

يعد مبدأ «التمسك بالمهمة» أحد المبادئ الأساسية التي يحاول الجيش زرعها في الجنود، وبينما يتمسك الجنود البسطاء وصغار الضباط بكل الأشكال المتاحة، لا تتمسك القيادة المدنية ولا كبار القادة العسكريين بهذا المبدأ مرات كثيرة، وهم في الوقت ذاته لا يملون من تردديه على مسامع مرؤوسيهم.
وهناك أمثلة كثيرة توضح تهاون الطبقة السياسية وقادة الجيش في تطبيق هذا المبدأ، وأبرز مثالين على ذلك، عمليتا «الرصاص المسكوب» و «عمود السحاب»، اللتان أجهضتهما الحكومة أثناء ذروتهما رغم عدم تحقق أهدافهما. كان ذلك بسبب حكومتين لا تتحليان بالشجاعة ولا الصبر، وقد رضختا لضغوط خارجية وداخلية لسحب الجنود.
أما الشيء الذي خشيتاه هاتان الحكومتان أكثر من اللازم هو «وقوع ضحايا»، فقد سُحبت القوات بينما كانت حركة حماس قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. وكانت نتيجة غياب التصميم أن البنية التحتية للصواريخ ظلت كما هي، وبقية الوسائل القتالية الأخرى لدى حماس.
بعد عمليات خطف المراهقين يجب ألا نمتنع عن توجيه السؤال الآتي: هل سيتكرر سلوك الانسحاب هذا مع الحكومة الحالية، المكونة من تحالف حزي الليكود- البيت اليهودي؟ توحي العمليات الابتدائية الحالية بوجود توجه صحيح ينطوي على تصميم وتسمك بالهدف. وبينما يؤيد الرأي العام هذا السلوك، وفي حين بدأ يتضح أن وجود المخطوفين سيفرض على القوات رحلة طويلة متعبة للقوات الإسرائيلية، خاصة الجيش، شرعت بعد الجهات الراديكالية في التساؤل: ألسنا نبالغ في «العقاب الجماعي» أو أليس هناك «طرق أخرى». بالطبع يتمحور السؤال حول الثمن الذي ستدفع إسرائيل نظير تحرير الجنود المختطفين.
هناك أسئلة لم تطرح بعد حتى الآن ككم مخرب يتعين على إسرائيل الإفراج عنه، إذ إن هذا المطلب لم يطرح بعد على الطاولة. بل اشتملت الأسئلة على كم تتكلف عملية البحث عن المختطفين يوميا، وما هي الأضرار الواقعة نتيجة «البحث عن إبرة في كومة قش» على السكان الفلسطينيين وبالتدريبات وبمهام الجيش الحيوية الأخرى. بالطبع لا ننسى السؤال الأهم، وهو العقيدة اليهودية التي لن تندثر على ما يبدو: «ماذا سيقولون في الخارج. كيف نبدو أمام للعالم؟
كل هذا الجدل ألقى بتأثير على الرأي العام والمجلس الوزاري المصغر وهيئة القيادة العامة، فبدأ الوحدات العسكرية الخروج من ميادين القتال وفتح الحواجز وإلغاء الطوق الأمني. لا يفوتنا القول: إنهم يستعملون إضافة إلى العمليات العسكرية وسائل أخرى كالاستخبارات، التي باتت هل الأمر والناهي في كل شيء.
يمكننا القول: إن الشيء الذي كان سبباً في وضع حد لأكثر الحروب، خاصة في العصر الحديث، هو ضعف المدنيين. وما كان سببا في انكسار نظم حكم ظلامية سيكون سبباً في انكسار الحكومة إذا لم تخضع للضغوط من الداخل، فالعالم غير مهتم بما يحدث من عمليات اختطاف جماعي. إذا استمرت الحكومة في الضغط على السكان الذين يؤون الخاطفين والمخطوفين، فقد نعيد المراهقين مرة أخرى. أما إذا لم نجد الأطفال المخطوفين، فإن الخاطف والمتستر عليه والمؤيد له سيصاب بضربة لن يفيق منها لسنين.