يتعرض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عادة لضغوط لتيسير أو تغيير السياسات النقدية المشددة للغاية، حيث يفضل المستثمرون وعامة الناس «المكاسب السهلة» أو الأوضاع النقدية الميسرة. ويمكن لأسعار الفائدة المرتفعة والمتصاعدة أن تقيد النشاط الاقتصادي وتزيد من تكلفة رأس المال وتؤدي إلى عمليات بيع لتصفية الأصول طويلة الأجل مثل أسهم النمو والسندات طويلة الأجل والعقارات.
واستجابة للتضخم الذي تجاوز النسبة المستهدفة بفارق كبير، نفذ بنك الاحتياطي الفيدرالي منذ شهر مارس من العام الماضي واحدة من دورات التشديد النقدي الأكثر قوة وغير المتوقعة في تاريخ الولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى مفاجآت سلبية وتراجع ملحوظ في أسهم النمو (-9%)، وسندات الخزانة طويلة الأجل (-19%) والأصول العقارية الأمريكية (-22%). وتؤكد هذه الانخفاضات على الحاجة إلى دراسة أعمق للسياسة النقدية لبنك الاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها على الاستقرار المالي. أدى عدم الاستقرار المالي إلى زيادة الجدل حول ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي مستعداً «للتوقف» مؤقتاً عن رفع أسعار الفائدة أو حتى تخفيضها عاجلاً وليس آجلاً. ونظراً لانخفاض توقعات التضخم وضعف توقعات النمو، أصبح المستثمرون الآن يعتقدون أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام. وتشير العقود الآجلة للأموال الفيدرالية إلى تخفيضات بواقع 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة بحلول يناير 2024. ومع ذلك، خلال الاجتماع الأخير للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في أواخر مارس، قرر مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي زيادة أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إضافية. وعلى نحو مهم، صرح جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بوضوح أن مهمة خفض التضخم لا تزال تمثل أولوية وأن أسعار الفائدة من المتوقع أن ترتفع أكثر.
من المقرر أن تظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. ونتوقع زيادة إضافية بمقدار 25 نقطة أساس في مايو ليبلغ سعر الفائدة النهائي على الأموال الفيدرالية نسبة 5.25%. بالإضافة إلى ذلك، لا نتوقع أي تخفيضات في أسعار الفائدة حتى عام 2024 على الأقل، على الرغم من القلق المستمر بشأن عدم الاستقرار المالي.
هناك عاملان يدعمان وجهة نظرنا، حيث ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن إطار السياسة النقدية الرسمي لبنك الاحتياطي الفيدرالي يستهدف متوسط معدل تضخم يبلغ 2%.
وأكد بنك الاحتياطي الفيدرالي مجدداً ضرورة تبني نهج مختلف في تطبيق أدوات السياسة النقدية تكون بموجبه سياسة أسعار الفائدة هي الأداة الرئيسية لمكافحة التضخم المرتفع، بينما سيتم تعديل سياسة الميزانية العمومية، بطريقة مستهدفة، من أجل دعم الأسواق المالية المجهدة. وهذا سيسمح بتنفيذ عملية تتسم بمزيد من التنظيم والاستدامة لتعديل السياسة النقدية.