«بلد المليون شاعر» تجمع بين الروحانية والإبداع الثقافي في رمضان

alarab
الملاحق 04 مارس 2025 , 01:23ص
هشام يس

الموريتانيون يستقبلون الشهر الفضيل بالترحاب وتعزيز الروابط الاجتماعية
«الشاي» طقس اجتماعي يجمع العائلات والأصدقاء لتبادل الأحاديث والقصص
عقد جلسات دينية تشمل دروسًا في الفقه والحديث والسيرة لتعزيز التعليم الديني
تقديم وجبات تقليدية عقب صلاة التراويح مثل «التاجين» و«الكسكس مع الضأن»

 

تختلف الطقوس الرمضانية بين شعوب ودول العالم، كلٌ حسب ثقافته، رغم ثبات العبادات بين جميع المسلمين في هذا الشهر الفضيل. ومن الدول التي تتمتع بغالبية مسلمة كبيرة ولها طابع مميز وفريد بين أهلها دولة موريتانيا، التي تبلغ نسبة المسلمين فيها حوالي 99% من السكان. وتتميز الاحتفالات في موريتانيا بالشهر الفضيل بطرق تجمع بين الروحانية العميقة والتقاليد الثقافية المتأصلة منذ قرون.

وتُلقب موريتانيا بـ»بلاد المليون شاعر»، وتجمع بين الروحانية والإبداع الثقافي في رمضان. وتصبح الشوارع أكثر هدوءًا خلال النهار بسبب الصيام، لكنها تنبض بالحياة بعد الإفطار مع الأسواق والتجمعات العائلية.
يتغير إيقاع الحياة اليومية بشكل كبير، حيث تُغلَق معظم المحلات التجارية نهارًا وتفتح أبوابها بعد الإفطار، مما يعكس التزام المجتمع بالصيام والعبادة.
وتشتهر موريتانيا بتراثها العلمي الإسلامي، خاصة في مجال الفقه المالكي والتفسير. وخلال رمضان، تنشط «المحاظر» (المدارس الدينية التقليدية) في تقديم دروس يومية بعد صلاة العصر أو الفجر، حيث يجتمع الطلاب والعامة لتدارس القرآن الكريم والحديث. وتلعب الطرق الصوفية، مثل القادرية والتجانية، دورًا كبيرًا في الأجواء الرمضانية، وتُنشد المدائح في المساجد والمنازل، خاصة في العشر الأواخر، مما يضفي طابعًا روحانيًا خاصًا.
وتبدأ الاستعدادات للشهر الفضيل قبل حلوله بأيام، إذ اعتاد الموريتانيون تبادل التهاني والتبريكات، معبّرين عن فرحتهم بقدوم الشهر الكريم. وتعكس هذه العادة الروح الاجتماعية والدينية التي تميز المجتمع الموريتاني.
ويستقبل الموريتانيون رمضان بفرح وترحاب، مع التركيز على تعزيز الروابط الأسرية والاجتماعية.

