تغير الزمان فجاء شهر رمضان بنسماته ونفحاته، وتغيرت الحال فصفدت الشياطين التي طالما أزَّتْك إلى العصيان أزًّا، وفتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النيران. أما آن لك أن تتغير أنت أيضا؟! أما آن لك أن تنظر في مرآة قلبك؟! أما آن لك أن تعيد النظر في عبادتك التي أمرك الله بإقامتها، وطاعاتك التي دعاك الله إلى أدائها؟!
أما زالت صلاتك صلاة العابثين، الذين يرددون بألسنتهم، ويحركون أبدانهم، وقلوبهم في وادٍ آخر؟! أما زلت تخرج منها دون أن تعمل فيها فكرك، أو يخشع لها قلبك، أو تشعر بلذة المناجاة مع خالقك؟!
يقول بعض الصالحين: «إذا دخلت في الصلاة وكأن ملك الموت خلفي، يوشك أن يقبض روحي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، والصراط تحت قدمي، والميزان أمامي، ثم أخشى ألا تقبل صلاتي!»
أي صلاة هذه التي يخرج منها صاحبها ليظلم هذا، ويضرب هذا، ويأكل مال هذا، ويستحل الربا. ويعاقر الخمر، ويتخذ الخليلات، ويغتاب المسلمين، ويقطع الرحم، ويعق والديه، والله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}؟!
كيف حالك مع الصدقة؟ أما زالت نفسك لا تطاوعك أن تنفق من مال الله الذي آتاك، {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}؟!
ألا تدرك أنك عندما تبخل، فإنما تحرم نفسك ثمرة هذه النفقة، فالإنفاق تطهير للنفس من الحرص والبخل والشح، ونماء وبركة وحفظ للمال، لتترك صحيفتك خالية من العمل الصالح يوم الجزاء وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ}؟!
وإذا أنفقت، أما زلت تعمد إلى أسوأ ما عندك فتتصدق به، والله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}؟!
أما زلت تحب أن يطلع الناس عليك؟ وأن يتحدث الناس بعطائك، ويذكرك المحيطون بالكرم والجود؟ أما زلت تمن على الفقراء والمحتاجين بما تعطيهم؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ}.
الله تعالى لا يقبل منك إلا أن تكون نفقتك خالصة لوجهه سبحانه {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا}
أما زلت تصوم عن الطعام والشراب، وتطلق العنان لجوارحك تنظر إلى ما حرم الله، وتسمع ما يبغض الله، وتتكلم بما يسخط الله؟!
أما زلت تحافظ على صيامك في نهار رمضان، فإذا أقبل الليل كان لك شأن آخر؟
كيف حالك مع القرآن والله تعالى يقول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}!
هل تحافظ على ختم القرآن بلا تدبر، ودون فهم معانيه وإدراك مراميه؟!
هل تقرؤه بسرعة، لتقضي واجباً مرا، وتتخلص من حمل ثقيل، أم تقف عند أوامره ونواهيه، وتقلب الفكر في قصصه وعبره؟!
هل تستشعر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن»؟! هل سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله... هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع به العلماء... من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم».. كيف حالك مع الله؟!