قطر تكفلت بتغطية نصف الحاجة المالية الملحة للاقتصاد التونسي

alarab
حوارات 02 أكتوبر 2011 , 12:00ص
أجرى الحوار: محمد عمار
تَواكَب إعلان محافظ البنك المركزي التونسي الدكتور مصطفى كمال النابلي بأهمية الدعم المالي لبلاده عقب الثورة، مع مسارعة قطر لضخ نصف مليار دولار في شكل سندات لدعم الدولة الباحثة عن تثبيت مكتسباتها الاقتصادية والبناء عليها لخوض غمار مرحلة سياسية جديدة. وقدَّر النابلي نسبة نمو اقتصاد بلاده للعام الحالي بنحو «صفر»، بيد أنه بدا مطمئنا في حواره مع «العرب» بشأن احتياطي العملة الصعبة الذي يربو على 9 مليارات دولار بما يغطي مستوردات البلاد لنحو 4 أشهر. وبين النابلي أن الديون السيئة في تونس تزيد على %13 رغم التحسن في نسبة الودائع لدى «المركزي» بواقع %2.5. وأكد النابلي أن قمتي دوفيل ومرسيليا تمخضتا عن صدور تعهدات من قبل مؤسسات التمويل الدولية لتقديم القروض والدعم لتونس وليس الدول، مشيراً إلى إقبال عدد كبير من التونسيين على المنتجات المالية الإسلامية وهو ما يعزز فرضية فتح الباب أمام المصارف الإسلامية على مصراعيه بعد الانتخابات القادمة.. وهذا نص الحوار:  كيف تقيِّمون الوضع البنكي حاليا في تونس.. وماذا عن السيولة؟ - تخطت البلاد أزمة السيولة التي باتت متواجدة، فيما يمضي القطاع البنكي قُدُما في عملياته، حيث تم اتخاذ كل الإجراءات والقرارات لتمكين القطاع المصرفي من السيولة اللازمة في الأشهر الأخيرة وتخفيض الاحتياطي الإجباري من حيث نسبة الفائدة لضخ السيولة اللازمة حسب الحاجيات التي يستحقها القطاع البنكي. لكن يجب الإشارة إلى أن المشكلة تتجسد في وجود صعوبة اقتصادية على مستويات المؤسسات والإنتاج، فقد تأثرت قطاعات سلبيا نتيجة نقص الإنتاج في قطاع المناجم فضلا عن تراجع الاستثمارات الوافدة، وتَواكَب ذلك مع تحقيق نسب نمو سلبية في النصف الأول من العام، بيد أن نسق النمو بدأ يعود تدريجيا لسابق عهده.  هل تعتزمون طرح سندات في الفترة القادمة لضخ سيولة جديدة بالسوق التونسية؟ - بطبيعة الحال فإن إصدار السندات الحكومية يتم بصفة مسترسلة كل أسبوع يتم إصدارها وبيعها في السوق المالية. والاحتياطي من العملة الأجنبية تقريبا 11.2 مليار دينار تونسي، أي ما يعادل تقريبا 9 مليارات دولار بنسبة انخفاض مقارنة ببداية السنة أقل من 2 مليار دينار، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار تقريبا.  ماذا عن الأموال المجمدة بالخارج.. وماذا عن استعادتها؟ - فيما يتعلق بالأموال المجمدة في الخارج أريد التأكيد على أنه ليس هناك أموال مجمدة في الخارج فيما عدا أموال عائلات النظام السابق التي تم تجميد ممتلكاتها في الخارج حسب القرارات المتخذة من البلدان نفسها.  ما الإصلاحات التي ستقدمون عليها بصفة عامة؟ - بخصوص الإصلاحات التي سيقدم عليها المركزي التونسي، أنه من السابق لأوانه حاليا نظرا للفترة الانتقالية لمجابهة الوضع الصعب السنوي حيث إن هناك تفكيرا في الإصلاح في المستقبل حيث إن الإصلاحات العميقة تتطلب الوقت من خلال هيكلة القطاع البنكي في انتظار انتخابات الحكومة القادمة.. أريد القول إنه قد تكون هناك حاجة لاندماجات بين عدد من البنوك التونسية إضافة إلى تدعيم رأسمال البنوك التي تنقصها أموال ذاتية، إضافة إلى عدة إصلاحات يجب القيام بها.  