العلاقات الروسية الأميركية ... أزمة ليست عابرة
حول العالم
31 يوليو 2017 , 02:21م
الدوحة - قنا
في انتكاسة جديدة للعلاقات الروسية الأمريكية قررت موسكو طرد مئات الدبلوماسيين الأمريكيين من أراضيها ردا على عقوبات جديدة فرضها مجلس الشيوخ الأمريكي على الشركات الروسية العاملة في قطاعي النفط والغاز ، فقد أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ، بمغادرة 755 شخصا من البعثات الدبلوماسية الأمريكية في روسيا، وأعرب عن أمله في أن تتحسن العلاقات بين البلدين، لكنه استبعد أن يحدث ذلك قريبا.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إنها أخطرت واشنطن بخفض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين المعتمدين لديها ليصبح مساويا لعدد نظرائهم الروس المعتمدين لدى الولايات المتحدة.. ولم يفت روسيا في هذه المناسبة أن تؤكد على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي ريكس تيلرسون أن موسكو، قامت بكل ما يمكن من أجل تحسين العلاقات وكانت تمارس سياسة ضبط النفس أمام ما وصفتها بالاستفزازات الأمريكية.
وفي إشارة إلى احتمال قيام روسيا بإجراءات مضادة أخرى قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي إن رد بلاده على العقوبات الأمريكية لن يقتصر على هذه الخطوة. كما أعلن فاسيلي نيبينزا مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أن بلاده اضطرت للرد على العقوبات الأمريكية، التي اعتبرها غير قانونية ولا أساس لها .. واصفا العلاقات الروسية الأمريكية في الوقت الراهن بأنها "في الحضيض" ، وهو أمر لم تصل إليه في أيام الحرب الباردة، غير أنه استدرك بالقول إنه لا يمكن لموسكو وواشنطن العمل دون بعضهما البعض، خاصة في مسائل دعم الأمن والسلام العالميين.
وكان مجلس الشيوخ الأمريكي، قد أقر يوم الخميس الماضي، عقوبات جديدة على روسيا في مشروع قانون يحتاج الى موافقة الرئيس دونالد ترامب حتى يصبح قانونا واجب التنفيذ.. وتطال هذه العقوبات المشددة شركات قطاع النفط والغاز الروسية، وكذلك الصناعات الثقيلة، التي قد تحرم من الحصول على القروض والتكنولوجيا الأمريكية. وبالتالي، فإن هذه الشركات العملاقة مثل "غازبروم" و "روس نفط" وغيرهما، والتي تعود ثلث أسهمها إلى الدولة الروسية، قد تواجه صعوبات في تنفيذ المشروعات الكبيرة بما فيها "السيل الشمالي-2" و"السيل التركي".
ويقول المحللون الروس إن من الواضح أن الولايات المتحدة تريد إخلاء الساحة لتسويق الغاز المسال الذي تنتجه في أوروبا، وبسعر أعلى.
ويقتضي مشروع "السيل التركي" الذي بدأ تحقيقه بعد تطبيع العلاقات الاقتصادية بين موسكو وأنقرة، بناء أنبوبين بطاقة تمريرية تصل إلى 15.75 مليار متر مكعب لكل واحد منهما، أحدهما لتوريد الغاز الروسي إلى تركيا والثاني لعبوره إلى أوروبا. وفي حال إتمام المشروع، ستحقق تركيا طموحاتها في أن تصبح مركزاً إقليمياً لعبور الغاز، بينما ستتمكن روسيا أخيراً من الحد من اعتمادها على أوكرانيا في عبور الغاز، وستصدر رسالة قوية للغرب بأنها قادرة على تحقيق مشاريع دولية كبرى رغم العقوبات المفروضة عليها.
كما وافق مجلس الشيوخ على مشروع قانون يمنح الكونجرس سلطات جديدة لمنع الرئيس ترامب من تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، وكانت نتائج التصويت 419 مؤيداً مقابل 3 معارضين.. وتعد هذه الخطوة أحد أول التشريعات الرئيسية المؤيدة من قبل الحزبين الجمهوري والديمقراطي صدرت خلال رئاسة ترامب، ما يقيد فعلياً يدي الرئيس عندما يتعلق الأمر بتخفيف العقوبات الروسية. ويتضمن مشروع القانون أيضاً عقوبات جديدة على إيران وكوريا الشمالية، وكان نتيجة مفاوضات مطولة بين مجلس النواب ومجلس الشيوخ تحولت إلى تبادل اتهامات بين الطرفين واللجان قبل التوصل في النهاية إلى اتفاق.
وبمجرد تسلم الرئيس ترامب رسمياً مشروع القانون، سيكون لديه عشرة أيام للتوقيع أو الاعتراض على هذا الإجراء. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة هاكابي ساندرز، إن الرئيس سيراجع مشروع قانون العقوبات. ولم توضح ما إذا كان سيوقع المشروع أو سيستخدم ضده الفيتو. غير أن المشرعين الأمريكيين الذين قادوا تشريع العقوبات شككوا بدرجة كبيرة في إمكانية أن يستخدم الرئيس ترامب حق النقض ضد مشروع قانون تم تمريره بأغلبية ساحقة من قبل مجلسي النواب والشيوخ.
