعبدون ربهم، وينشغلون بتحصيل أرزاقهم، شاكرين الله جل وعلا على نعمه وآلائه.
وأضاف: لم يزل الزمن يتقدم، والعلم التجريبي يتطور، والإعلام ينفتح، حتى كثرت وسائل الإعلام، وظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، وانفجر على الناس سيل هائل من المعلومات والأفكار، بشكل غير مسبوق في التاريخ.
وتابع د. الجاسر: هذا الانفجار المعلوماتي قد يكون حسنا من حيث سهولة الحصول على العلم وتيسر الاطلاع على ثقافات الآخرين مما يوسع الأفق ويزيد في الفهم، ولكنه في الوقت ذاته خطير من حيث سهولة بث السموم والشبهات والأفكار الخبيثة في عقول الناس، مما يستدعي وقفة جادة.
وشدد على أنه لا يجوز لنا والحالة هذه أن نقف مكتوفي الأيدي نتفرج على هؤلاء الشباب دون موقف جاد، وعلينا كذلك ألا تكون مواقفنا وجهودنا ردود أفعال، بل علينا أن نصنع الوقاية من الغواية، وذلك من خلال توضيح الحقائق وإزالة العوائق التي تعيق الفهم الصحيح.
