أصبحت غزة جزءاً لا يتجزأ من السياسة الأوروبية، ليس فقط على مستوى السياسة الخارجية، بل الداخلية أيضاً، كما أنها أصبحت محركاً أساسياً لبعض الخلافات السياسية في العديد من الدول الأوروبية.
ومنذ بداية العام الحالي، شهدت عدة دول أوروبية إضرابات وخلافات سياسية داخلية نجمت عن تباين المواقف تجاه عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، وأدت هذه التوترات إلى انقسامات حادة داخل الأحزاب الحاكمة والمجتمعات، مع تصاعد الضغوط الشعبية لوقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية في غزة.
استقالات حكومية
وأبرز تلك الدول التي تأثرت بشكل مباشر بما يجري في هذه المدينة المحاصرة، التي يواجه أهلها عدواناً مستمراً وحرب تجويع لا إنسانية وغير مسبوقة، هي هولندا.
فمنذ بداية شهر أغسطس الحالي، استقال تسعة وزراء من حزب «العقد الاجتماعي الجديد» احتجاجاً على عدم اتخاذ الحكومة إجراءات صارمة ضد الاحتلال بسبب جرائمه في غزة.
وأدت الاستقالات إلى عقد جلسة برلمانية طارئة، ما يعكس انقساماً عميقاً داخل الائتلاف الحاكم، وسط مظاهرات شعبية في أمستردام طالبت بوقف تصدير الأسلحة وفرض عقوبات.
أما في ألمانيا، فقد أثارت نائبة زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم جدلاً خلال الشهر الحالي بانتقادها تصريحات الاحتلال بشأن دخول المساعدات إلى غزة، ووصفتها بأنها «غير مقنعة»، واقترحت تعليق تصدير الأسلحة وإعادة تقييم التعاون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وكشفت هذه التصريحات عن انقسامات داخل الحزب الحاكم بين مؤيدين للاحتلال وداعين إلى مراجعة السياسة استجابة للضغوط الشعبية.
ولم تكن بريطانيا بمعزل عن هذه الأحداث، حيث شهدت تحولاً في مواقفها منذ صيف 2024 بعد انتهاء حكومة المحافظين.
ففي مايو الماضي، عقد البرلمان جلسة تناولت الأوضاع في فلسطين، وندد نواب بحصار غزة، فيما علّق وزير الخارجية ديفيد لامي مفاوضات التجارة الحرة مع الكيان الإسرائيلي.
وفي أغسطس الحالي، منعت بريطانيا مسؤولين إسرائيليين من حضور معرض أمني في لندن، في خطوة عكست حجم الضغط الشعبي.
أما في مدريد، فقد أعلنت إسبانيا خلال هذا الشهر خطة لوقف العدوان والمجاعة، مؤكدة دعمها لحل الدولتين. وانتقد رئيس الوزراء بيدرو سانشيز سياسات الاحتلال، مشيراً إلى غياب مشروع سلام.
وأثار هذا الموقف جدلاً داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تواجه إسبانيا مقاومة من دول أوروبية أخرى داعمة للاحتلال.
وفي أبريل الماضي، دعت الأحزاب اليسارية في فرنسا إلى الاعتراف بدولة فلسطين، وفي المقابل ألغى الكيان الإسرائيلي تأشيرات 27 نائباً فرنسياً كانوا يخططون لزيارة الأراضي الفلسطينية، مما أثار احتجاجات في باريس طالبت بوقف الحرب. كما انتقد الرئيس ماكرون سياسات التجويع والاستيطان، الأمر الذي تسبب بتوترات مع الأحزاب اليمينية.
مظاهرات شعبية
أما على مستوى الاتحاد الأوروبي، فقد كشف تقرير في يونيو الماضي عن انتهاكات الاحتلال للقانون الإنساني، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح. كما وقّع 209 دبلوماسيين أوروبيين سابقين رسالة خلال الشهر الحالي، حذروا فيها من خطط ترحيل الفلسطينيين من غزة، داعين إلى تعليق تصدير الأسلحة.
ولعبت المظاهرات دوراً بارزاً في تأجيج الصراعات. ففي مايو 2025، شهدت مدن مثل ستوكهولم ولندن وبرلين مظاهرات حاشدة بذكرى النكبة، طالبت بوقف الحرب. وأظهرت استطلاعات للرأي في الاتحاد الأوروبي تراجع تعاطف الشباب الأوروبي مع الكيان الإسرائيلي، حيث اعتبر 49 % من الإيطاليين و46 % من السويديين أن الاحتلال يرتكب إبادة جماعية.
وتعكس هذه الأحداث انقساماً بين الدول الداعمة للاحتلال وتلك التي تنتقده، ويمكن القول إنه حتى الآن لا يوجد موقف موحد لهذه الدول.