الصيام والعبادة
يحرص الموريتانيون على الصيام بكل التزام، وتشهد المساجد إقبالًا كبيرًا من المصلين لأداء صلاة التراويح. كما يعقدون جلسات دينية بعد صلاة العصر في معظم المساجد، تشمل دروسًا في الفقه والحديث والسيرة النبوية، مما يعزز الجانب التعليمي الديني خلال الشهر.
ومن الطقوس الشائعة في البلاد تقديم وجبات تقليدية بعد صلاة التراويح، مثل «التاجين» (طبق يحتوي على اللحم والبطاطس والخضروات)، أو «الكسكس مع الضأن»، أو «الأرز مع الدجاج أو السمك». تُظهر هذه الأطباق تنوع المطبخ الموريتاني وارتباطه بالثقافة المحلية. من الأطباق الأخرى الشائعة «الشربة»، وهي حساء غني بالخضروات واللحم أو السمك، تُقدَّم غالبًا كبداية للإفطار لتعويض السوائل المفقودة.
أما بالنسبة للإفطار، فيبدأ بالتمر والحليب أو الماء، لكن في موريتانيا قد يُضاف اللبن الرائب (الزبادي) كجزء من التقاليد المحلية. وفيما يخص الحلويات، تُعد بعض العائلات «الخبيص» (حلوى من الدقيق والسمن والعسل) كتحلية خاصة في المناسبات الكبرى مثل ليلة القدر، رغم أن الحلويات ليست منتشرة بكثرة مقارنة ببعض الدول العربية الأخرى.
وتُفضَّل وجبة السحور أن تكون خفيفة، وغالبًا ما تتكون من الأرز المسلوق مع الحليب، المعروف محليًا بـ»كوسي». أما الشاي، أو «الأتاي» باللهجة المحلية، فيحتل مكانة خاصة في جميع الوجبات والجلسات العائلية.
والشاي الموريتاني ليس مجرد مشروب، بل طقس اجتماعي يمتد لساعات، حيث تجتمع العائلات والأصدقاء بعد الإفطار أو التراويح حول «الكانون» (موقد الشاي) لتبادل الأحاديث والقصص، مما يعزز التواصل بينهم.

زغب رمضان
ومن التقاليد الفريدة في موريتانيا حلاقة رؤوس الأطفال، وأحيانًا البالغين، في بداية شهر رمضان الفضيل. يُطلق على الشعر الجديد الذي ينمو «زغب رمضان»، وهي عادة ترمز إلى التجدد والاحتفاء بالشهر.
ويحرص الموريتانيون على زيارة الأقارب والجيران، خاصة في الأيام الأولى من رمضان، لتعزيز الصلات الأسرية، وهي عادة تتكرر أيضًا في عيد الفطر.
تتميز أجواء الشهر الفضيل في المناطق الريفية بالبساطة والروحانية، حيث يجتمع الناس في المساجد الصغيرة أو تحت الأشجار للصلاة والدعاء، وتُقام وجبات إفطار جماعية تُعرف بـ»الموائد الرمضانية»، يجلب فيها كل شخص ما يستطيع لمشاركته مع الآخرين.
وفي المدن الكبرى، مثل نواكشوط، تكون الأجواء أكثر حيوية مع الأسواق الليلية والفعاليات الاجتماعية، إلى جانب المبادرات الخيرية التي توزع الطعام والمساعدات. وبشكل عام، تحرص الجمعيات الخيرية والأفراد خلال رمضان على تقديم وجبات الإفطار للصائمين في الشوارع وللمارة، بالإضافة إلى توزيع سلال غذائية على الأسر المحتاجة، مما يعكس روح التكافل والتضامن الاجتماعي التي تميز الشهر وتعزز «روح التضامن الاجتماعي» في موريتانيا.
وتشتهر موريتانيا بالشعر العربي الفصيح والشعبي، مثل الشعر الحساني، ويظهر هذا الإرث في رمضان من خلال الأمسيات الشعرية التي تُقام في بعض المدن أو البيوت، حيث يركز الشعراء على مدح النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أو وصف جمال الشهر الفضيل.

العشر الأواخر
تكثر العبادات في العشر الأواخر، مع الاعتكاف في المساجد، خاصة في ليلة السابع والعشرين التي يعتبرها الكثيرون ليلة القدر. وتتسم هذه الليالي بمشاركة الأطفال، حيث يُشجعون على البقاء مستيقظين للصلاة والاستماع إلى القصص الدينية. وليلة القدر لها مكانة خاصة، إذ يحرص الموريتانيون على إكمال قراءة القرآن الكريم فيها، ويعتبرها البعض، خاصة في القرى، فرصة لنشر بركات القرآن في بيوتهم.
ومع نهاية الشهر الفضيل، يحتفل الموريتانيون بعيد الفطر، الذي يبدأ بصلاة العيد في المساجد والمصليات، تليها زيارات عائلية وتبادل التهاني. يتلقى الأطفال غالبًا هدايا أو نقودًا، وتُعد الوجبات الاحتفالية جزءًا أساسيًا من المناسبة.