أعاني في تحديد وجهتي كل إجازة
زواجي كان تقليدياً.. وقبل مرحلة النضوج
روحي وشخصيتي قبل وبعد الشهرة لم تتغيرا
متعلقة بخصوصية.. ولست جريئة لنشر تفاصيل حياتي للعلن
لم يكن الإعلام من بين طموحاتها يوماً، ولم تكن الشهرة ضمن حساباتها، وهي التي تزوجت في عمر صغير، وتحملت مسؤولية أسرة وأولاد، المذيعة المتألقة سلمى الجمل، جميلة المحيا، أنيقة الإطلالة، فلسطينية الأصل سورية المنشأ، تربت في أسرة مناضلة، حملت هموم قضية الوطن منذ الصغر، عاشت فلسطين داخلها رغم أنها لم تعش فيها، وعاشت منذ صغرها أزمة في تحديد هويتها، كانت تحس أنها لا تنتمي إلى هذا المكان الذي ترعرعت فيه رغم أنها أحبته، لكنها لم تكن تجد انتماءها لبلدها المغتصب التي لم تزره إلا بعد أن كبرت.
سلمى فتحت قلبها لـ «العرب» وكشفت لنا جوانب من حياتها الخاصة في هذا الحوار:
«بيتوتية»
هي أم وزوجة، متعلقة جداً بأسرتها، تحب الأجواء العائلية و»بيتوتية» كما وصفت نفسها. انتقائية في حياتها الاجتماعية، وفي اختيار أصدقائها، تفضل الأصدقاء الذين تكون معهم على طبيعتها ولا تضطر للتصنع، فهي تحب التلقائية والطبيعية، وتعتبر أن الأصدقاء للراحة.
عندما ترهقها ضغوطات العمل، ويتعبها الجهد الذي تبذله. تطرح سلمى على نفسها سؤالاً حول ما إذا كانت تحلم بأن تصبح مذيعة، وتجيب بنفسها: «أسأل دوماً هل كنت أحلم أساساً بأن أصبح سيدة عاملة، وهل كان الإعلام من رغباتي».
طرحت سلمى السؤال على صديقات الطفولة بعدما لم تجد له جواباً في نفسها، فكان الجواب من صديقات الماضي أنها كانت قوية الشخصية منذ الصغر تتحدث في السياسة، وتهتم بالقضايا الوطنية منذ الصغر، وتقول سلمى: صديقاتي كلهن أجمعن على أنني كنت متحدثة، مهتمة بأمور السياسة والساسة منذ الصغر، قد لا أكون قد صرحت برغبتي بأن أكون سلمى الإعلامية لكن ذلك كان جزءاً من تكويني الذي نشأت عليه دون علمي، وقد لا نكون دوماً من يختار فالأقدار تختار لنا بقدر اختيارنا ورغبتنا في التحقيق والإنجاز وهو ترتيب أحياناً يضعنا في طرق قد لا نخطط لها وهي التي تشكل مسار حياتنا.
زوجة في عمر 17
وتضيف: بالنسبة لي هناك مجموعة من المسارات التي خضتها في حياتي كانت هي رسم طريقي، وكانت أقدار قادتني إلى ما أنا عليه، فالغريب أنني كنت في الثانوية وبالضبط في عمر السابعة عشر عندما خطبت لزوجي وأبو أولادي، وفي سوريا آن ذاك كان العرف أن تتزوج الفتيات في عمر مبكر، تزوجت صغيرة رغم أن والداي لم يكونا من النمط التقليدي، ولم يتزوجا في عمر مبكر، فقد تزوج أبي من والدتي بعد أن أنهت تعليمها الجامعي، بينما أنا شاءت الأقدار أن أمشي على نمط الحياة المتعارف عليه هناك، فقد تزوجت بعد صديقتي المقربة بفترة قصيرة، ثم تزوجت باقي الصديقات بعدنا بفترة متقاربة، كان زواجي تقليدياً جداً، فلم أكن ساعتها قد بلغت مرحلة النضوج، وكان زفافي في السنة الأولى من دراستي الجامعية، وهو ما حد من خياراتي الجامعية، فكلية الإعلام كانت في الشام، بعيداً عن المنطقة التي كنت أقطن فيها، فارتباطي منعني من الانتقال إلى منطقة بعيدة عن أهلي وزوجي، فاخترت الكلية التي لا تتطلب حضوراً دائماً، وتواجد في الحرم الجامعي وتكون قريبة من منطقتي، فالتحقت بدراسة الأدب الإنجليزي.
