شهدت المؤسسات الإعلامية والصحفية حول العالم خلال الأشهر الماضية سلسلة استقالات بارزة لصحفيين وإعلاميين، جاءت احتجاجاً على ما اعتبروه انحيازاً واضحاً للتغطية الغربية وتواطؤاً مع انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
هذه الاستقالات لم تقتصر على العاملين في غرف الأخبار، بل امتدت إلى مسؤولين حكوميين، في دلالة على اتساع رقعة الرفض للنهج السائد.
وتمثل هذه الاستقالات رسالة أخلاقية واضحة، أن ضمير الكلمة ما زال حياً، وأن الصحافة، مهما واجهت من قيود، قادرة على رفع صوت الضحايا وتحدي الرواية الرسمية حين تُحجب الحقيقة.
تبرير الاغتيالات
أولى هذه الخطوات جاءت من المصوّرة الكندية فالييري زينك التي أعلنت انسحابها من التعاون مع وكالة رويترز بعد ثمانية أعوام، بسبب ما اعتبرته زينك بأنه «تبرير عمليات اغتيال الصحفيين» في غزة، خاصة عقب استهداف خمسة إعلاميين في مجمع ناصر الطبي بخان يونس. وأثارت استقالتها جدلاً واسعاً حول طبيعة التغطية الدولية للحرب.
وفي فرنسا، قدّمت الصحفيتان التونسيتان أشواق حنّاشي وأماني الوسلاتي استقالتيهما من قناتي Cnews وCanal+، معتبرتين أن التغطية الإعلامية الغربية تغلق الباب أمام الرواية الفلسطينية وتظهر انحيازاً صارخاً. وفي السياق نفسه، استقال الصحفي التونسي باسم بونّيني من شبكة بي بي سي حيث كان يشغل منصب مراسل شمال أفريقيا، رفضاً لسياسات التحرير التي رأى أنها تقلل من حجم الكارثة الإنسانية في غزة.
أما في الولايات المتحدة، فقد أثارت استقالة الصحفيتين جازمين هيوز وجيمي لورين كيليس من نيويورك تايمز ماغازين ضجة كبيرة، بعدما وقعتا على عريضة تندد بالعدوان الإسرائيلي، وهو ما اعتبرته المؤسسة خرقاً لقواعد «الحياد التحريري». وأكدت هيوز أن موقفها يعكس «مسؤوليتها الأخلاقية» تجاه ما يجري في غزة.
تجاهل متعمد
ولم تقتصر موجة الاستقالات على المؤسسات الإعلامية، إذ أعلنت حلا رحّرت، المتحدثة العربية باسم وزارة الخارجية الأمريكية، استقالتها في أبريل من العام الماضي بعد 18 عاماً من العمل، معتبرة أن الرسائل الرسمية الأمريكية «تتجاهل عمداً قتل الصحفيين الفلسطينيين»، كما لحقت بها ليلي غرينبرغ كول، مساعدة خاصة في وزارة الداخلية الأمريكية، التي استقالت في مايو 2024، رفضا للدعم الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد هذه الحالات أن قضية غزة تجاوزت حدود الشرق الأوسط لتتحول إلى اختبار عالمي لقيم الصحافة والحرية المهنية. وبينما تواجه المؤسسات الإعلامية ضغوطاً سياسية واقتصادية، فإن موجة الاستقالات تكشف عن مقاومة داخلية ترفض التواطؤ مع السرديات المنحازة، وتعيد طرح سؤال جوهري حول دور الإعلام الدولي في نقل الحقيقة كاملة بعيداً عن الانتقاء والتسييس.
وتبقى هذه الاستقالات رسالة أخلاقية واضحة، أن ضمير الكلمة ما زال حياً، وأن الصحافة، مهما واجهت من قيود، قادرة على رفع صوت الضحايا وتحدي الرواية الرسمية حين تُحجب الحقيقة.