ما حجم الديون السيئة أو المشكوك في استرجاعها حاليا؟ - هذه الديون في أواخر عام 2010 بلغت %13 ومن المتوقع أن ترتفع في عام 2011 اعتبارا لصعوبة الوضع الحالي.  ما مستقبل الصيرفة الإسلامية في تونس خاصة أن عددا من البلدان اعتمدتها كملاذ آمن في ظل الأزمة المالية؟ - يوجد في تونس بنكان يعملان في هذا المجال حاليا سواء بنك الزيتونة أو «بست بنك» وهناك طلب على منتجاتهما حاليا، وسيتم النظر في إمكانية التوسع في هذه الصناعة بعد الانتخابات القادمة حتى يتسنى النظر في الخيارات الاقتصادية المطروحة.  باعتباركم رئيس اللجنة الوطنية لاسترجاع الأموال المهربة.. إلى أين وصلتم في هذا الموضوع حاليا؟ - إن هذا الموضوع يستوجب وقتا أكثر لأنه يجب أن تكون هناك قرارات قضائية لإثبات التهم الموجهة لأشخاص لإثبات التهم الموجهة إليهم.. وبعد القرارات القضائية يتم التعاون مع البلدان الأخرى والتي هي بنفسها تفعِّل قضاءها للنظر في ذلك والاعتراف بالأحكام القضائية الصادرة من المحاكم التونسية حيث إنه إلى الآن تم تجميد الأموال في الخارج كما تصدر قرارات قضائية في تونس فيما يخص العديد من الأشخاص.  حسب الدول التي أصدرت قرارات بتجميد أموال عائلة بن علي.. ما حجم الأموال المجمدة إلى حد الآن؟ - نحن لا نعرف حجم تلك الأموال حيث إن البلدان التي قامت بتجميد الأموال لم تُعطِ معلومات باستثناء سويسرا التي قدمت بعض المعلومات، لذلك ليس لدينا فكرة عن حجم الأموال المجمدة كما أن كثير من الأملاك لم يقع تجميدها نظرا لكونها غير معروفة حيث لا بد من القيام بعمل كبير للتعرف على هذه الأملاك لتجميدها. ما حجم الأموال التي تم مصادرتها في الداخل خاصة من قبل البنوك المحلية التي قدمت تقارير في ذلك؟ إن القروض التي حصلت عليها عائلة بن علي وأصهاره والتي تم حصرها هي تقريبا 2.5 مليار دينار ولكن ما قيمة الأملاك التي كانت بحوزتهم، هذا ما زال غير مقدر حيث توجد أملاك عقارية ومالية إلى غير ذلك وهو عمل كبير ما زال متواصلا.  ماذا عن الاختراقات داخل البنك المركزي في عهد المحافظ توفيق بكار؟ - المحافظ السابق شغل هذا المنصب لعدة سنوات في عهد الرئيس المخلوع.. أريد القول إن احتياطات المركزي سليمة وما قيل عن وجود تحويلات للذهب لفائدة زوجة الرئيس السابق فهذا غير صحيح.. لكن مع ذلك توجد مشاكل فيما يتعلق بسوء التصرف ولكنه لا يوجد تفويت الأموال أو الاحتياطات وفيما يتعلق بجانب سوء التصرف فإن القضاء يرجع له النظر في ذلك.. أما بخصوص الودائع فقد تطورت بنسبة %2.5.  ما حصة تونس من قمة دوفيل ومرسيليا من القروض المعلن عنها لدول الربيع العربي؟ - لا يوجد أي بلد له حصة معروفة حيث إنها كلها أرقام إجمالية تخص عددا من البلدان ويقع تحديد النسبة في كل بلد عن طريق كل مؤسسة على حدة على غرار البنك الدولي أو البنك الإفريقي والبنك الأوروبي. علما بأن البنك الإفريقي للتنمية هو الوحيد الذي قدم تمويلا لتونس والمؤسسة الفرنسية للتنمية والاتحاد الأوروبي حيث تقدر بمليار دولار من البنك الدولي والبنك الإفريقي و185 مليون يورو من طرف فرنسا وهي أرقام معروفة وقد تم الإعلان عنها.  هل ستفي هذه الدول بالتزاماتها نحو تونس خاصة أنها تمر بأزمات حادة حاليا؟ - إن الدول كهيكل حكومي لم تقر أي أرقام والحديث عن الأرقام التي أعلن عنها في مرسيليا تخص مؤسسات دولية (البنك الدولي والبنك الإسلامي والبنك الإفريقي والبنك الأوروبي وصندوق النقد) حيث إن البُلدان في حد ذاتها لم تعلن أي أرقام، فمؤسسات التمويل هي من سيقدم التمويل وليست الدول..  لماذا لم يتم التوجه إلى صندوق النقد العربي؟ - نحن على اتصال بالصندوق العربي وعندما نحتاج نعرف جيدا القنوات حسب حاجياتنا.  هل هناك استثمارات خارجية قادمة في الفترة المقبلة؟ - نحن نتمنى زيادة في تدفق الاستثمارات الأجنبية لتونس حيث هناك وفود كبرى وزيارات مهمة على مستوى الحكومات ورجال الأعمال وستنتج عنها استثمارات حيث إن الأمور لم تتبلور بعد في انتظار إجراء الانتخابات المقررة في 23 أكتوبر القادم.  ما المعدل الحقيقي المنتظر للاقتصاد التونسي خلال عام 2011؟ - إن نسبة النمو خلال العام الحالي ستكون بين %1 و%0 والأقرب إلى الصفر.  لماذا لا يتم تخفيض نسبة الفائدة أكثر وتتجه نحو الصفر عوضا عن %3.5 وهو ما يجعل الاقتصاد التونسي أكثر جذبا؟ - إن الكثير في تونس يشك في أن تخفيض نسبة الفائدة ليس لديه أي نتيجة.. لأن تخفيض الفائدة يمكن أن يؤثر في المستقبل على نسبة التضخم وعلى نسبة الادخار نظرا عندما يكون مردود الادخار %0 يقود ذلك إلى تخفيض في تمويل البنوك وكذلك الودائع. إن ما تحتاجه تونس هو مزيد من المساعدة من المجتمع الدولي. وحتى الآن تلقت تونس قروضا بحوالي 1.4 مليار دولار من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية. لكنها ليست كافية تقريبا لمساعدة البلاد التي تكابد أيضا تداعيات الصراع في ليبيا. أريد القول إنه ليس هناك الكثير غير تمويلات البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية.. إن الحصول على مليار دولار إضافية سيكون جيدا خاصة في صورة منح لأن من الواضح أن الوضع المالي هش والاحتياطيات الأجنبية منخفضة.  إن التداين الأجنبي يعد الحل الوحيد في الفترة القادمة؟ - التداين من الخارج ليس الحل الوحيد يمكن عدم اللجوء للتداين ولكن الاقتصاد يكون أقل نموا إضافة إلى إحداث مواطن الشغل وبالتالي الاقتراض خلال الفترة القادمة شر لا بد منه حتى تتمكن المؤسسات الاقتصادية من الإنتاج وزيادة طاقتها التشغيلية.. وبالتالي المحافظة على المؤسسات الموجودة حاليا قبل البحث عن استثمارات جديدة.  كيف تقرؤون ازدواجية التزام تونس بخلاص ديونها الخارجية من حيث التوقيت والتخفيض الائتماني المباشر للدولة؟ - فيما يتعلق بتخفيض التصنيف الائتماني فإن ذلك يعود إلى الأسباب السياسية حيث قرار التخفيض يتم وفق رؤية المستقبل ومدى إمكانية الدولة الإيفاء بتعهداتها المالية في المستقبل.. فعندما يكون هناك احتياطي من العملة الصعبة يقع استثماره في عدة أدوات مالية وبالتالي إعادة الأمور إلى نصابها من حيث التصنيف وغير ذلك.  ما توقعاتكم الاقتصادية لعام 2012؟ - سندخل السنة القادمة في وضعية سياسية أكثر استقرارا. وننتظر (سنة 2012) انتعاش النشاط الاقتصادي للبلاد.. إن تونس تحتاج إلى أن تجمع بشكل أفضل بين «الدعم والقروض» لأن «الانتقال» الذي تمر به البلاد «مكلف جدا». وباعتبار أن النظام المصرفي للبلاد بدأ يستقر وأن الودائع المصرفية تتعافى من الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، أعتقد أن العام القادم سيكون أفضل بكثير والمنظومة الاقتصادية ستعاود الدوران بصفة تدريجية.