وتستطرد: لكن شيئاً بداخلي كان يجرني لعالم الإعلام دون إدراك مني، وأنا الفتاة التي كانت تتابع الأخبار مع والدها، وتتطلع على الجرائد منذ نعومة أظافرها، فأبي الذي كان يعمل كمدير لدائرة الإعلام والثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، كنت أستمد منه حبه للاطلاع على الأخبار واهتمامه بما يجري في العالم من حوله، وبعد تخرجي طلبت منه مساعدتي في الاستفادة من الدورات التي كانت تنظمها جامعة الدول العربية في الإعلام، وفعلاً استفدت وعلى مدار سنتين من دورات متعددة في جميع التخصصات الإعلامية من تحرير وتقديم وإعداد.
مشوار الإعلام
بدأت سلمى مشوارها في العمل الإعلامي من إذاعة فلسطينية كانت تبث من سوريا، وهنا تقول: كانت تلك الفترة بمثابة تدريب على الإلقاء والتحرير، بعدها فتحت قناة شام الخاصة، والتي كانت أول قناة تلفزيونية خاصة في سوريا، بدأت فيها تجربة إعلامية جديدة تختلف عن الإعلام الرسمي الحكومي، واستفدت من تدريب من أساتذة وإعلاميين كبار كانوا من شبكة الـ «بي بي سي» والجزيرة. بعدها انتقلت مع زوجي الذي كان يعمل في روسيا للعيش هناك، وعملت في قناة «روسيا اليوم». الحياة لم تكن هناك سهلة، ورغم أنني أحمل الجنسية الروسية فإنني كنت أحس بغربة عن ذلك المجتمع الغريب في عاداته وتقاليده .
تواصل: ثم انتقل زوجي للعمل في قطر وعاد حلم الجزيرة الذي راودني منذ بدايات انطلاقها للظهور مرة ثانية، تلك القناة التي كانت تثير الجدل بطريقة طرحها المختلفة، ومناصرتها للقضايا الوطنية، جئت إلى هذا المجتمع العربي الذي يشبهني، وبفضل الله استطعت أن أنضم إلى شبكة الجزيرة كمذيعة، تجربة علمتني الكثير وفتحت لي آفاقاً كبيرة، ما كنت أحلم بها يوماً.
بعيداً عن الشاشة
تقول سلمى إنها تقليدية، تحب الحياة الأسرية والاجتماعية، يتطابق تاريخ ميلادها مع اليوم الوطني القطري، وهو ما مثل بالنسبة لها مفاجأة جميلة، حيث اعتبرت نفسها جزءاً من تلك الاحتفالات الوطنية، واعتبرت أن الدولة كلها تحتفل بيوم ميلادها، تقول سلمى: اعتبرت أن احتفال قطر بيومها الوطني وعيد ميلادي هو احتفال واحد، تلك الشوارع المزينة والسيارات التي يبتهج أصحابها، والأهازيج والعروض تشعرني دوماً بالسعادة، وأن أحتفل أنا وقطر بمناسبتين سعيدتين، فذلك زاد تعلقي بهذا البلد.
وجه بلا وطن
تحب سلمى المغامرة والاكتشاف، لكن المسؤوليات تجعلها تكبح من تلك الرغبات قليلاً، فهي تحب السفر إلى أماكن خطرة، تحب اكتشاف الأدغال والصحاري، وتفضلها عن السياحة المرفهة، تحب السفر إلى أماكن غير تقليدية.