الأمل بحصول دفء جديد في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بدأ يتضاءل بعد أن وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون تشديد العقوبات ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية. وبات من الواضح أن آخر من يمكنه وقف تنفيذ هذا الأمر هو رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب. بيد أن البيت الأبيض تفاعل فجأة مع مبادرة المشرعين الأمريكيين، وأعلن مدير خدمة الاتصالات فيه أنطوني سكاراموتشي أن الرئيس ترامب يمكن أن يستخدم حق الفيتو ضد هذا المشروع، لكي يتم تشديد العقوبات أكثر، لكنه لم يحدد ضد من سيكون هذا التشديد ، ضد إيران أو كوريا الشمالية أو روسيا.
ويرى المحللون الروس أن التعاون بين وزارتي الدفاع الروسية والأمريكية قد ينقذ العلاقات المتدهورة بين الدولتين الكبيرتين، ونوهوا بأهمية قنوات الاتصال العسكرية بين البلدين، وقالوا إن القيادات العسكرية وعلى النقيض من العاملين في السياسة الخارجية، أكثر جزما في أحكامهم.
وأضاف المحللون أنه "إذا كانت وزارة الدفاع الروسية تلتزم بصرامة بقواعد السلوك، فإن وزارة الخارجية تعتمد مبدأ الحوار، والشيء نفسه موجود لدى الجانب الأمريكي، كما أن العسكريين قادرون على الاتفاق فيما بينهم، ولكن من المهم بالنسبة إليهم ترتيب ذلك عبر الخط الدبلوماسي والسياسي".
ويضيف المحللون في موسكو أن تطورات الأزمة في العلاقات الروسية الأمريكية رافقها تذمر أوروبي من التوجه الأمريكي الذي قالوا إنه يضر بأوروبا وعلاقاتها مع روسيا ويطرح أكثر من تساؤل عما إذا كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد فعلا سد أي باب لإصلاح العلاقات مع موسكو وعن مدى تضرر واشنطن من قرارات موسكو المضادة.
ووفق تقارير صحفية روسية في موسكو فإن معظم دول أوروبا لا تدعم العقوبات الأمريكية على روسيا، ولكن بين هذه الدول من يحاول إرضاء واشنطن، فقد أعلنت جمعية رجال الأعمال الأوروبيين أنها لن تساند فرض عقوبات جديدة على روسيا، لأنها "قد تؤدي إلى تقليص جدي في الإنتاج وفرص العمل في القطاعات المعنية".
وبحسب مندوب روسيا الدائم لدى الاتحاد الأوروبي فلاديمير تشيجوف، فإن الأوروبيين يدرسون خيارا للإعلان عن أن القانون الأمريكي لا يسري مفعوله في بلدان الاتحاد الأوروبي، وكذلك وقف تمويل الشركات الأمريكية من قبل المصارف الأوروبية، لكن ألمانيا اتخذت نهجا آخر ويبدو أنها تفكر في الانسحاب من مشروع "السيل الشمالي-2"، فقد أصدرت الوكالة الاتحادية الألمانية المسؤولة عن شبكات الطاقة والهاتف وسكك الحديد يوم 27 يوليو الجاري بيانا رسميا تضمن تقييمها لمشروع "السيل الشمالي-2"، الذي سيكون بإمكانه مضاعفة حجم الغاز الروسي المورد إلى أوروبا ليبلغ 110 مليارات متر مكعب سنويا، وقال البيان "إن خمسة مشروعات مختلفة لتوسيع /السيل الشمالي/ لا تزال تُعدُّ غير مأمونة، ولم تدرج في البرنامج الحكومي الألماني لتطوير شبكات الطاقة حتى عام 2026".
وحسب هذه التقارير فإن العقوبات الأمريكية الجديدة تتميز بأنها تشريع قانوني، وإن إرادة الرئيس ترامب غير كافية لإلغائها. وأضافت أنه إذا وقع ترامب مشروع القانون، فإن ذلك سيوجه ضربة قوية للعلاقات الأمريكية الروسية.. ومع ذلك لم يحن الوقت للقلق، فهذا المشروع لم يعرض على ترامب للتوقيع، ولا يمكن الحديث الآن عن خطوته التالية وحسب التقارير ذاتها ليس من المستبعد أن يخلط الرئيس ترامب أوراق خصومه ويقلب مبادرتهم رأسا على عقب".
واعتبرت التقارير الروسية أنه مهما كانت الخطوات المتخذة للتقارب بين الدولتين ، فستبقى هذه العقوبات مثل غيوم داكنة تتلبد فوق موسكو.
م . م