تقول إنها تعاني من مشكلة تعتبرها كبيرة وهي التي خلقت في مكان حاولت اعتباره وطنها، لكنه لم يكن، توضح ذلك بكثير من الشجن: منذ صغري كنت أشعر أنني مختلفة، رغم أن الحكومة السورية لم تكن تضع أي فوارق بين المواطنين الفلسطينيين والسوريين، فقد كان القانون يذكر السوري ومن بحكمه، وكنا نحن كفلسطينيين المقصودين بعبارة من بحكمه، لكنني كنت أشعر بأنني جداً مختلفة منذ أن كنت في الروضة، لهجتي مختلفة، عاداتي مختلفة، جواز سفري مختلف، اختلافي لم يكن له دلالات سيئة، لكنه كان نتيجة ظروف خلقت فيها رغماً عني.
تواصل سلمى الجمل: صرت أبحث عن إجابات لأسئلة كانت تراودني منذ كان عمري خمس سنوات، لماذا نعيش هنا؟ لماذا لا نعود إلى أرضنا؟ لماذا أخذ الإسرائيليون أرضنا؟ لماذا ظل غيرنا ونحن من كتب له الاغتراب، أسئلة ظلت تلازمني وكلما كنت أجد جواباً أو تفسيراً لوضع ما يتضح لي مدى تعقيد وضعنا الذي نعيشه، لكن لا خيارات أمامنا فنحن لسنا من يختار متى وأين يولد، أصبحت همومي وانشغالاتي بقضية وطني تزداد بعد أن أصبحت وجهاً معروفاً بدون وطن في بعض السفارات والمعاملات التي تختص المواطن الفلسطيني بتعقيدات، تلك الأمور كلها تعطيني إحساساً بالشتات، وأنا التي تنتمي إلى مكان لا أعيش فيه، وخلقت بوطن أحبه لكنه ليس الوطن الكامل. فأنا قبل كل صيف تجدني أعاني من نفس الوضع أفكر إلى أين أسافر وأين سأذهب، وكيف سأقضي إجازتي، خصوصاً بعد الثورة السورية، فلم يتبقَّ لي أحد في الشام، ولا أستطيع زيارتها لعدة اعتبارات، فكل الناس تخطط لإجازتها انطلاقاً من بلدها الأم، لكن بالنسبة لي الوضع مختلف، فأنا مخططي مفتوح، فأنا كنت أعتبر سوريا وطني وما كنت أظنني سأتركها، لكن شاءت الأقدار أن سافرت إلى روسيا التي أحبها، وأحب أن أوجد لي علاقة معها، أحبها وتعلقت بها لكنه وطن غير كامل، بالنسبة لي قطر نفس الشيء أحب هذا البلد وأحس بالانتماء إليه، وطن حاضن بطريقة محبة وحنونة، لكن النهايات غير كاملة، فتجدني دوماً أطرح على نفسي سؤالاً: أين سأكبر؟ في أي مكان سوف أقضي فترة تقاعدي وشيخوختي؟ ما هو الوطن الذي سأجد راحتي فيه.
أنا.. ووسائل التواصل
من أزمة الهوية والمشاعر الجياشة للوطن انتقلنا للحديث مع سلمى الجمل عن علاقتها بوسائل التواصل الاجتماعي، والذي اعتبرته تطوراً طبيعياً للإعلام من الجرائد والمجلات والمذياع إلى إعلام حديث فرض نفسه، وجعل الإعلام يتقولب لكي يجد مساحته الجديدة، تحب الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي، لكن بالقدر الذي يضمن خصوصيتها، غير مهووسة بالصور، وبإبراز كل جوانب حياتها، تحب مشاركة بعض اللحظات التي تجدها تستحق النشر، لكنها تبقى على أغلب جوانب حياتها خاصة، وهي التي تعتبر نفسها غير جريئة بالقدر الكافي لتنشر تفاصيل حياتها للعلن.
حديثنا مع سلمى كان مطولاً وتطرقنا خلاله إلى العديد من القضايا، لكن ملخصه أن المذيعة الشهيرة التي يعرفها الملايين في الوطن العربي ما زالت تلك الطفلة الفلسطينية التي تحلم بالعودة إلى الوطن المغتصب، تحلم بالعودة إلى مقاعد الدراسة، وإكمال الدراسات العليا في مجال الإعلام، تؤكد أن الشهرة لم تغيرها، وأنها ما زالت سلمى ذات نفس الطباع حتى قبل عشرين عاماً، ولم تجرفها الشهرة ولا الغرور.